المربط الصفوي
البداية
في ذروة اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية، وفي خضم الغزو الإسرائيلي للبنان سنة 1982، أعلنت إيران عن استعدادها لصد الغزو وتسيير جيش لتحرير فلسطين، بشرط أن يوافق العراق على فتح حدوده للسماح للمتطوعين الإيرانيين بالمرور، بعتادهم وتجهيزاتهم العسكرية، إلى لبنان عبر العراق. لكن بعد نحو ثلاثين عاما تعرض العراق لغزو أمريكي – دولي سنة 2003، انتهى بتسليمه إلى الشيعة وإيران التي هيمنت طائفيا وأمنيا وسياسيا وعسكريا على العراق. وبعد أقل من عقد على الاحتلال اندلعت الثورات العربية، فرحبت بها إيران، على لسان مرشد الثورة، علي خامنئي، باعتبارها استجابة ونتاجا لروح ومبادئ « الثورة الإسلامية» في إيران. لكن ما أن انفجرت الثورة السورية حتى غدت مؤامرة، أباحت للقوات الإيرانية أن تحط رحالها في سوريا، لتلحق بها أدواتها من لبنان والعراق وشتى أنحاء العالم، رفضا للثورة ودعما للنظام النصيري فيها، صاحب أيديولوجيا « بلد الأحرار» و « أرض الثورة والثوار» و « الصمود والتصدي»، و « المقاومة والممانعة». ثم تمددت إيران حتى أحاطت بالجزيرة العربية عبر اليمن من جنوبها.
على امتداد هذه الرحلة الطويلة من التوغل الإيراني في كل اتجاه من الأرض إلا أن إيران لم تتجه نحو فلسطين رغم أنها باتت تطل عليها من كل جانب!!! بل أن ثورة الخميني بدت على هدى وهي في طريقها صوب العراق وسوريا ولبنان واليمن وأفغانستان والبحرين والكويت والسعودية وحتى إسرائيل، لعقد صفقات الأسلحة، خلال الحرب العراقية الإيرانية، إلا أنها ظلت على الدوام تضل الطريق نحو فلسطين!!! فما الذي يجعلها على هدى في كل مكان بينما يحيط بطريقها الضلال من كل جانب حين يتعلق الأمر بفلسطين؟
الحقيقة أن ما يمنع إيران من التوجه إلى فلسطين هو الذي يسمح لها بالتوجه إلى أي مكان آخر. فليس في فلسطين ما هو مقدس لدى الشيعة كما هو الأمر بالنسبة لعامة المسلمين حيث المسجد الأقصى مسألة واقعة في صميم العقيدة والدين، بينما الأرض المقدسة، في عقائد الرافضة، خارج أية حسابات بما أن المسجد الأقصى في السماء وليس على الأرض أو لأن هناك من هو أفضل منه. ولما تكون كربلاء والنجف أقدس من مكة فمن الأولى، بالمحصلة وكما تقول عقائد القوم، أن يكون مسجد الكوفة أقدس من المسجد الأقصى*.
في بداية الثورة السورية اختطفت المخابرات السورية الطفل حمزة الخطيب في …. وقتلته بأبشع طريقة يمكن تصورها، حتى بدا الطفل وكأنه وضع في فرن وشوي شويا. كانت هذه الجريمة تتويجا لسلسلة من الجرائم التي أثارت سؤالا كبيرا في حينه: هل هؤلاء القتلة من البشر؟ لم نجد في حينه، كسوسيولوجيين وخبراء في التحليل النفسي، تفسيرا موضوعيا لمثل هذه التصرفات البالغة التوحش، لاسيما وأن الأمة، إلا من رحم الله، ظلت تجهل ماهية النصيرية أو الرافضة إلى حين وقوع الثورة السورية التي لم تبق مستورا إلا فضحته.
وفي الثورة السورية أيضا؛ تناقلت وسائل الإعلام في الأيام الأولى من انطلاقتها صورا لنصيريين في لبنان يسجدون للرئيس السوري، بشار الأسد. ومشاهد مرئية لمعتقلين يجبرون على قول عبارة: « لا إله إلا بشار». وبدا هذا السلوك لدى المسلمين وكأنه من باب المبالغة في الولاء. لكن مثل هذه المشاهد، التي لم يسبق أن شاهد المسلمون لعا مثيلا في أوقات سابقة، أخذت تتكرر تباعا. وعلى الفور لجأنا إلى اعتماد التحليل العقدي، إلى جانب التحليل الموضوعي، علّنا نجد إجابة لما استعصى علينا من فهم، فكانت المفاجأة. إذ بدا لنا بالأدلة القاطعة، ومن عقائد القوم، أنه ما من سلوك وحشي أو مستهجن إلا ونجد له فيها جوابه صريحا لا لبس فيه. بل أن مجمل السياسات السورية في الأربعين سنة الماضية، تجاه الدولة والمجتمع والفرد، محليا وخارجيا، غدت واضحة! فقط؛ بعد الاطلاع على عقائد النصيرية.
