الإسلام الإيراني السياسي في أربعة عقود
تمهيد:
يلاحظ انطلاقا من القرن الـ 19 للميلاد بشكل وآخر، نشاط رجال الدين في إيران فترة تأسيس الدولة الحديثة؛ وقد أدى هذا النشاط في نهايات القرن العشرين إلى إسقاط النظام الملكي 1979م ذي دعوى الأسطورة الآرية، وبعد ذلك ظهروا بعباءة الدين في السياسة بشكل رسمي وبالرؤية التي يرون فيها العالم والإنسان؛ إذ يرون الدين كمنظومة شمولية تستوعب كل حدث وظاهرة وتتدخل فيهما. وبناء على ذلك تم التضامم بين الدين والدولة (= الإسلام والسياسة) ونجح الإسلام الأصولي (= Fundamentalism) في تكوين دولة دينية (= Theocracy) جوهرها نظرية (ولاية الفقيه المقيدة) والتي تحولت قبيل موت الخميني 1988 م إلى (ولاية الفقيه المطلقة). وقد لوحظ من خلال تحليل فهم المجتمع الإيراني عن رجل الدين ونتاج ولاية الفقيه طوال أربعة عقود وأحوال رجل الدين المحترف أو المنشغل بالسياسة أننا أمام ظاهرة رجل دين جديدة، ظاهرة تبدو بوضوح على غير ما كان عليه من أوصاف وتشخصات تقليدية كتمثيل للطهارة والزهد والتقوى.. قبل عصر الحداثة في رجل الدين نفسه بالأغلب الأعم. كما أن القول بولاية الفقيه ينافي الحياة الجديدة (= Life New) ومطالب الإنسان في العصر الحديث والإصرار عليها يعد انتهاك للقيم الاجتماعية والسياسية والإنسانية التي نِيلت بالتنوير والعقلانية والخطابات الحديثة. وأن تكوين هذه الدولة فضلا عن مغايرتها للأعراف البشرية المعتمدة في السياسة والاجتماع فقد ساعدت على نشوء حركات الإسلام الأصولي وأخيرا فوبيا الإسلام (= Isalmophobia) في الغرب بخاصة.
الحديث عن نظام الدولة الدينية حديث لا ينتهي في المنطقة (= الشرق الأوسط) بناء على ظهور أحزاب منتسبة الى الإسلام وتنظيمات دينية أصولية لصيقة بالمبادئ الإسلامية. ويمكن القول أن نظرية ولاية الفقيه هذه العاهة التي وضعها الخميني 1988م في تاريخ الشيعة الحديث في نهايات القرن العشرين، وهي في عقدها الرابع وقد حملت تجارب خطيرة ومسيرة عدائية للمنطقة تكفي كي تصنف في عداد أبرز مصاديق الإسلام الأصولي (= Fundamentalism) من النوع الإيراني المتطرف دونما مبالغة! تفضلوا، هذا عمرها الأربعيني ومحصلته السلبية في المتاجرة بالدين [1] وانتهاك حقوق الإنسان وزعزعة الأمن الإقليمي كإثارة الصراع العقائدي وتدعيم الإسلام السياسي العربي المتطرف.. وغير ذلك من أمور مما ليست أخلاقية في السياسة كالتوسع في صلاحيات ولي الفقيه خارج الدستور (= العمل بما فوق الدستور!) وهي من ظواهر الفقيه السلطان [2] وضرب من الطغيان لرجل الدين الذي تظاهر قديما (= حتى قبل 1979م) بالتقوى والزهد والطاهرة بينما اليوم يقف في قائمة المنافسة على السلطة الرسمية في الدولة وتكوين منظمات ومؤسسات وجيوش وميليشيات وفِرق وتنظيمات للسياسة والحرب والاستخبارات والتوظيف كعميل للدين الرسمي والسياسة! وهكذا فلم يبقي من مسمى رجل الدين (= المصداق) بالمعنى التقليدي شيء يصدق عليه اليوم نتيجة ما يمارسه في السياسة فهذه الفترة قادرة على أن تبين الحقائق بجلاوة لكي تصف نظاما بالعاهة الكبرى يحاول الولي الفقيه فيه بسط التجربة خارج الحدود الإيرانية.
