هارون محمد: مستقبل السنة العرب تحت احتلال الحشد الشيعي !

عندما كتبنا وحذرنا في فضائيات عدة، من تغول المليشيات الشيعية وتوغلها في العاصمة بغداد وأحيائها ذات الاغلبية السنية واجتياح محافظتي ديالى وصلاح الدين بالكامل والهيمنة على مدن شرق الانبار وجنوبها وشمال بابل وغربي كركوك والتنكيل بسكانها الذين عانوا كثيرا من قهر اجهزة وعساكر المالكي وقمع تنظيم داعش، فاننا انطلقنا من جملة معطيات سياسية ومعلومات ميدانية عززتها اعترافات برلمانية محلية وتقارير دولية وامريكية بان ما يسمى بـ(الحشد الشعبي) هو مجرد اداة ايرانية ضاربة، مهمتها الاساسية في المرحلة الراهنة اجتثاث السنة العرب من العراق واحتلال مناطقهم وارغامهم على النزوح منها ومنعهم من العودة اليها واجبار البقية الباقية منهم على العيش في مدن محاصرة بالخنادق والاسلاك المكهربة وذات الممر الواحد للدخول اليها والخروج منها تحت رقابة مشددة، كما يحصل حاليا لمناطق حزام بغداد التي تضم اكثر من ثلاثة ملايين انسان عراقي يعيشون في المدائن جنوب العاصمة صعودا الى المحمودية واليوسفية واتصالا بشمالها في ابوغريب والراشدية والتاجي والطارمية والضلوعية، في حين تم ضم قضاء النخيب الانباري الى كربلاء واحتلت المليشيات طريق الحج البري الذي يربطه بالسعودية، وحفر خندق يفصل بين المحافظتين، اما الشروع في حفر خندق الفلوجة فقد اعلن عنه رسميا قبل ايام والبقية تأتي تباعاً.

وعندما يعلن النائب احمد الاسدي القيادي في الحشد، ان رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي اصدر قرارا ديوانيا يقضي بهيكلة الحشد وتحويل مقاتليه الى صنف عسكري مواز لجهاز مكافحة الارهاب يتألف من 20 لواءً عسكريا، أي انه سيتكون وفق الانظمة العسكرية السائدة من 7 فرق، كل فرقة تضم من 6000 الى 7500 ضابط وجندي ومنتسب، حسب ما معمول به حاليا في قوات جهاز مكافحة الارهاب، فان ذلك يعني بوضوح ان فرق الحشد السبع ستنتشر في المحافظات السنية العربية وتتحكم في مصائرها وتخضع اهلها الى البطش الطائفي والانتقام المذهبي قد يفوقان اضطهاد داعش لهم.

وبالمناسبة فان محافظي ثماني محافظات في الجنوب والوسط قد اتفقوا في اجتماعات سرية لهم خلال عيد الفطر في النجف على منع مقاتلي الحشد من الرجوع الى محافظاتهم خشية حدوث فوضى وعمليات سلب وقتل ومطالبات بالوظائف والرواتب، ودعوا الى ابقائهم في المدن السنية وضرورة فتح جبهات حرب جديدة لهم في الموصل والحويجة والشرقاط.

انه مخطط مرسوم بخبث ايراني وتفرج امريكي وارتياح اسرائيلي، اعتقادا من هذه الاطراف ومعها احزاب ومرجعيات وكتل شيعية ترى ان السنة العرب في العراق، هم مجرد فئات من البعثيين والصداميين والقوميين والداعشيين، في محاولة متعمدة لتشويه صورتهم والغاء هويتهم القومية وطمس تراثهم الوطني والاستمرار في اجتثاثهم وسحقهم.