السؤال: إذا كنا بصدد تتبع السياسات الإيرانية في المنطقة، على الأقل بعد 11 سبتمبر 2001، فهل يمكن فهمها بدون التوقف عند عقائد الرافضة؟ أو بمعنى آخر: هل يمكن الفصل بين السياسات والعقائد؟ أو إلى أي حد تبدو المخرجات السياسية انعكاسا لمثل هذه العقائد؟
الكثير من العلماء والمؤرخين المسلمين والباحثين كتبوا وشرحوا وفسروا بالأدلة القاطعة، واستدلوا فقط من مصنفات القوم أنفسهم، على أن « الرافضة»، وما تفرع عنها من فرق باطنية دموية، لم تكن في يوم ما إلا معول هدم للإسلام، ومصدرا للزنادقة، وحليفة للأعداء والخصوم والمتربصين والماكرين، سواء كانوا من اليهود أو المجوس أو الوثنيين أو الملاحدة، مثلما كانت على الدوام نصيرة لغزاة العالم الإسلامي من الصليبيين والمغول والتتريين والصفويين وغيرهم. وحتى اليوم لا يوجد سبب واحد، أياًّ كان محتواه، يبرئ إيران المجوسية من تراثها العقدي أو التاريخي أو السياسي.
في هذا البحث سنتجاوز عما سبقنا إليه الأولون من بيان تفاصيل عقائد القوم. لكننا، وبغية بيان واقع وخلفيات السياسة الإيرانية وأهدافها ومآلاتها، سنلجأ إلى مقاربة الخطاب السياسي عقديا وتاريخيا وموضوعيا. وفي المحصلة سنقف على ما يبدو لنا مربطا صفويا يجري إعداده دوليا، بديلا عن المربط الأمني النصيري في الشام، لكنه أشد خطورة حتى من المربط اليهودي في بيت المقدس. أما لماذا هو بهذه الخطورة؟ فلأنه، كعادته تاريخيا، يتوسع ليشمل العالم الإسلامي برمته، بحيث يغدو المربط اليهودي بجانبه أقل جدوى منه بما لا يقارن. فإنْ نجح النظام الدولي بتوطين هذا المربط، لا قدر الله، فستكون له نتائج بالغة الضرر، كونه يتواجد في قلب العالم الإسلامي، عبر الديمغرافيا الشيعية التي تشكل مادته الأولى في الانتشار والتأثير والاستيطان الاجتماعي، بخلاف المربط اليهودي المتحصن وراء الجدر، الصريح عدائيا والمكشوف عقديا، والمعزول اجتماعيا، بما يوافق عقلية الغيتو عند اليهودية التي لم تجد أصلا، في كل تاريخها، الجوار الثقافي حيثما تواجدت.
المبحث الأول
ماهية العقيدة الرافضية ومرجعياتها
أولا: ماهية الشيعة و الرافضة
لا شك أن تعريف عقيدة الرافضة، بالمحتوى الفارسي لها قبل الإسلام وبعده، مسألة شائكة للغاية! فإذا ما توقف الباحث عند معاينة المصادر الأساسية للتشيع فسيجد نفسه وعقله إزاء:
(1) دين أشبه ما يكون بكتاب « الياسق» أو « الياسا» لجنكيز خان، والذي « اشتمل» بحسب « البداية والنهاية» لابن كثير: « على بعض الأحكام من المجوسية واليهودية وبعض الأحكام اقتبسها من الشريعة الإسلامية، وأحكام أخرى وضعها من عنده فجمع وغيَّر وبَدَّل كما يشاء»، مع ملاحظة أن مصنفات الشيعة، العقدية والتاريخية، أزخر ما تكون بالأهواء من أية فلسفة أو عقيدة وضعية، ناهيك عن أن تكون عقيدة إسلامية كما نزلت على محمد صلى الله عليه وسلم؛
(2) دين يمتد، في جذوره، إلى ما قبل الإسلام؛ أو على الأديان الفارسية والبابلية، التي سيطرت على العالم القديم.
(3) دين على شاكلة كتاب« التلمود» اليهودي، الذي يتدخل في كل صغيرة وكبيرة بحياة اليهودي، باعتباره مفسرا وشارحا للتوراة، ومادتها الأساسية، ومتقدما عليها في بنية الشخصية اليهودية والمكونات الثقافة والنفسية لها.
لذا فالسؤال: ليس عما إذا كانت الرافضة قد التزمت بكلام الله، عز وجل، أو غيرت وبدلت واستعانت بعقائد
التحريف، أو استحدثت دينا جديدا، بل في التساؤل عن ماهية المرجعيات العقدية والاجتماعية والنفسية التي خرجت منها فرق الرافضة، وشكلت بمجموعها العقلية الرافضية في كل زمان ومكان ظهرت فيه عبر التاريخ، لاسيما عقيدة الإمامية أو الجعفرية أو الاثنى عشرية .. هذه الطائفة التي يصفها د. ناصر القفاري في مقدمة رسالته في الدكتوراه أنها: « الطائفة الشيعية الأكبر في عالم اليوم، والتي: احتوت معظم الفرق الشيعية التي وجدت على مسرح التاريخ، وتمثل مصادرها في التلقي، خلاصة الأفكار الشيعية المختلفة ومستقرها التي ظهرت عبر الزمن، حتى قيل بأن لقب الشيعة إذا أطلق لا ينصرف إلا إليها»[1]. بل أن الفرق الأخرى، رغم اختلافها وتباينها في بعض الأصول والفروع، وجدت في الطائفة الاثنى عشرية أو الإمامية، مظلة تستظل بها، وتحتمي بها، وتتحالف معها، وترتبط معها في المصير ذاته، في النوازل الكبرى.
