خاص بمركز العصر: إيران تجنّد إفريقيا للحرب .. والخليج العربي هو الهدف
عمار عبيدي*
ليس الحديث عن التغلغل الايراني الفظيع في افريقيا بدعة من فراغ؛ فقد عملت الدولة الصفوية منذ سنوات على ترسيخ اقدامها في افريقيا وشهدت سنة 2010 أوج هذه الخطوات حيث تم في طهران عقد “منتدى الحوار الايراني الافريقي ” في 11 من سبتمبر بمشاركة ممثلين عن 40 دولة افريقية وعبر المنتدى في بياناته عن بداية تعاون مثمر بين الجانبين في ظل مبادئ مشتركة كثيرة . وقد تعددت اهداف ايران من عقد هذا المنتدى وفي مقدمة ذلك حشد التأييد الافريقي في التخلي عن تتبع المؤسسات الشيعية المختلفة بالإضافة الى ايجاد سوق افريقية واسعة للمنتوجات الايرانية واعطاء غطاء سياسي متين للعمليات “التبشيرية” لمؤسسات ايران المختصة في تجنيد الموالين .
في هذه الدراسة نحاول حصر اغلب نقاط الانتشار الشيعي الايراني في مختلف اجزاء القارة الأفريقية من خلال رصد لمناطق ودول شملتها الهجمة الإيرانية والزحف الاسود الصفوي.
لكننا يجب أن نقول في البداية أن ما تم التخطيط له منذ سنوات في طهران بدأت نتائجه تظهر في واقع الفضاء الإفريقي اليوم فخلاصة العمل الشيعي الايراني في أفريقيا تم تتويجه في الشهر الثامن من سنة 2016 حيث أعلن زعماء الحوزات الشيعية في إفريقيا عن بدء نشاطات رابطة عموم إفريقيا لآل البيت وهي منظمة شيعية غير حكومية تأسست في العاصمة السنغالية داكار التي حددها المؤسسون مقراً للرابطة.
وفي هذا السياق يقول بيان هذه الرابطة «أن الرابطة أصبحت الإطار الجامع للشيعة الأفارقة وستعمل من أجل تعليمهم وتربيتهم وترسيخ قيم السلم الإجتماعي في مجتمعات القارة كافة». وأوضح الأمين العام «أن الرابطة انتخبت مكتباً مؤقتاً سيدير نشاطها إلى أن ينعقد المؤتمر العام للشيعة الأفارقة قريباً لانتخاب قيادة دائمة».
وانتخبت الجمعية التأسيسية لرابطة عموم إفريقيا لآل البيت، بكار ولد بكار زعيم شيعة موريتانيا رئيساً، فيما انتخبت الشيعي السنغالي المشهور الشيخ شريف أمبالو أبو جعفر أميناً عاماً.
وانتخبت الجمعية التأسيسية المعمم محمد على يوسف الجروتي من أثيوبيا نائباً للرئيس مكلفاً بالمنطقة الشمالية، والمعمم آدامو قاسيسو من الموزمبيق نائباً للرئيس مكلفا بالمنطقة الشرقية، فيما انتخبت المعمم محمد تاحايبو من جنوب إفريقيا نائباً للرئيس مكلفاً بالمنطقة الجنوبية، والمعمم عبد الله عادل أنتولولو من الكونغو ابرازفيل نائبا للرئيس مكلفاً بالمنطقة الوسطى، وانتخب إمام عبدول الناظر دمبا من ساحل العاج نائبا للرئيس مكلفا بالمنطقة الغربية، كما انتخب جواد شيبو من النيجر أمينا مكلفا بالمالية.
وأكد البيان التأسيسي لرابطة عموم إفريقيا لآل البيت «أن تأسيس الرابطة ينبع من منطلقات عدة بينها اقتناع المؤسسين بأن عدد أتباع آل البيت في إفريقيا يزداد حيث أنه تجاوز الملايين، وإيمانهم كذلك بأن إفريقيا هي القارة التي ما تزال تعاني من آثار الاستعمار ومن التغيير التعسفي للأنظمة، ومن الفقر والبطالة».
وأشار إلى أنه «من دواعي تأسيس رابطة عموم إفريقيا لآل البيت كذلك، حرص المؤسسين على ضمان أمن وسلامة ورفاه الشعوب الإفريقية بعامة وأتباع آل البيت بخاصة». وحدد مؤسسو الرابطة أهدافاً عدة ينووون العمل لتحقيقها، وفي مقدمتها «تهيئة الظروف المواتية لظهور الإمام الحجة عليه السلام»، في إشارة للمهدي المنتظر عند الشيعة.