والغريب (= من وجهة نظر العقل السليم) أن ولاية الفقيه التي استخدمت الدين وفسرته انطلاقا من أصول وقواعد لصالحها كقاعدة: (لله في كل حادثة حكم [3]) أصبحت تمارس سياسة ماكيافلي بمعنى [4] وآخر! ثم هذه القاعدة بالذات في ضوء التحليل الوصفي تكشف لنا عن نظرة دينية متطرفة تجاه الدين (= religious) فيها منطق شمولي (= Holistic) يحاول فيه رجل الدين التدخل بكل حادثة في الحياة والاجتماعية والسياسية والثقافية. وهذه الدعوى لا يقر بصحتها العقل البشري السليم [5] (= Common Sense) الآن، بل يعتبرها ضربا من التوهم أو دعوة إلى الظلام التاريخي (= ظلامية الكنيسة – الشعب / ظلامية الخلافة / ظلامية الإمامة) أو ينظر إلى دعاتها بأن لهم نوايا ومصالح يعتزمون نيلها بعمامة الدين. وعلى هذا الأساس فالنداء الإيراني الرامي إلى ضرورة الحكم الإسلامي (= وجوب حكومة الفقيه!) عبر ولاية الفقيه المطلقة (= سلطنة الفقيه) إنه مغاير للمعايير والقيم التي ظهرت فيما بعد العصر تقليدي.. ودعوة إلى وضع عمامة [6] الفقيه الإيراني على غير هيكل الدين ومساعي في الانشغال بغير رموزه (= محراب الجامع وصفوف التدريس الديني وعباءة الافتاء [7]) حيث كان غالبية القدماء يؤدون وظائفهم الدينية من خلالها حتى قبيل سقوط البهلوية 1979م في إيران على نحو الضبط. ويمكن القول لحد الآن أيضا عند من لا يؤمن بالإسلام السياسي (=Politic Islam).
وفي الحقيقة أن عاهة أصمة مسماة بولاية الفقيه يمكن أن تتضح مفاسدها وأضرارها في ضوء فهم العالم الجديد الذي يناهض كل ضرب من التفكير الآحادي المنغلق أو الدوغمائية (=Dogmatism) الموروثة حيث هذه العاهة من أبرزها، بناء على أن البشر اليوم من خلال عدة علوم وفلسفات وفنون ومهارات وامتلاك تجارب عديدة وانفتاح آفاق واسعة أمامه لا يمكنه أن يسلم أحوال المجتمع بعد كل هذا التقدم والتفوق إلى رجل الدين أو نظام أصولي وشمولي ذي ذهنية مقدِّسة للتراث كافة، لا يرتضي بالعقلانية ولا المعقولية ولا التنوير ولم يزل يحلم بمناصرة موضوعات متهالكة كالإمامة أو النيل من مناهضي رموز مذهب لا يتفق معه، وغير ذلك من رؤية سالبة بائدة، وبخاصة أن الخطابات الدينية (=Universality) فقدت أهميتها، وخطاب الإسلام السياسي أكثر الوجوه رفضا بعد تجربة ولاية الفقيه في إيران [8].
على سبيل المثال حينما يقال إن الدين (= Religious) أحد عناصر الحضارة (= scolarzitio) من وجهة تصور الإنسان الحاضر هذا يعني أن الحضارة أعم من أخصية الدين حاليا! ولها قبول في المجتمعات بينما الدين لا يحظى إلا بمقبولية حصرية أو نوعية؛ عندما نتحدث عن المجتمع المدني (= society Civil) هذا الحديث يعني لزوم تكوين سياق بمفاهيم العصر الحديث وما أنتجه من معقولية (= Readability) لا لحظات عصر النراقي 1245م ولا رجعية الرؤية الخمينية (= نظام ولاية الفقيه 1979 – …م) لأن المجتمع المدني أحب المواليد الفكرية لدى الإنسان الحديث، وقد ضحّى في نيله كثيرا وأن ما يسمى بمطالب المجتمع (= الشعب/ الأقلية/ الأكثرية) من خلالها يمكن رفض كل ما هو آت خارج هذا السياق ولو كان دينيا.