أما بيان الفرق بين لفظتي « الشيعة» و « الرافضة» فسيعني في المحصلة الوقوف على النشأة والتباين في المواقف والعقائد بين اللفظتين. لكن باختصار؛ فإن « التشيع» لفظة تعني الولاء أو الانحياز لأمر أو جهة ما، وسمي أهله بـ « الشيعة»، بخلاف « الرفض» الذي يعني التبرؤ التام من أمر ما، بحيث يستقر المفهوم على أهله باسم « الرافضة».
وبحسب أغلب المؤرخين والدارسين، مع بعض التباينات الوجيهة، فإن التشيع بدأ بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان على يد الخوارج سنة 35 ه، وتولي علي بن أبي طالب الخلافة في ظروف عصيبة. وفي ذلك الحين كان معاوية بن أبي سفيان واليا على الشام. لكنه رفض مبايعة علي إلا بشرط الاقتصاص من قتلة عثمان. هذه الثغرة هي التي دفعت قتلة الخليفة إلى الانحياز لعلي، ومعهم مواليه ومن شايعه. وهؤلاء هم من حظي فيما بعد بلقب « شيعة علي»، وفي مرحلة لاحقة « الشيعة». لكن هذا التولي لا يكن ليعني بأية صورة قبول علي بما فعله القتلة، أو بما آل إليه التشيع على امتداد التاريخ الإسلامي. والأرجح أن علي بن أبي طالب، وبلسانه، وقع بين مطرقة المطالبين بالقصاص وسندان العجز واتساع دائرة الفتنة.
أما « الرافضة» فيغلب القول أنه ذلك الاسم الذي أطلق على أولئك الذين رفضوا خلافة زيد بن علي لأنه أبى على الغلاة من الشيعة التبرؤ من أبي بكر وعمر. وتبعا لذلك فالذين وافقوا زيدا سموا باسم « الزيدية». ويرى البعض أن الخوارج، وإنْ صاروا من شيعة علي، إلا أنهم أول من بدأ الرفض حين رفضوا خلافة عثمان. وفي كلا الحالين فإن خلفية الرافضة الاجتماعية والسياسية وأسسها العقدية وغاياتها أشد سوء من خلفية الشيعة.
المهم في الأمر أن التشيع القائم، في صيغته الأولى، وكذا القائم على تفضيل آل البيت على غيرهم من الصحابة قد لا يكون خروجا عن الإسلام بقدر ما كان اجتهادا. وهؤلاء بلا شك واقعون، رغم غلوهم وبغيهم، في دائرة الإسلام وليس الكفر. لكن المشكلة في عقائد « الرافضة» التي قالت بالولاية والوصاية والبداء والتقية والغيبة والرجعة والعصمة والحلول والاستنساخ والمتعة وعلم الغيب وإتيان الخوارق والمعجزات والتحكم بذرات الكون، وألَّهت علي وفاطمة وفقهاءهم وآمنت بتحريف القرآن وزادت عليه ووضعت الأحاديث وشابهت الخوارج في إنكار السنة النبوية وطعنت بأمهات المؤمنين وكفرت الصحابة وعموم المسلمين ما لم يكونوا في صفهم، وقالت بردة المسلمين بعد وفاة النبي إلا من ثلاثة!*، بل ودعت إلى حربهم وقتلهم وسبي نسائهم وذراريهم وعدم أكل ذبائحهم أو مناكحتهم، ووجوب لعنهم ومخالفتهم حتى في الحق، وجعلت منهم عدوها الأزلي … لذا فمن « الرافضة»، وليس من « الخوارج»، خرجت أغلب الفرق المنحرفة في الإسلام. أما لماذا؟
فلأن (1) التأريخ للتشيع العقدي، وليس السياسي، ( = الرفض) بدأ من عند عبدالله بن سبأ اليهودي، الذي وجد في التحالف مع رؤوس الخوارج أمثال عبد الرحمن بن ملجم وسودان بن حمران وكنانة بن بشر وغيرهم، من قتلة الخليفة عثمان، أقوى فرصة لتوطين الفتنة وتصعيدها! ولأن (2) العجم كانوا من بين جمهور الشيعة فيما كان جمهور الخوارج الأولين، قبل أن يتحولوا لاحقا إلى الجهمية والمعتزلة وأهل الكلام، من العرب الأجلاف وأهل الجفاء والغلظة في الطباع! ولأن (3) القوى المناهضة للإسلام، ممثلة بالزنادقة وأهل الأهواء والبدع والخصوم، من المجوس على وجه الخصوص، وجدوا في التشيع منفذا لتمرير معتقداتهم وأفكارهم وانحرافاتهم لممارسة الهدم بأمان من الداخل. أي تحت غطاء ديني. ولأن (4) طبيعة التشيع قامت على تقديس الأشخاص، بخلاف الخوارج الذين غلوا في الدين والأحكام.