ومن الأهداف التي حددها المؤسسون لرابطتهم «نشر علوم آل البيت، وعرض الصورة الحقيقية للإسلام المتسامح، وحماية أقليات أتباع آل البيت في جميع أنحاء إفريقيا بتعزيز المكاسب والدفاع عن السلم الاجتماعي».
وكان أبو جعفر الأمين العام للرابطة وزعيم الشيعة في دولة السنغال قد أكد مؤخراً في برنامج حواري تلفزيوني مع قناة «والفجر» السنغالية «أن أتباع المذهب الشيعي في ازدياد وتنام كبير في أفريقيا بعامة وداخل السنغال بخاصة.
هذا الصعود الصاروخي للشيعة الذي توصلوا إلى تأسيس هياكل عابرة للقرات هو نتيجة ثمار عمل دؤوب شمل كل أنحاء القارة السمراء.
1 القرن الافريقي
من أبرز الأدلة أو لنقل المؤشرات على التناغم الكبير بين السياسة الامريكية بعد احداث 11 من سبتمبر 2011 والتمدد الشيعي ما حصل في القرن الافريقي حيث طرح المسؤولون الأمريكيون مشروع القرن الافريقي الجديد لتأمين الممرات المائية العالمية .
ونظرا لهذه الأهمية سعت ايران الى توسيع دائرة تواجدها في المنطقة خصوصا مع صعود الرئيس السابق أحمدي نجاد الى ادارة الحكم حيث سارع الى زيارة كل دول هذه المنطقة خاصة جيبوتي التي توليها ايران أهمية كبيرة نظرا لموقعها الاستراتيجي .
ونظرا للأهمية الكبيرة للمجال الافريقي فان زيارات المسؤولين الايرانيين لا تكاد تنقطع لمنطقة القرن الافريقي حيث سجلت هذه المنطقة قرابة 15 زيارة رسمية على أعلى مستوى (وزير ورئيس دولة) لكل من اوغندا وكينيا وتنزانيا والسودان واريتريا خلال سنتين .
نتيجة هذا الاهتمام الشديد بالقرن الأفريقي كانت مئات الالاف من المتشيعين المتحمسين للعمل ضمن لوبيات إيران في المنطقة والعالم لكن الاخطر هو استقطاب قيادات ورؤساء دول.
أ – الحلف الايراني الأريتري
لقد تعالت الأصوات في الخليج العربي وفي أماكن مختلفة حول التقارب الايراني الأريتري الذي اخذ يتطور بشهادة الرئيس الأريتري نفسه حيث يؤكد ان العلاقات مع إيران استثنائية وانه على علاقة جيدة بذراعها الحوثي في اليمن.
كما أكدت المعارضة الاريترية وجود تسهيلات عسكرية اريترية لايران تستطيع من خلالها ايصال الدعم اللازم للحوثيين في اليمن . وتعتبر عمليات ايران في اريتريا بالذات ممرا رئيسا بهدف ايران الأكبر وهو السيطرة على باب المندب الذي يعتبر البوابة الجنوبية للبحر الأحمر ويبلغ اتساعه قرابة 23 كلم .
هذا التقارب مكن ايران من قاعدة عسكرية متقدمة في منطقة حيوية جعلتها قادرة على التحرك بسهولة وتقديم الدعم الكافي للحوثيين في اليمن مما زاد في صعوبة عملية عاصفة الحزم، كما مكنها ذلك من دعم الشيعة في نيجيريا بالسلاح الكافي حتى تصبح لهم قدرة على مواجهة الحكومة وأهل السنة هناك.
2 دول الغرب الأفريقي
يشكل المسلمون الغالبية العظمى في معظم دول الغرب الأفريقي، ولذلك أوجدت إيران لنفسها موطئ قدم في تلك الدول كنيجيريا والسينغال، وبدأت مرحلة التأسيس منذ السبعينيات والثمانينات بشكل خاص، وذلك تزامناً مع هجرة أعداد كبيرة من المهاجرين اللبنانيين من الطائفة الشيعية إبان الحرب الأهلية .