ومؤدى ذلك أن فهامة البشر تجاوزت مرحلة النظر إلى الأشياء من خلال اللحاظ الديني الأحدي الطرف والصرف أو النظر الديني الشمولي وهذه الفهامة في التعامل مع الدين والسياسة والاجتماع والثقافة قادرة على الفصل بين القول باحترام الدين (= منظومة قيم روحية وأخلاقية وإنسانية ومعنوية) حالما لم يتجاوز حدوده وبين القول بعدم إمكان تحويل الأحكام الدينية إلى قوانين ودستور! كون الأصل في السياسة هي الأعراف والعقول والعلوم! وأساسا القول بحقانية الدين وتحويل أحكامه إلى دستور فيه التزام حقوقي أو عدم ذلك، بحث كلامي وحقوقي وسياسي لا يكون الدين وحده من يحسم الأمر، بل إن تاريخ الإسلام الموروث يشير إلى تعقيد المشكلة الاجتماعية والسياسية حينما يريد الدين (= Religious) ودعاته وضع الحلحلة له بنظرة الدين الصرفة. ولا أتصور غاب عن متابعي تاريخ الإسلام حديث الخوارج في القرن الأول الهجري، وقد لا يلزم التطرق إليه فهذه داعش وأفعالها، وهذه الميلشيات الشيعية وأعمالها! وهذه ولاية الفقيه وسياساتها في المجتمعات وتدخلها السافر في شؤون الخليج العربي والبلدان العربية بذريعة الإسلام والدفاع عن الله ونصرة المظلوم! فهل هذه الأفعال الجنونية صدرت عن مجانين؟ لا وكلا، إنهم يفعلون ذلك من دافع الدين واليقين الديني. والظاهر أن الدين في مثل هذه الأحوال يحول المتدين الأصولي (=Fundamentalism) إلى حضيض الطبيعة الوحوشية.
وينبغي توصيف مكانة الدين أيضا إلى جانب فهم عاهة ولاية الفقيه المطلقة على أن المجتمع إن رفض تحويل الدين إلى دستور فهذا لا يضر بحقانية الدين؛ أو لو أنه ارتضى الدين لا يعني بذلك ضرورة الحكم عليه باسم ولاية الفقيه (= الإسلام السياسي)؛ أو إن كان ذا غالبية متدينة لا يعني أن يتولى الفقيه أو الحزب الإسلامي كل صعيد ومجال! ولذلك فإن ظهور العلمانية (= Secularism) في إيران على سبيل المثال جاءت للحد من القول بنظرة الدين الشمولية وأطماع رجل الدين ورؤية القول بالله المنحصر بيد ولاية الفقيه [9] الذي يُدعى له صباح مساء من المنابر الرسمية لمزيد من الاستعباد، وأخيرا العلمانية رد على دعاوى النظام في أن كل (subjective) يجب أن يكون تحت وطأت الدين وفي قبضة الله المعرّف بتعريف رجل الدين!!
وبين هذه الأفعال وغيرها إلى جانب تصور ولاية الفقيه الشمولية والمنغلقة الممثلة للإسلام السياسي فإنها لا تكون إلا عاهة عسيرة أمام الحياة الجديدة وقناعات الإنسان الحديثة وقِيَمه في العصر الحديث وأهمها في السياسة أو إدارة المُلك (= الدولة / [State [10)؟ وبتعبير بديل، كما يحدثنا تشارلز تايلور (= Charles Taylor) على سبيل المثال في الحديث عن مسألة: ” الشعب – الدولة (=State Nation) إن هذا المصطلح من مقوّمات العالم الجديد، أي: أن لدينا شعب تنهض من خضمه دولة تهدف إلى تمثيل الشعب [11] “، لكن بالاستناد إلى العقل، العقل المستقل في فهمه عن الوحي، العقل الذي يُستند إليه في تبديد كل جربزة دينية وظلم سياسي وظلام اجتماعي لا بالاستناد إلى النظرية الدينية.