الانتقال من التشيع العلوي إلى التشيع الرافضي لا بد وأن يمر عبر (1) اليهودية أولا، و (2) المجوسية ثانيا، ثم (3) الصفوية ثالثا. وخلال هذه الرحلة الطويلة لا بد من ملاحظة أنه ما من فائدة تذكر في التفريق بين التشيع العلوي والتشيع الفارسي أو الصفوي. وهو ما يعني بالضرورة أن الانحراف بنيوي في أساساته العقدية، وإلا ما كان له أن يواصل الانحراف إلى هذا المستوى طوال 1400 عام من البعثة النبوية. ولو كان الأمر غير ذلك لكان من الأولى أن ينحرف الإسلام في أصوله وفروعه عبر مذاهبه الأربعة.
حين معاينة عدد فرق الشيعة في المصادر التاريخية والدينية فإن العدد يتراوح ما بين 45 إلى 300 فرقة[2]. وكلها تجتمع على الأصول وتفترق عليها. بل أن المطلع على مصادر الشيعة الإمامية* لا يمكن له أن يلحظ اتفاقا ولو على مسألة واحدة. كما أن محتوياتها لا يقبلها عقل ولا دين. ولئن تميزت بتقديمها مادة خصبة للمستشرقين وخصوم الإسلام للطعن فيه فإن شهادة المستشرقين أنفسهم في محتوياتها نأت بنفسها عن اعتبارها مصادر معتبرة، بل طعنت فيها أشد ما يكون الطعن لكثرة ما احتوت من الأساطير والخرافات والمعجزات وحتى البهلوانيات. ووصل بالمستشرقين، وليس فقط بالمسلمين، إلى وصف ما يسمى بالمذهب الجعفري الاثنى عشري بكونه دين جديد!!! لذا فقد اضطروا إلى الاعتماد على المصنفات الإسلامية لاستخراج ما أمكنهم من الشبهات للطعن في الإسلام.
في السياق تجدر الملاحظة إلى أن هناك من يقول من علماء الشيعة ومفكريهم كالموسوي وعلي شريعتي بأن مصنفات الشيعة قاطبة تعرضت للدس والتحريف من جهات مجهولة على مر التاريخ! وأن الدس بدأ على وجه الخصوص من العهد الصفوي. لكن السؤال الذي يبقى قائما هو: ما الذي يجعل من المصنفات الشيعية قابلة للتحريف على الدوام فيما تبقى المصنفات الإسلامية محفوظة!!!؟ ولماذا يتقبل الشيعة التحريف لقرون طويلة بحيث يغدو لديهم ثقافة؟ فيما يرفض عامة المسلمين أي تحريف من أي نوع كان ولو للحظة من الزمن؟
الجواب ببساطة ليس بسبب التخلف والجهل أو سياسة « الاستحمار» كما يقول د. علي شريعتي، بل لأنه فعلا دين جديد. فأي دين وضعي سيكون قابلا بالضرورة للتشكل، زيادة ونقصانا، بحسب الحاجة ومصالح القائمين عليه. ودين الرافضة، كالنصرانية واليهودية، هو دين كهنوتي بامتياز، تديره طبقة أفرزتها العقائد ذاتها. وما حصل بالضبط هو إسقاط هذه العقائد، المتعددة المصادر والمنابت، على الدين الإسلامي في كل صغيرة وكبيرة. وهو ما نجده صريحا في كافة المصنفات الشيعية بلا استثناء. وبطبيعة الحال لا يمكن أن تكون النتيجة إلا دينا جديدا. لكن هذه النتيجة لا يتوقف عندها الشيعة، بقليل أو بكثير، بقدر ما يتحينون الفرص، ويجتهدون في إشاعة وتوطين البدع والانحرافات والكفر والموبقات والزندقة والإباحية ليس بين أتباعهم بل في عموم بلاد العالم الإسلامي.
وفيما يلي بعض النماذج من أقوال علماء الشيعة وفقهائهم حيث لا إله فيها بريء، ولا دين، ولا رسول، ولا آل بيت، ولا صحابة، ولا سابقون، ولا لاحقون، ولا عامة المسلمين:
يقول نعمة الله الجزائري عن عامة المسلمين: « لم نجتمع معهم على إله ولا نبي ولا على إمام، وذلك أنهم يقولون: إن ربهم هو الذي كان محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيه، وخليفته بعده أبو بكر، ونحن لا نقول بهذا الرب ولا بذلك النبي، بل نقول: إن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبينا»، ( الأنوار النعمانية 2/279) . ويروي الكليني عن أبي جعفر قوله: « كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وآله إلا ثلاثة المقداد بن الأسود وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري»، ( روضة الكافي: 8/246)، وينسب رواية لجعفر بن محمد الصادق يقول فيها عن أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، بأن: « هذه الأمة أشباه الخنازير، هذه الأمة الملعونة»، (الكافي: 1/336). أما الخميني فقد وصف العرب في ( كشف الأسرار/20): بوحوش نجد. وفي رواية أخرى له في نفس الكتاب: « إن الناس كلهم أولاد زنا أو قال بغايا ما خلا شيعتنا، ( الروضة 8/135). لذا فهم بالنسبة إليه في موضع آخر من ذات الكتاب: « كفار أنجاس بإجماع علماء الشيعة الإمامية، وإنـهم شر من اليهود والنصارى، وإن من علامات الناصبي تقديم غير علي عليه في الإمامة»، (الأنوار النعمانية 2/206-207).