وفي دراسة قام بها الدكتور إم. سيي من قسم الدراسة الدينية في جامعة كيب كوست الغانية حول المجتمع الإسلامي في غانا، علق بأن التشيع بدأ يدخل غانا بعد قيام الثورة الإيرانية بعدة طرق، أهمها مساعدة المسلمين السنة “فقط”، عن طريق مراكزها الثقافية، خصوصاً في مناطق الشمال التي تتركز خدماتها فيها، ولم تكن تدعوهم للتشيع، بل على العكس كانت تقدم لهم تذاكر السفر لأداء العمرة سنوياً وترميم منازلهم.
ومن المهم أيضاً أنها لم تبن مساجد أو حسينيات في بداية الأمر، وإنما بدأ الأمر تدريجياً، فكانت تقوم بترميم مساجد السنة، وتنشر الكتب التي تروّج لثورتها فيها، حتى لاقت قبولاً واستحساناً في أوساط الشباب السني.
ومع بداية هجرة اللاجئين اللبنانيين في بداية الثمانينات، تزايد نشاط الدعوة الشيعية، وبدأت منظمات كمنظمة الكوثر في بناء المساجد وتنظيم الاحتفالات الدينية الشيعية كالاحتفال بيوم القدس وعاشوراء وغيرها .
واليوم تقدر الإحصائيات بأنه يوجد في غانا وحدها ما لا يقل عن 1.18 مليون ممن يتبعون المذهب الشيعي وهم في ازدياد.
وفي عهد رئيس غانا السابق، كانت إيران أكثر مرونة في أنشطتها على أراضي الشمال، بحجة مساعدة المسلمين والمهاجرين اللبنانيين، ومنها تزايدت وتيرة التشيع بين أبناء السنة، وبدأت في بناء العيادات الطبية والمدارس التي تروّج لها ولثورتها، وأبرزها الجامعة الإسلامية في غانا.
والحال لا يختلف كثيراً عن نيجيريا التي تحتضن اليوم نسبة كبيرة من الشيعة، رغم أنه لم يكن هناك أي وجود شيعي في نيجيريا قبل ثمانينات القرن الماضي نهائياً، ولا توجد إحصائيات ثابتة حول تعداد الشيعة في نيجيريا، ولكن يقدر تعدادهم بما لا يقل عن 3.5 مليون، وهناك مصادر أخرى توضح أن عددهم لا يقل عن 10 ملايين.
ويقود حملات التشيع في نيجيريا إبراهيم الزكزاكي الذي يترأس ما يعرف بالحركة الإسلامية النيجيرية، حيث قامت إيران باستقطابه بعدما رأت فيه انبهاره بثورتها وشعاراتها، فجمع لنفسه أتباعاً، ولم يقحمهم في السياسة إلا مؤخراً، في محاولة منه إلى استنساخ حزب الله اللبناني، والسيطرة على العملية السياسية في نيجيريا. وأخذ من مناطق الشمال، خصوصا في ولايتي كوتو وسوكوتو، ثكنة له وميليشياته، حيث عمل جاهداً للتخلص من النفوذ السني في تلك الولايات.
وكان أبرز ما قام به في هذا الصدد ما حدث في عام 2007 عندما اندلعت مواجهات عنيفة بين السنة والشيعة في تلك المناطق على إثر اغتيال الشيخ السني عمرو دانماشيا المعروف بعدائه لحملات التشيع .
وما ساعده في إبراز قوته يشرحه المدعي العام النيجيري عندما ذكر أن ألرز من دعم تأسيس الزكاكزي وجيشه هو عظيم أقه جاني، وهو أحد القياديين في فيلق القدس، وعلي أكبر طبطبائي وهو قائد عمليات فيلق القدس بأفريقيا والذي فر إلى فنزويلا لاحقاً.
وفي عام 2010، ضبطت السلطات النيجيرية شحنة أسلحة قادمة من ميناء بندر عباس في 13 حاوية مسجلة كمواد بناء. ومن هنا بدأت الحرب على الزكاكزي وميليشياته، فكان آخرها عام 2015 بعد أن اندلعت مواجهات اتهمت فيها السلطات النيجيرية الزكزاكي بالتخطيط لاغتيال قائد الجيش النيجيري، فاقتحمت على إثره القوات النيجيرية مقره، وألقت القبض عليه.