ومؤدى قول تايلور هو أن هذا القبيل من النظام السياسي (= ولاية الفقيه المطلقة) ينقض مقومات العالم الجديد! فهل هذه العاهة تمثل ما في إيران من قوميات وعقائد (= شعوب ومذاهب عقائدية) في الحرية والطماح والإرادة والكرامة أم نتاجها على مدى أربعين عام يشير إلى وجود خطط عملية ضد تلك المفاهيم؟ مع العلم أن البشر اليوم لا رغبة له في أن يتولي الدين (= Religious) كل صعيد ونطاق ومجال ويعطي وجهة نظره على أنها ملزمة التطبيق [12]. ولعل قراءة متأملة في الثورة الإصلاحية البرتستانية (= Protestant) في عالم المسيحية (=الغرب) والردود السلبية حول التنظيمات الجهادية الإسلامية في الشرق (= البلدان العربية) ومناهضة فوضى فتاوى الجهاد مثلا خير شاهد على ذلك. وعليه ففي خضم التبجح السلطوي بنظرية ولاية الفقيه لا بد من قول على أن المجتمع الإيراني جزء من مجتمعات الشرق بثقافة الصوفية والفلسفية وبعد تجربة ولاية الفقيه (= الإسلام السياسي الإيراني) فقد تجرّع الويلات وأن أعمال المستقلين في الداخل والخارج طوال أربعة عقود لا زالت تحاول التنوير ووضع الحلول لإزالة هذه العاهة الدينية المتطرفة.
وليس من نافلة الحديث لو قلنا أن هذه العاهة وتجربتها المدنسة للتقاليد والأعراف الجديدة بقيت غير منحصرة في جغرافيا إيران، بل تهدف إلى صناعة الجو الديني كما يقول Pierre Bourdieu في تحليله عن رجال الدين، حيث يرى أن” رجال الدين في تحويل منظومة ما بعد الطبيعة إلى أيديولوجية ورأس مال متجسد فيكون نصيبهم من النجاح أكثر وسعيهم في نقل المجتمع إلى خارج صعيد الأعراف والتقاليد الاجتماعية أنجح وهذا التمكين في الرأس المال المتجسد يساعد رجال الدين في الاستيلاء على الأحداث [والمتغيرات] الاجتماعية وعلاقات القدرة، الجو الديني أرضية أعم وأوسع من الأمكنة الدينية [13]! وهذا بحد ذاته يكشف عن محاولة إعادة المجتمعات إلى ما قبل عهدها الحاضر، وهي التي تأسست على جهود المفكرين والفلاسفة والأدباء وعلماء الطبيعة والاجتماع والسياسة انطلاقا من العصر النهضوي بعلم بيكون (=Bacon Francis) التجريبي والدين الدنيوي لمارتن لوثر (= Luther Martin) وسياسة من دون الأمر الأخلاقي لماكيافيلي (= Machiavelli) وغير ذلك من عطاءات البشر الجديدة. فلا يمكن الحديث في هذه المجتمعات أساسا عن عاهة مسماة بولاية الفقيه والتي تعبر عن نوع من ظاهرة (= الإسلام السياسي / Fundamentalism) ولا تقبل بدعوى ضرورة العمل بعصر الإمام المعصوم! والتعبد الديني! بل ثمة مطالب شعبوية ضد الإسلام السياسي ونداءات تدعو إلى ضرورة الفصل بين السياسة والدين أو الأخلاق بمعناه التقليدي، وتكريس العلمانية السياسية (= Politic Secularism) حسب المقتضى عند بلد وآخر. ويصف عبد الكريم سروش (1954 – … م) أحوال هذه المجتمعات ويشير أن الذي طرأ على كافة شؤونها أمران:
– العمل على السعادة والعمران الدنيوي.
– الإقرار بما هو مسكوت عنه ومغضوب عليه ومطعون فيه من الوجود الإنساني [14].
فهذه العاهة يمكن اعتبارها كقوة مانعة أمام طماح المجتمع الحديث وأن مظاهرها الاستبدادية تبدو بشكل جلي في مناهضتها لمفاهيم ومقولات يراد تحقيقها بالمرتبة الأولى في المجتمع الإيراني من قبيل:
– التنمية والتحديث؛
– الاتباع والاعتناق والانتماء؛
– المشروعات العقلانية – القانونية؛
– تنمية حقوق المواطنة والإعلام؛
– مشروع الديمقراطية؛
– مشروع التعددية الدينية؛
– مشروع التنوير.
– مشروع العلوم الإنسانية وعلوم الطبيعة [15].
وأخير يمكن فهم نتاج هذه العاهة كمضمون سلبي (= Connotation Negative) في ضوء التحولات الأخير في العالم على وجه العموم وقدرتها في تأسيس فوبيا الإسلام (= Isalmophobia) كونها أول تطبيق للإسلام السياسي في الشرق في نهايات القرن العشرين ساعد على ظهور أحزاب إسلامية مهمشة وحفز المسلم الأصولي والمؤمن المنغلق والمتدين الشمولي على تكوين التنظيمات والمنظمات الجهادية المعادية للقيم الاجتماعية الحديثة والأعراف الدولية ومنظمات الأمم ومساعي المجتمعات المدنية.