أما الخميني فينقل أيضا عن أبي إسحاق الأرجاني قوله:« قال أبو عبد الله: أتدري لم أمرتم بخلاف ما تقول العامة؟ فقلت: لا أدري. فقال: إن علياً لم يكن يدين لله بدين إلا خالف عليه الأمة إلى غيره إرادة لإبطال أمره، وكانوا يسألون أمير المؤمنين عن الشيء لا يعلمونه فإذا أفتاهم جعلوا له ضداً من عندهم ليلتبسوا على الناس»، ( التعادل والترجيح/82).
وفي رواية عن داود بن فرقد وردت في ( وسائل الشيعة 18/463)، و ( بحار الأنوار 27/231)، جاء فيها: « قلت لأبي عبد الله u: ما تقول في قتل الناصب؟ فقال: حلال الدم، ولكني أتقي عليك، فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد عليك فافعل». ويعلق الخميني عليها بقوله: « فإن استطعت أن تأخذ ماله فخذه، وابعث إلينا بالخمس».
وفي كتابه« كشف الأسرار، ص55» يقولالخميني: « من الواضح أن النبي لو كان قد بلغ بأمر الولاية طبقا لما أمره الله وبذل المساعي في هذا الأمر لما نشبت في البلدان الإسلامية كل تلك الخلافات والمشاحنات والمعارك»! وفي نفس الكتاب (ص 123)، ينقل عن المجلسي القول: « إننا لا نعبد إلهاً يقيم بناء شامخا للعبادة والعدالة والتدين، ثم يقوم بهدمه بنفسه، ويجلس يزيداً ومعاوية وعثمان وسواهم من العتاة في مواقع الإمارة على الناس، ولا يقوم بتقرير مصير الأمة بعد وفاة نبي».
وفي باب اللعن والسباب، الفريضة الثانية لدى الشيعة، يقول الخميني: « غيرنا ليسوا بإخواننا وان كانوا مسلمين. فلا شبهة في عدم احترامهم بل هو من ضروري المذهب كما قال المحققون، بل الناظر في الأخبار الكثيرة في الأبواب المتفرقة لا يرتاب في جواز هتكهم والوقيعة فيهم، بل الأئمة المعصومون، أكثروا في الطعن واللعن عليهم وذكر مساوئهم»، ( المكاسب المحرمة1/251). وأورد أبو الحسن المرندي في ( مجمع النورين، 208)، حديث علوي نقل من خط محمد بن الحسن الحر العاملي المجاور بالمشهد المقدس الرضوي، جاء فيه: « أن أمير المؤمنين كان يطوف بالكعبة فرأى رجلا متعلقا بأستار الكعبة وهو يصلي على محمد وآله ويسلم عليه ومر به ثانيا ولم يسلم عليه فقال يا أمير المؤمنين لمِ لمْ تسلم علي هذه المرة فقال: خفت أن أشغلك عن اللعن وهو أفضل من السلام ورد السلام ومن الصلوة على محمد وآل محمد». أما الخوئي في ( مصباح الفقاهة، 1/323) فقال: « ثبت في الروايات والأدعية والزيارات جواز لعن المخالفين، ووجوب البراءة منهم، وإكثار السب عليهم، واتهامهم، والوقيعة فيهم: أي غيبتهم، لأنهم من أهل البدع والريب. بل لا شبهة في كفرهم، لان إنكار الولاية والأئمة حتى الواحد منهم، والاعتقاد بخلافة غيرهم، وبالعقائد الخرافية، كالجبر ونحوه يوجب الكفر والزندقة، وتدل عليه الأخبار المتواترة الظاهرة في كفر منكر الولاية، وكفر المعتقد بالعقائد المذكورة، وما يشبهها من الضلالات. ويدل عليه أيضا قوله (ع) في الزيارة الجامعة: ومن جحدكم كافر».
وعن مقام الأئمة الاثني عشريذكر الخميني في كتابه ( الحكومة الإسلامية /52): « إن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل .. وقد ورد عنهم (ع) أن لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل».
وعن زواج المتعة نسب فتح الله الكاشاني لجعفر الصادق القول: « إن المتعة من ديني ودين آبائي، فالذي يعمل بها يعمل بديننا, والذي ينكرها ينكر ديننا بل إنه يدين بغير ديننا، وولد المتعة أفضل من ولد الزوجة الدائمة، ومنكر المتعة كافر مرتد»، (منهج الصادقين/356).
