الثورة الإيرانية والمتاجرة بالقضية الفلسطينية
عملت إيران منذ اندلاع الثورة الإيرانية على نظام الشاه عام 1979م، على المتاجرة بالقضية الفلسطينية، لأنها دائمًا كانت محط أنظار العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، ولطالما تاجرت بها أيضًا بعض الأنظمة لكسب التأييد الشعبي.
فمن درس تاريخ الصفويين والقاجاريين والحركات الباطنية قديمًا ومن رأى أفعالهم في سوريا والعراق واليمن ولبنان حديثًا لا يستغرب من كونهم “خنجر مسموم” في ظهر الأمة لم ينصرونها يومًا.
الميليشيات الموالية لإيران ونظام حافظ الأسد ومنها حركة أمل التي أسسها الإيراني الجنسية “موسى الصدر” سحقت مخيمات الشعب الفلسطيني في ثمانينيات القرن الماضي، وكانت حرب المخيمات في العام 1985م هي الأشد حيث حاصرت وقتلت الآلاف من الفلسطينيين بلا رحمة في صفحة دامية لن ينساها التاريخ ودونها الشيخ محمد سرور زين العابدين (عبدالله الغريب) في كتابه “أمل والمخيمات الفلسطينية”. وكان الكثير من عناصر ميليشيا حزب إيران اللبناني المعروف إعلاميا باسم “حزب الله” ضمن صفوف حركة أمل حينها، ولم يسلم كل من ساند المقاومة الفلسطينية في المخيمات من اللبنانيين السنة من إجرام محور إيران، ووقفت تلك الميليشيات موقف المتفرج وقوات حافظ الأسد تدك مدينة طرابلس الشام السنية على رؤوس أهلها من اللبنانيين واللاجئين الفلسطنيين في مؤامرة مكتملة الأركان على المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني.
ومع كل هذه الجرائم حاول “حزب الله” اللبناني الذي دخل الساحة اللبنانية بقوة بدعم إيراني في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، لتغيير تلك الصورة النمطية عن ميليشيا إيران، خصوصًا أن نظام وصاية حافظ الأسد على لبنان قام بجمع السلاح من كل الفصائل السنية في لبنان وعلى رأسها الجماعة الإسلامية وجناحها العسكري “قوات الفجر” التي قاومت الاحتلال الصهيوني بضراوة وكانت تمثل أهل السنة في لبنان، خصوصًا بعد القضاء على تنظيم “المرابطون” الذي كان يمثل التيار الناصري بعدما اجتمعت عليه قوات “جنبلاط” وحركة “أمل” قبلها بسنوات!
الحزب عمل على نسج العلاقات مع القوى الفلسطينية في المخيمات الفلسطينية وخصوصًا الجبهة الشعبية – القيادة العامة بزعامة أحمد جبريل الموالي للنظام السوري، ومن بعدها توسع في العلاقات مع حماس والجهاد الإسلامي.
ورغم الانتقادات التي وجهت للحزب حينها في التسعينيات بأنه استولى على بعض مساجد أهل السنة في جنوب لبنان والبقاع، إلا أن الحزب مع الانسحاب الصهيوني من جنوب لبنان حقق شعبية كبيرة بين الشعوب العربية التي كانت تجهل حقيقته ومخططات إيران في المنطقة، ومع الاحتلال الأمريكي للعراق ظهرت حقيقة الحزب جلية أمام الشعوب العربية والإسلامية، خصوصًا في استهداف الميليشيات الموالية لإيران في العراق وعلى رأسها جيش المهدي الذي يتزعمه مقتدى الصدر وفيلق بدر وميليشيات أخرى باستهداف اللاجئين الفلسطينيين في حي البلديات خاصة وفي العراق عامة، وكان الحرس الثوري الإيراني ينسق عمليات سحق الفلسطينيين في العراق خاصة والعرب السنة عامة.
وجاءت حرب يوليو/تموز في 2006 لتعيد بعضًا من رونقه بعد خسائر الحزب الإعلامية الفادحة، لكن سرعان ما كانت مواقف الحزب السياسية في دعم المخططات الإيرانية في المنطقة تدمر سمعته مجددًا، ثم جاءت الثورة السورية على نظام الأسد في دمشق لتعري صورة إيران والحزب تمامًا أمام العالمين، بعدما حاربوا الثورة السورية وقتلوا من الشعب السوري مئات الآلاف، ولم يسلم منهم المخيمات الفلسطينية في سوريا من درعا إلى الساحل السوري ومن دمشق إلى حلب حيث دمرها وهجّر أهلها في مأساة ليس لها مثيل حتى النكبة عام 1948 لم يصل فيها الإجرام إلى هذا الحد.
وفي مأساة غزة الأخيرة، خرج مستشار قائد فيلق القدس بالحرس الثوري ليقول: “لا حاجة لتدخل إيران في الحرب فالمقاومة قادرة على التصدي للعدوان”، وهو تهرب صريح من نصرة فلسطين ومما كان يسمى “وحدة الساحات”.
أما صحيفة كيهان الإيرانية التابعة للحرس الثوري الإيراني فقالت في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي إن: “إيران لن تخوض الحرب نيابة عن أي أحد”، وهذا صحيح فإيران تتاجر بالقضايا لتحقق أهدافها في السيطرة على المنطقة، ولا يمكن أن تدخل في معركة قد تخسر خلالها كل مكتسباتها في المنطقة منذ 40 عامًا.
وهذا الشيخ صبحي الطفيلي مؤسس ما يسمى إعلاميًا “بحزب الله” والذي انشق عنه أكد أن “إيران جزء من الحلف الغربي على الأمة الإسلامية، وهي تخشى على مكاسبها في العراق وسوريا والمنطقة”، ولهذا لا تريد التدخل فيما يجري لأهل غزة.
ومن قبل كل هذا، اعترف وزير الخارجية البريطاني الأسبق جاك سترو، بأن طهران هي من زودت (إسرائيل) بصور جوية للمفاعل النووي العراقي الذي قصف في 1981، كما زوّدت (إسرائيل) إيران بصور عن مواقع غرب العراق لتدميرها، وشارون بنفسه اعترف بتزويد الخميني بالسلاح، وتسهيل هجرة اليهود الإيرانيين إلى الكيان.
فلسطين التي فتحها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب وحررها صلاح الدين ومن بعده السلطان نجم الدين أيوب، وحماها المماليك والعثمانيين لقرون، لن يحررها من يلعن فاتحها والصحابة وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم، ولا شك أن ما يجري في غزة اليوم قد فضح محور إيران إلى الأبد بعدما تركوا أهلنا وحدهم في مرمى النيران الصهيونية – الغربية، والشعب الفلسطيني قادر ومن خلفه الأمة على تحرير القدس طال الزمن أو قصر وما ذلك على الله بعزيز.
إرسال التعليق