أما على الصعيد الاقتصادي والتبادل التجاري الذي يعتبر إحدى أهم ركائز التغلغل الإيراني في القارة الأفريقية، فقد بدأ مع وصول هاشمي رفسنجاني لسدة الحكم ما بين 1989-1997، حيث أولى اهتماماً منقطع النظير لبناء جسور التعاون الاقتصادي في سياسته الخارجية مع الدول الأفريقية، وجذب الاستثمارات الاجنبية.
واستمرت هذه السياسة حتى وصلت ذروتها في فترة حكم محمود أحمدي نجاد الذي في عهده تأسس مصنع “إيران خودرو” للسيارات في السنغال في عام 2007 والذي يعد المصنع الأول من نوعه في السنغال ومنه تصدر إيران منتجاتها من السيارات إلى سائر دول أفريقيا وحتى تركيا بأسعار زهيدة.
تبعها توقيع شركة خودور لصناعة السيارات اتفاقية في عام 2007 أيضاً لتصدير سيارات الديزل والمعدات الثقيلة لدولة غينيا بما يقرب من ملياري دولار، تلاها بعد ذلك في عام 2008 لقاء بين البلدين لتوثيق التعاون أيضاً في مجالات الطاقة والزراعة والقطاع الخاص.
وقد خلق النمو الاقتصادي بين إيران ودول أفريقيا الغربية لها قبولاً في أوساط تلك المجتمعات، ما دعم حريتها في تغلغلها دينياً كما أسلفنا في نيجيريا. ومن ثمار علاقاتها الاقتصادية، التركز على فتح أسواق جديدة للاستثمار أمام القطاع الخاص الإيراني المحاصر والمتأثر بوطأة العقوبات في فترة ما قبل الاتفاق النووي. والأهم في ذلك أن تعزز علاقاتها مع الدول التي تملك اليورانيوم في غرب أفريقيا، كما حدث عندما تم اكتشاف اليورانيوم في غينيا، فهرعت إيران لزيادة تبادلها التجاري معها بنسبة 140%.
تعرف غالبية دول هذه المنطقة بأنها غير مسلمة، فنسبة المسلمين فيها ما زالت ضعيفة، وما زالوا يصنفون كأقليات دينية، لذلك فإيران تركز كثيراً على بناء علاقات اقتصادية وسياسية قوية بعيداً عن الدين.
3 – دول وسط وجنوب أفريقيا
إن مناطق وسط جنوب أفريقيا أيضاً معروفة بوفرة مصادرها الطبيعية كالنفط واليورانيوم. فعلى سبيل المثال أنغولا ذلك البلد الغني بالنفط، قامت إيران في عام 2009 ولصالح شركة النفط الوطنية الأنغولية ببيع ما نسبته 20% من مشروع حقل الغاز بارس الجنوبي-12 (South Pars-12 project)، أي ما يعادل 1.5 مليار دولار. وأيضاً ومن هذه الدول دولة جنوب أفريقيا التي تربطها علاقة متينة جداً مع إيران في مجالات عدة أبرزها النفط الذي كان أساس نشأة العلاقات الإيرانية – الجنوب أفريقية في منتصف تسعينيات القرن الماضي.
ووصل حجم التبادل التجاري بين البلدين بحلول عام 2007 إلى أربعة مليارات دولار مدفوعة بالصادرات النفطية، ورغم العقوبات الدولية على إيران وعلاقاتها الحميمة مع أمريكا ما زالت جنوب أفريقيا حليف إيران الرئيسي في جنوب -جنوب الصحراء الأفريقية وعلاقاتهما في تزايد، إذ نتج عن هذا التعاون أيضاً منح إيران شركة (MTN) الجنوب أفريقية رخصة التشغيل على أراضيها، وما بين عامي 2007-2008 غطت تلك الشركة ما نسبته 40% من شبكة التغطية للهاتف النقال .
إضافة إلى ذلك فإن من أبرز الدول التي تهتم بها إيران في دول الوسط الأفريقي هي جمهورية الكونغو الغارقة في الحروب الأهلية والغنية باليورانيوم، فتصدر الكونغو ما تحتاجه إيران من اليورانيوم وبشكل غير رسمي، حتى لا تكون الحكومتان طرفاً في مثل هذه الصفقات، ومن أبرز الأحداث التي حصلت ما جاء في التقرير الأممي عام 2006 الذي أبلغت عنه تنزانيا الأمم المتحدة بأنها أوقفت شحنة من اليورانيوم مصدرها جمهورية الكونغو، وأن الشحنة كانت في طريقها لإيران، إلا أن جمهورية الكونغو تنكرت لما جاء في التقرير .