أما حسين الموسوي، أحد علماء النجف، وصديق سابق للخميني قبل الثورة، وصاحب الاسم المستعار الذي طعن بشدة في عقائد ملته وتبرأ منها، فقد قدم في كتابه الشهير، ( لله وللتاريخ – 14 صفر 1422)، رواية بالغة الإثارة والدهشة. ففي زيارة له لإيران، بعد شهر ونصف من انتصار الثورة؛ وفي جلسة خاصة معه لتهنئته، قال له الخميني: « سيد حسين آن الأوان لتنفيذ وصايا الأئمة صلوات الله عليهم، سنسفك دماء النواصب ونقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم، ولن نترك أحداً منهم يفلت من العقاب، وستكون أموالهم خالصة لشيعة أهل البيت، وسنمحو مكة والمدينة من وجه الأرض لأن هاتين المدينتين صارتا معقل الوهابيين، ولا بد أن تكون كربلاء أرض الله المباركة المقدسة، قبلة للناس في الصلاة وسنحقق بذلك حلم الأئمة عليهم السلام، لقد قامت دولتنا التي جاهدنا سنوات طويلة من أجل إقامتها، وما بقي إلا التنفيذ»!!
إذن؛ سيكون من البلاهة والجهل المدقع أن يأتي أحد ما ليقول بأن هذه النماذج يجري استخراجها والاستعانة بها لإدانة عقائد الشيعة في حين أنها مجرد سقطات هنا وهناك. وسيكون من الغبن الاعتقاد بأن هذه العقائد متناثرة في كتب الشيعة، وأنها تقع في سياق الاجتهادات أو الغلو الموجود في كل مذهب أو دين. فالمسألة تتعلق بنحو 300 ألف حديث موضوع. والحقيقة أن الحديث يجري عن « دين الإمامية» كما يسميه ابن بابويه القمي .. دين لا لقاء فيه من قريب أو من بعيد. فالخلاف، إنْ صح التعبير أصلا، بين المسلمين والشيعة واقع في (1) أصول العقائد وفروعها، وفي (2) منظومة التشريعات برمتها، وفي (3) منظومات القيم والأخلاق، وفي (4) الأهداف والغايات، وحتى في (5) الطقوس، وفي (6) قابلية العقل للأساطير والخرافات … بحيث يستحيل الاجتماع، ولا حتى عبر ما يسمى زورا بالتقارب أو التقريب بين المذاهب، وكأن الشيعة الإمامية مذهب من المذاهب التي يمكن التعبد بها. فما الذي يمكن التعبد به مع هكذا عقائد لا يمكن الالتقاء معها لا على إله ولا دين ولا رسول ولا صلاة ولا زكاة ولا حج ولا صوم ولا جهاد ولا حقيقة توافق الفطرة أو يستسيغها العقل!!!؟
باختصار: من أين جاءت الرافضة بدينها؟
أولا: ابن سبأ والسبئية
ما فعله ابن سبأ في الإسلام هو عين ما فعله ابن ملته « بولس» في النصرانية حين دخل فيها، وشرع في تحريفها من الداخل، وهدمها ليأتي بدين جديد! ولنبدأ، إذن، بشخصية بولس كي نتعرف على الطريقة التي تنصر فيها، وما أحدثه في النصرانية من تحريفات مريعة.
- شخصية « بولس
ولد بولس لأبوين يهوديين متشددين في السنة الرابعة للميلاد في مدينة طرسوس* في آسيا الصغرى أو ما كان يسمى بتركيا القديمة. ودرسه والده الناموس ( الشريعة). وبحسب المؤرخين النصارى فقد تَنصَّر فجأة، ودون أية مقدمات، بل تَنصَّر خلال مهمة يهودية أُرسل بموجبها من حاخامات اليهود في القدس إلى دمشق للتواصل مع حاخاماتها، واستعادة اليهود الذين تَنصَّروا وهربوا إليها!!! لكن في الطريق، وبحسب كتاب « أعمال الرسل»، أُبرق حول بولس وجنوده نور من السماء، فسقط على الأرض وسمع صوت يسوع يدعوه للإيمان. وفي ( الأعمال 9 )، بقليل من التصرف، أن « الرجال الذين كانوا مع شاول ( بولس) وقفوا صامتين يسمعون الصوت ولم يروا شيئا. أما الصوت فقد أمره أن يدخل دمشق، حيث سيعرف ما يفعله. وظل هناك أعمى ثلاثة أيام». وفي ( الأعمال 26) أيضا: « من لمعان النور سقط شاول على الأرض هو وجميع من معه، وأمره الصوت» قائلا: « الآن أرسلك إلى الشعب لتفتح عيونهم ليرجعوا إلى الله»! وبعد 3 أيام جاءه تلميذ اسمه حنانيا، وصلى عليه فشفاه، وتم تعميده ( تنصيره )، فخرج في الحال يبشر بدين المسيحية ويطوف على معابد اليهود في دمشق!!!
بعيدا عن التخريفات والتناقضات والروايات المختلقة التي يأتي بها في ( أعمال الرسل)، دون أي شاهد عليها أو دليل من كتاب سماوي، أعلن بولس تَنصُّره، وتلقيه للوحي. يحدث هذا بينما هو (1) من المفروض أنه في مهمة كهنوتية حظي بثقة الحاخامية لتنفيذها! و (2) في الوقت الذي اشتهر فيه بعدائه وعنفه الشديدين ضد النصرانية والنصارى الذين كان يعذبهم ويضطهدهم بقسوة! و (3) في الوقت الذي لم يشاهد فيه المسيح أو يقابله ولو لمرة واحدة في حياته إلا حين تجلى له في الطريق بعد رفعه بحسب زعمه! و (4) الوقت الذي لم يكن فيه شاهدا على الأحداث، و (5) لا حواريا. بل أن كل ما حظي به، بعد تنصره وليس قبله، أنه قابل برنابا، أحد الحواريين الاثنى عشر للمسيح. ونشط في التبشير، لينتهى به المطاف إلى كتابة 14 سفر من أصل 27 سفرا احتواها العهد الجديد!