ان تحويل مليشيات طائفية لا تحسن غير السرقة والسطو والتخريب ومعبأة نفسيا وعقائديا بان السنة هم العدو رقم واحد ، الى تشكيلات حكومية، ونشرها في المحافظات السنية يحمل دلالات صريحة بان السلطة الشيعية وحكومة حزب الدعوة مصرتان على تنفيذ اجندة ايرانية تفضي الى ابتلاع العراق وتحويله الى ولاية تشكل جزء من المشروع الامبراطوري الفارسي الذي كثر الحديث عنه هذه الايام وبات يتصدر تصريحات كثير من الجنرالات والمسؤولين الايرانيين.

ولان ايران ومواليها وجواسيسها في العراق، شطبوا على عروبة الشيعة في محافظات الجنوب والفرات الاوسط، التي تعرضت الى ابشع هجمة منظمة طوال السنوات القليلة الماضية تركزت على اغتيال الاف البعثيين والقوميين والعلمانيين وشيوخ العشائر العروبيين وقادة وضباط الجيش السابقين ومنتسبي التصنيع العسكري العاطلين ومطاردة المثقفين والمتنورين والاكاديميين، وتخوين عمداء بيوت عراقية اصيلة وتسقيط وجهاء وأعيان وشخصيات شيعية عرفت بحسها الوطني وتوجهاتها القومية، فقد جاء الدور على السنة العرب للمضي في الاجهاز عليهم على دفعات تبدأ من محاصرة مدنهم وتطويق محافظاتهم بالخنادق والاسوار، مرورا بمنع نازحيهم من العودة الى ديارهم وانتهاء باحتلال مناطقهم ومصادرة حرياتهم، وعزلهم عن عاصمتهم وفرض الاقامة الاجبارية عليهم.

خلال رمضان الماضي، التقينا صدفة بعدد من النواب في مناسبة اجتماعية وهم يتلقون التقريع من عراقيين يقيمون في الاردن ومصر ودول الخليج العربي منذ عدة سنوات، فوجئوا بظهور اسمائهم في لوائح التدقيق الامني التي اعدتها لجان مشتركة من الحشد والشرطة الاتحادية على اساس انهم متعاونون مع داعش في محافظة الانبار، وشخصيا اطلعت على قائمة باسماء 560 شخصا جميعهم من الفلوجة ومدن الانبار مطلوب القبض عليهم، رغم انهم غادروا العراق منذ سنوات كما مثبت أزاء كل اسم منهم بعبارة (مجهول محل الاقامة او هارب منذ عام كذا) وتواريخ الاعوام توضح انها قبل عام 2014 الذي شهد منتصفه مجييء مسلحي داعش واحتلالهم لبعض مناطق المحافظة، فجاءت اجوبة النواب واهية و(يصير خير) دون ان ينتبه المواطنون المفجوعون، ان ادراج اسمائهم ضمن مذكرات اعتقالهم هو جزء من المخطط الخبيث لمنع عودتهم الى بلدهم وبلداتهم مستقبلا، وبالتالي عليهم البقاء في الخارج، خصوصا وان اغلبهم مؤشر مقابل اسمه (تاجر او رجل اعمال او استاذ جامعي او ضابط متقاعد او شيخ عشيرة) وواحد منهم على سبيل المثال لا الحصر من قضاء القائم، داهم مسلحون داعشيون بيته ومضيفه وعبثوا بهما وأحرقوا مكتبته الخاصة وصادروا مسجدا لاسرته والرجل بعيد يقيم في اربيل منذ اعوام.

عندما نتحدث عن محنة السنة العرب الحالية ومستقبلهم المظلم، فاننا نبحث ذلك كحالة سياسية واجتماعية، لا علاقة لها بالمسائل الدينية والمذهبية التي ليست من اهتماماتنا، وانما من حقنا وواجب علينا ان نذكّر أهلنا بالاتي من الاخطار ونحذر من ايام مقبلة سوداء، عسى ان تنفع الذكرى ويفيد التحذير!

نقلا عن صحيفة (العرب)

إرسال التعليق