المحصلة:
اتضح أن تكوين الحكم الديني (= Theocracy) مغاير للأعراف والتقاليد الحديثة التي توصل إليها الإنسان بعد جهد متواصل من التنوير والعقلانية وعبور من معاناة العصور التقليدية، وأن نظرية ولاية الفقيه تركز القدرة السياسية بيد الولي الفقيه وتمنحه صلاحيات ما فوق القانون. ومعنى ذلك أن وجود الولي الفقيه: (تعليق للقانون)! ويبدو أن في عصر العلمانية أو ما بعد العلمانية في الزمن الذي تنادي فيه المجتمعات بضرورة تحجيم دور رجل الدين وتباعا لمقولة فصل الدين عن السياسة، فإن وجود رجل دين في هرم الدولة بصلاحيات تفوق مطالب المجتمع أو الشعب أو الدولة نقض لمكانة العقل البشري السليم (= Common Sense) وانتهاك لحقوق الإنسان ومحاولة لجعل كل شيء وأمر في قبضة الدين وإعمال النظرة الشمولية بلا تقييد، والحال أن الدين في العصر الحديث من مقولات الحضارة وله أتباع بالنوع أو الحصر ولا رغبة للإنسان المعاصر أن يهيمن الدين على كل حدث وظاهرة وهو الذي ثار من قبلُ على هذا التصور في عصر البروتستانتية فصارت مقولة الفصل بين الدين والدولة من ظواهر السياسة الحديثة، فلا يمكن العودة إلى عصر الكنيسة في الغرب، ولا في الشرق (= البلدان العربية) إلى عهد الخلافة ولا الإمامة والتعبّد بالنص الديني والتقييد بعقلية التراث المقدس. وأن ممارسة السياسة جعلت من رجل الدين ظاهرة جديدة؛ إذ الثوب التقليدي والمفاهيم التقليدية التي حملها هذا الرجل قبل ثورة 1979م في إيران أصبحت مسلوبة (= سالبة بانتفاء الموضوع)، فنحن أمام تعريف جديد لهذا الرجل ولم تعد المفاهيم التقليدية منطبقة عليه وهذا في حد ذاته يدل على اللأخلاق؛ كون المظهر لا يمثل عوارض الجوهر بتعبير فلسفي دقيق.
وفي النتيجة أن إرادة الدولة الدينية فضلا عن مغايرتها لمما سبق فهي عاهة أصمة في مسار التقدم والإصلاح والتنمية المعتمدة على العقل والعلم والأعراف الحديثة، وتحفز المؤمن الأصولي والمتدين الشمولي على القيام بنشاط مغاير لأعراف العصر الحديث وتساهم في دعم الإسلام الأصولي الذي ولى عهده ونقض تصوره وهو إسلام تاريخي. وأخيرا كلما تقوم به هذه العاهة الآن يزيد من ظاهرة فوبيا الإسلام (= Isalmophobia) كونها قادرة في الشرق على دعم أحزاب إسلامية متطرفة وتحفيز تنظيمات ومنظمات جهادية معادية للقيم الاجتماعية الحديثة والأعراف الدولية والحياة الجديدة (= New Life).. بوجه عمومي.
وبكل تأكيد (= بالحجية القطعية) الإسلام كدين سماوي ليس له منظومة سياسية ولم يرشح رجل الدين إلى تكوين دولة، وأساسا هذه المسائل تم إحالتها إلى الناس (= الشعب) في لحاظ الأصلح والأولى والأنسب من وجهة نظر العرف البشري في تكوين: نظام الدولة واختيار الرجل السياسي.
*أكاديمي أحوازي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
[1] للمرة الأولى يشهد التشيع ظاهرة متطورة جدا في تغيير مفاهيم ما بعد الطبيعة والدين والغيب إلى ما يمكن تسميته بـ (البضاعة)! و(القيمة) المادية!
[2] قال رسول: ( الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا. قيل: يا رسول الله: وما دخولهم في الدنيا؟ قال: اتّباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم). انظر: الكافي، كتاب فضل العلم، الباب 13، الحديث: 5. (مصدر شيعي معتمد في نصوص الحديث).