ومن أهم تحريفاته القول بأن: (1) المسيح ابن الله، وأن (2) الله هو مجموع أرواح البشر وأجسادهم، و (3) المسيحية دين عالمي وليس خاصاً ببني إسرائيل، وأن (4) عيسى صلب تكفيراً لخطايا البشر ( عقيدة الفداء)، وأن (5) قيامة عيسى عليه السلام من الأموات وأنه صعد وجلس عن يمين الله، وأنه (6) تلقى الرسالة من المسيح وهو ذاهب إلى دمشق، وأنه جاء (7) لينقض الناموس، ويعلن كل (8) من يتبع شريعة موسى عليه السلام مرتدا، باعتبارها تعاليم شيطانية، مضلة وعجائزية بالية، وأنها خرافات دنسة ونجسة وأنه (9) يستعلي على الله، و (10) بالعنصرية على غير قومه، و (11) ويحل ويحرم ما يشاء، وهو (12) أول من أوجد كلمة المسيح، و (13) وأول من أسس النظام الكهنوتي في الكنيسة بمراتبه الدينية واستبدل الشيخ بالأسقف، وأول من (14) شجع على الرهبنة كما في النظام اليهودي[3] .. بل أنه لم يترك شاردة أو واردة في النصرانية إلا وقع عليها وأولها أو زعمها أو حرفها. وفي النهاية مـات مقتولا في روما في زمن الإمبراطور نيرون سنة 65 أو 66م . ورغم كل التحريف الذي أحدثه في النصرانية إلى الحد الذي اعتبره الكثيرون من المفكرين واللاهوتيين مؤسس النصرانية الوثنية الجديدة إلا أن الإمبراطور قسطنطين، صاحب مجمع نيقية، اعترف بدعوته، وتبني رسميا عقائده سنة 325م. بل أن دائرة المعارف الفرنسية تنسب إليه كلا من إنجيلي « مرقس» و لوقا» وسفر « أعمال الرسل».
أما شخصيته، بعد التنصر، فقد اتسمت بالكذب والدفاع عنه: « فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ صِدْقُ اللهِ قَدِ ازْدَادَ بِكَذِبِي لِمَجْدِهِ فَلِمَاذَا أُدَانُ أَنَا بَعْدُ كَخَاطِئٍ؟»، ( رومية 3: 7) ، كما اتسمت شخصيته بتمجيد الذات والنفاق والتلون مع كل طائفة بما تهوى، حتى بدت الخطيئة له منهج حياة: « 19 فَإِنِّي إِذْ كُنْتُ حُرّاً مِنَ الْجَمِيعِ اسْتَعْبَدْتُ نَفْسِي لِلْجَمِيعِ لأَرْبَحَ الأَكْثَرِينَ. 20 فَصِرْتُ لِلْيَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لأَرْبَحَ الْيَهُودَ وَلِلَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ كَأَنِّي تَحْتَ النَّامُوسِ لأَرْبَحَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ 21 وَلِلَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ كَأَنِّي بِلاَ نَامُوسٍ – مَعَ أَنِّي لَسْتُ بِلاَ نَامُوسٍ لِلَّهِ بَلْ تَحْتَ نَامُوسٍ لِلْمَسِيحِ – لأَرْبَحَ الَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ. 22 صِرْتُ لِلضُّعَفَاءِ كَضَعِيفٍ لأَرْبَحَ الضُّعَفَاءَ. صِرْتُ لِلْكُلِّ كُلَّ شَيْءٍ لأُخَلِّصَ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَوْماً. 23 وَهَذَا أَنَا أَفْعَلُهُ لأَجْلِ الإِنْجِيلِ لأَكُونَ شَرِيكاً فِيهِ»، ( كورنثوس الأولى 9: 19-23 ).
وفي الغلو بالسيد المسيح عليه السلام، فقد نقل البنوة من اليهودية إلى النصرانية، حيث يقول: « 3 … فَاللَّهُ إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ وَلأَجْلِ الْخَطِيَّةِ دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ »، ( رومية 8/3). ويقول: « 32 اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضاً مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟ »، ( رومية 8/32). ويقول: « 4 وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُوداً تَحْتَ النَّامُوسِ، »، ويقول: « 1 اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، 2كَلَّمَنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ – الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضاً عَمِلَ الْعَالَمِينَ.3الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيراً لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي، 4صَائِراً أَعْظَمَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ بِمِقْدَارِ مَا وَرِثَ اسْماً أَفْضَلَ مِنْهُمْ. »، ( عبرانيين 1/1-4). ويقول: « 15 اَلَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ. »، ( كولوسي 1/15). ويقول أيضا: « 6 الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلَّهِ. 7لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ النَّاسِ. »، ( فيلبي 2/6-7). ويقول: « 16 وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ. »، ( 1 تيموثاوس 3/16).