وهذا التطور الكبير في العلاقات الاقتصادية والسياسية بين إيران ومعظم دول تلك المنطقة وعلى الأخص الدول الفاعلة على المستوى الدولي، والدول الغنية باليورانيوم، له أهداف استراتيجية لإيران، فالاهتمام ببناء الشراكات والعلاقات المتينة مع دول جنوب – جنوب الصحراء الأفريقية تحديداً يعطي لنا تفسيراً لما تسعى إيران له، وذلك من خلال معرفة ماذا تملك تلك الدول من نقاط قوة. فتستفيد إيران من خلال بناء علاقات متينة معها في كثير من الجوانب، أهما كان الالتفاف على العقوبات المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي في تلك الفترة لتفتح لنفسها أبواباً أخرى تستطيع من خلالها تعويض ما تفشل في تحقيقه في بلدان ملتزمة بفرض العقوبات الدولية عليها، وترفض التعامل معها. فتستغل حاجة الدول الأفريقية للخدمات والصناعات الأقل كلفة، فتقوم بتوفيرها لها.
4 شمال افريقيا
دخلت العلاقات الجزائرية العراقية أزمة دبلوماسية صامتة على خلفية حالة الاستياء التي خلفتها نوايا رسمية في بغداد لتفعيل المذهب الشيعي في الجزائر. واستدعت الحكومة الجزائرية السفير العراقي حامد محمد الحسين احتجاجا على مساعي بلاده الهادفة إلى تشييع الجزائريين بعد الإعلان عن تسهيلات استثنائية لزيارة الأماكن المقدسة في العراق.
وقال وزير الأوقاف، محمد عيسى إنه “سيعقد لقاء مع السفير حامد محمد الحسين لبحث الخطوة العراقية المريبة”، معربا عن أمله في أن “تلتزم البعثات الدبلوماسية بالمهام المنوطة بعقيدة الجزائريين المضبوطة بروح الدستور ونصوص القانون”.
وأعلن في تصريح لوسائل إعلام محلية، على هامش أشغال البرلمان، عن اتخاذ تدابير جديدة في شكل قوانين لحماية الجزائريين من التطرف الديني ومعاقبة المتورطين قضائيا لحماية المرجعية الإسلامية التي نص عليها الدستور.
ورفض عيسى التعليق على منشور السفارة العراقية إلى حين الاستماع إلى وجهة نظر سفير العراق، وقال “ليس لدي أي تعليق على ما نشرته السفارة العراقية قبل أيام، إلا بعد أن ألتقي بالسفير وأفهم بالضبط ما الذي حصل ولماذا”.
مشكلة الجزائر بدأت منذ مدة حين صمتت لفترة طويلة على النشاط الشيعي المتواصل على أراضيها وغضت الطرف على دور إيران البارز في نشر التشيع تحت أنظار السلطات الجزائرية ودون خشية من المحاسبة حتى وصل الأمر إلى تعيين الدبلوماسي والخبير الاستراتيجي أمير موساوي، كملحق ثقافي في السفارة الإيرانية في الجزائر بغية تفعيل وتنصيب خلايا شيعية في الجزائر. وقد استنكرت وقتها عديد الجمعيات والشخصيات السنية في الجزائر هذا الصمت والتغاضي عن تعيين موسوي المعروف بأنه مكلف بمهمة الاستقطاب للمذهب الشيعي ونشر خلايا إيران في العالم العربي.
هذه النتيجة التي وصلت لها الجزائر اليوم جاءت بعد رفضها الدخول في معركة مع الأحزاب والخلايا الشيعية في المنطقة خصوصا رفضها تصنيف حزب الله وأنشطة إيران بالإرهابية رغم أن التحذيرات المبكرة من السنة الجزائريين والعرب كانت واضحة بل ان التهديد الشيعي كان صريحا فقد أعلن مقتدى الصدر منذ أشهر وبلسان صريح أنه وجب على الشيعة الجزائريين الخروج للعلن لأن الوقت قد حان على حد تعبيره.