[3] محمد باقر الصدر، علم الاصول الحلقة الثانية: 50.
[4] أي: سياسة بلا أخلاق ومبادئ إلهية.
[5] مجموعة علوم معارف وقيم اقتبلها البشر بغض النظر عن كونه قائلها عالم أو جاهل وفقير أو غني.. وشرقي أو غربي؛ بعضها من مقولات العلم وبعضها من مقولات القيم وبعضها من مقولات المنهج وحياة البشر الاعتيادية والسليمة، والإنسان إثر اعتماد هذا العقل البشري السليم (= Common Sense) تسير حياته ولا تتوقف.
[6] يبدو أن العمامة ظاهرة جديدة لم تكن قديمة في إيران وتشير الوثائق التاريخيةإلى ظهورها في نهايات العهد الزندي بداية العهد القاجاري. لقد ورد في كتاب (قانون سلطنت) 1251هـ : ” على كل صنف من المجتمع الظهور بزيه المعين الدال على مسلكه ومعيشته.. ومن وظائف الدولة أن تنتظم الفوضى الموجودة.. أهل العلم والتجارة: قلنسوة وعباءة !! “ ويبدو أن قبيل ذلك لا وجود للعمامة فهي جديدة العهد في الحوزة العلمية. . انظر: ناطق وفرديون آدميت، افكار اجتماعي وسياسي واقتصادي منتشر نشده دوران قاجار: 47- 57، انتشارات نويد، چاپ دوم، آلمان 1368هـ.ش. (ترجمة: كمال بن سلمان).
[7] بتعبير أدق : مديرية المقدَّس (= الشؤون المقدسة)!.
[8] تعمل حاليا ولاية الفقيه على خلق قواعد رصينة لها في سوريا والعراق واليمن وشمال أفريقا، وقد توفقت في لبنان بتوسيط حزب الله اللبناني الإرهابي، وفي العراق بواسطة عملاءها وأكثرهم توابو الجيش العراقي السابق الذين أطلقت عليهم إيران (التوابين) في أثناء الأسر وطلاب الحوزة العلمية والميليشيات الذي عاشوا في إيران فترة الحرب العراقية – الإيرانية
[9] يلاحظ أن الخامنئي في 1368 هـ.ش = 1990م يؤسس: مكتب متابعة شؤون الجوامع (= دفتر رسيدگی به امور مساجد) انظر: http://www.masjed.ir/about.htm
وفي عام 1369هـ.ش = 1991م يؤسس مقر [ متابعة] إقامة الصلاة (= ستاد اقامه نماز)!! ومن إبراز أهداف المقر:
-تنفيذ خطط الولي الفقيه من خلال إقامة الصلاة!
– إرغام الدوائر الحكومية على المشاركة في الصلاة!
– إقامة احتفال بلوغ الصبايا سن التكليف!.
انظر: http://www.setadenamaz.ir/
[10] الحكومات المعهودة عند البشر هي: (الحكومة المطلقة) و(الحكومة الدستوريّة الملكيّة) و(الحكومة الدستوريّة الجمهوريّة).ِ وتعتبر المطلقة بلا قيد وشروط كولاية الفقيه المطلقة استبدادية دينية.
[11] Taylor, Charles. A Secular Age. Cambridge, Mass: Belknap Press of Harvard University Press, 2007,pp.90.
[12] بعد تكوين الإسلام السياسي في إيران بدأت ظاهرة (انفصال الناس عن رجال الدين) انطلاقا من عامي 1978 – 1979م نتيجة الانشغال في أجهزة الأمن والاستخبارات والحرس الثوري والمؤسسات الحكومية والمؤسسات الثورية وقوات الشرطة والإعلام الرسمي والجيش وتغيرت بالمرة مكانة رجل الدين. انظر: شجاعي زند، المتغيرات الثقافية: 91 – 92.
[13] Pierre Bourdieu, Questions de sociologie, Paris : Les éditions de minuit, 2002, pp. 113-137 (بتوسيط مصدر فارسي(
[14] انظر اخلاق معيشت انديش، اخلاق خدايان: 22. (ترجمة: كمال الحزباوي).
[15] تسعى حاليا مؤسسات النظام إلى تطبيق نظرية خامنئي في أسلمة العلوم الإنسانية!
نقلا عن موقع الخليج للدراسات
إرسال التعليق