تخلي الجزائر عن قرارات مجلس الوزراء العرب وتسببها في تعطيل تنفيذه كان رسالة قوية لايران حتى تستمر في انتهاك سيادة الجزائر وغيرها من بلدان المغرب العربي؛ فهل يمكن اعتبار هذه الاستفاقة نهائية بعد الزحف الأسود في الجزائر التي تعاني أصلا تشرذما طائفيا ومذهبيا وعرقيا عميقا؟ تبدو الإجابة صعبة في ظل التذبذب والتردد الجزائري تجاه هذا الخطر الذي لم تبلغ درجة الوعي الرسمي والشعبي مرتبة تحسن بعدها التصرف وصد الهجمة الإيرانية على العالم العربي والإسلامي عموما.
أ- ايران في تونس
في تصريح أطلقه يوم 11 نوفمبر 2015 حذر الإمام المعروف في تونس رضا الجوادي من بعض التمويلات المشبوهة، ومن تكرار سيناريو اليمن في تونس على حد تعبيره وأضاف الجوادي، هناك جريدتان تروجان للفكر الشيعي في تونس هما “الصحوة” و”الوحدة” بالإضافة إلى حزبين سياسيين، وهو ما اعتبره بوادر خطيرة، قد تعيد إلى الأذهان السيناريو اليمني، والفوضى الحاصلة في هذا البلد بسبب الفتنة الطائفية بعد تدخل إيران. هذا التصريح ليس سوى دليل على تزايد النفوذ الإيراني في تونس التي تعتبرها طهران منصة لاطلاق هجماتها على دول الخليج.
وهذا التحذير ليس الأول من نوعه وسط التغلغل العجيب لإيران والمد الشيعي عموما خاصة وقد سبقته تحذيرات عديد على ألسنة نشطاء سنة عديدين في تونس ولا يمكن حصر النشاط الإيراني بتونس في نقطة واحدة لكنه حاضر بقوة في مجالات عديدة في مقدمتها:
* جمعيات المجتمع المدني من خلال عدد من الشخصيات المعروفة في مقدمتها زهير مخلوف عضو هيئة الحقيقة والكرامة (هيئة دستورية) والذي عمل طويلا في حشد الإعلام التونسي ضد قطر ودول الخليج وقدم خدمات كبيرة للشيعة البحرينيين والحوثيين ونظام بشار الأسد على المستوى الإعلامي بالإضافة إلى شخصيات أخرى عديدة مثل عماد الحمروني وغيرهم من المرتبطين لأسباب مالية بإيران.
* لم تغب إيران عن الأحزاب السياسية فلا يكاد يخلو حزب في تونس من أذرع إيران حتى في الأحزاب العلمانية فزيادة على وجود قيادات من النهضة تربطها علاقات جيدة بايران فإن بعض العناصر من المؤتمر من أجل الجمهورية ونداء تونس والاتحاد الوطني الحر مرتبطون بالأجندة الايرانية ناهيك عن تمكن طهران من اليسار التونسي حيث تلتقي معه في عديد النقاط خصوصا معاداة دولة قطر حيث تحرص السفارة الإيرانية في تونس على دعم وتمويل الندوات التي يحضرها كتاب مثل رياض الصيداوي (رئيس لجنة الدفاع عن الشاعر القطري الذيب) وغيره من رموز اليسار التونسي المتمثل أساسا في الجبهة الشعبية والقوميين المنتمين لها.
* الجانب المهم أيضا في عمل ايران وأذرعها في تونس هو الجانب الإعلامي الذي كان لها بالإضافة إلى جريدتيها المذكورتين سابقا أذرع في عدد من الصحف الكبرى والتلفزات بل وصلت حد تمويل تلفزيون “تلفزة TV” لصاحبها زهير اللطيف لكنها لم تحقق نجاحا رغم أن لصاحبها علاقات كبيرة مكنته من تسفير عدد كبير من الإعلاميين التونسيين إلى سوريا وتجنيدهم خدمة لأجندات النظام السوري والقضايا التي تهم إيران.
* المستوى المالي من خلال تسيير شبكات دعارة لتونسيات نحو البحرين ودول أخرى وتشغيلهن في النزل التي يرتادها الأمريكيون وتقوم هذه اللوبيات بتبييض أموال الدعارة في شركات تونسية لكراء السيارات وغيرها من النشاطات وتحرص السفارة الإيرانية في تونس على التعامل مع هذه الشركات من خلال ما يشبه المنظومة المتكاملة يذكر أن بعض المجتهدين في مقاومة المد الإيراني قاموا بكشف احدى هذه الشبكات لكن السفارة الإيرانية أغدقت بمبالغ كبيرة على قيادات أمنية فدفن الملف…
* أما الجانب الأمني فقد دفعت إيران بعدد من المحسوبين عليها إلى واجهة الأحداث واستعملت رجلها الأول “الصحبي الجويني” الذي تشيع منذ مدة طويلة وهو نقابي أمني معروف يدعي مواجهة الإرهاب والاستقلالية لكنه في باطن الأمر يخدم مصالح إيران والنظام السوري ويتوسط لعملاء إيران لدى القيادات الكبرى التي تدفع لها السفارة الإيرانية مبالغ كبيرة مقابل السكوت عن جرائمها في تونس خصوصا قضايا شبكات الدعارة وتبييض الأموال…
* طبعا عمليات الاستقطاب تتم عبر أساليب عديد أبرزها رحلة سنوية إلى طهران تجمع فيها السفارة الإيرانية قرابة 100 شاب وشابة وتؤمن لهم الإقامة في طهران لمدة 15 يوما تتم دمغجة البعض فيهم فيعودون محملين بعلاقة متينة مع السفارة الإيرانية والبقية يتم تزييف وعيهم بمقولات تعايش المذاهب الذي لا تعترف به ايران أصلا لكن تزرعه في عقول البعض. كما تؤمن إيران رحلات دورية للمثقفين التونسيين وتدفع لهم مبالغ كبيرة عن كل مقال أو دراسة تتفق مع نهجهم ويقوم بدور التنسيق في ذلك المركز الثقافي الإيراني الذي يعد من أبرز واجهات العمل العلني في خدمة إيران بتونس.
وعلى الرغم من قوة المد الإيراني في تونس إلا أن اللافت للانتباه هو أن خصومة كبيرة حاصلة بين مختلف الأجنحة خصوصا بين عماد الحمروني رئيس جمعية دار البيت الثقافية، محمد التيجاني السماوي و مبارك بعداش يقول في وصف الخصوم مع رجلي الدين الشيعيين المعروفين “إن العاملين في سبيل المذهب الحق في بلادنا و منذ أكثر من عشرين عاما لم يروا أي جهد قام به كل من التيجاني السماوي و مبارك بعداش غير زرع الفتن و بث الفكر الطائفي و معاداة خط الولاية و لقد انتهجا سياسة خالف تعرف” انتهى كلامه. وهو ما يعني أن هناك أجنحة متصارعة بينهم خصوصا بين التيارات الدعوية والسياسية ويظهر من كلام الحمروني أن عمل التيارات الدعوية فاشل وهو ما جعل إيران تركز أكثر على الجوانب السياسية ونيل التعاطف من خلال قضايا مشتركة خصوصا فلسطين والعداء للربيع العربي وقد حققت تقدما خطيرا في هذا الإطار.
وتعتمد ايران ايضا على تغلغلها في كل من موريتانيا والمغرب حيث تسعى الى رسم نسيج متكامل في كامل المنطقة يمكنها من فصل شمال افريقيا عن باقي المنطقة العربية بل ويصل الامر الى استعمال خلاياها في هذه الدول للقيام بهجمات اعلامية ضد دول الخليج وما حصل خلال اصدار بيان وزراء الداخلية العرب في تونس بداية سنة 2016 حين تمت ادانة التدخل الايراني وحزب الله في المنطقة خير دليل حيث تحركت الخلايا الشيعية بشكل طوفاني ضد البيان مما تسبب في تراجع بعض الدول عن موقفها ضد المد الصفوي.
هكذا تكون إيران قد أحكمت قبضتها على القارة السمراء بصمت غربي متواطئ مع هذا التمدد وفي غفلة عربية سنية معهودة ويبدو من خلال استعمال أريتريا في حرب الحوثي داخل اليمن أن تجنيد إفريقيا ليس معدا لقتال إسرائيل كما يعتقد بعض الأغبياء وإنما هو استعداد لضرب الخليج العربي كاملا والسعودية خاصة.
لذلك لابد من التأكيد على أن السعودية وحلفائها مطالبون اليوم بوضع استراتيجية عاجلة لوقف التمدد الإيراني في إفريقيا.
حمل الدراسة كاملة بصيغة وورد
*باحث وصحفي تونسي
إرسال التعليق