يخلص الشافعي في دراسته عن بولس ورسائله إلى ثلاث ميزات تميزت بها شخصيته، بالمقارنة مع من عاصره من الحواريين، أو من جاؤوا بعده من القديسين، وعلماء النصارى: « (1) كان نشيطا دائم الحركة لا يكل من كثرة الأسفار، و(2) ذكي، فطن، بارع الحيلة، ذو فكر، متصرف يدبر الأمور بذكاء، و(3) قوي التأثير على نفوس الناس وعلى أهوائهم، قادر على قلب دفة الحوار إلى ما يريد». لذا، والكلام للباحث، « استطاع بولس أن يكون محور الدعاة النصارى، واستطاع أيضا أن يفرض كل ما ارتآه على مريديه فيعتنقوه دينا
ويتخذون قوله حجة دامغة»[4]. فهل أخفق ابن سبأ حيث نجح بولس؟
شخصية ابن سبأ
عبدالله ابن سبأ!!! حقيقة تاريخية بارزة، باعتراف علماء الرافضة ومشايخهم، وكتب الأولين منهم. ورغم إنكار البعض منهم حقيقة ابن سبأ إلا أن المرجع الشيعي ابن بابويه القمي، في حديثه عن الفرقة السبئية، انفرد عن سائر العلماء والمؤرخين، من أية جهة كانت، بالإشارة إلى هويته بالقول أنه: « عبد الله بن وهب الراسبي الهمداني»، (المقالات والفرق/20). ومع ذلك فهو شخصية غامضة من حيث الاسم والنسب، بما يكفي للتحفظ بشدة على تسمية القمي له، بل ورفضها من الأساس. إذ ما من مبرر يجعل من التسمية صحيحة لاسيما أن اسم « عبدالله» كان يطلق آنذاك على أي شخص نكرة يُنادى عليه في الشارع أو في السوق أو في المسجد أو في أي مكان يتعرض فيه للنداء، تماما كما كان يطلق اسم « أمة الله» على أية امرأة. ففي شمال أفريقيا مثلا ينادى على الرجل النكرة في الطريق باسم « سي محمد». ولعل نكرة الاسم والنسبة معا تسببا بذيوع شهرته بين الناس بلقب « ابن السوداء»، نسبة لأمه الحبشية. وغني عن البيان ملاحظة أن النسبة للأم تعني جهلا في النسب، حتى لمن عاصروه! وهذا يعد نقيصة كبرى في عرف العرب، بالإضافة إلى أن اللقب بحد ذاته يعبر عن نسبة مناطقية عامة، وغير محددة. أما لماذا تعمد الغموض؟ فلأنه بحاجة لِئن يخفي أمرا ما، لم يكن يرغب في كشفه بداية، كي لا يتيسر لأحد تتبعه أصلا وفصلا بحيث يمكن التعرف على حقيقته، وعلى أهدافه، وغاياته. ولا ريب أن الأسوأ في شخصية ابن سبأ، أن الغموض سينسحب على المستقبل، وليس على حاضره فقط، بحيث يبدو حال الباحثين عنه، كما لو أنهم يواجهون منظومة محكمة من الطلاسم، التي تستعص على الحل.
الفرق بين شخصية شاؤول بن كيساي، الملقب بـ « بولس الرسول»، وابن سبأ أن هذا الأخير استثمر عميقا في شخصية بولس، وتجاوز عن الأخطاء التي وقع فيها، عبر التشدد في مسألة الغموض. لكن المنهج المتبع بين الشخصيتين كان واحدا تقريبا، بل أن ديناميات الفعل والتحريف لكليهما تكاد تكون متماثلة موضوعيا ومنهجيا. فقد جاء من اليمن، بتحريض من اليهود والفرس المجوس، ومسترشدا بسابقة بولس وآليات عمله. فشرع في التنقل في الحواضر الإسلامية آنذاك، ما بين البصرة والكوفة والشام ومصر. فهو، في هذا الحراك، يماثل بولس في نشاطه وبروزه المفاجئ، وتنقلاته بين مدن الحدث، ووصوله إلى علية القوم، وتبوئه مكانة بين قطاع عريض من العامة. كما أنه ناظر بولس في ذكائه وفطنته، في ضوء ظهوره المفاجئ، وفي تواجده في اللحظة المناسبة للفتنة، وفي بلاغته العربية، وسرعة ردوده، وعلاقاته الواسعة، وقدرته على الحشد، وفي أطروحاته وشبهاته، التي لاقت رواجا، وحتى تعاطفا لدى البعض، بما ينبئ عن شخصية عالم ضليع في الأديان. فهو يعرف اليهودية والنصرانية والإسلام. وهذا يؤشر على أنه ليس من العامة ولا الدهماء. ولعله من شبه المستحيل القول بأنه ولج الفتنة، وساهم في إشعال نارها بوحي ذاتي أو لمصلحة فردية، بقدر ما يبدو أن هناك طائفة تقف خلفه، وتقدم له ما يحتاج من المشورة والنصح والدعم[5].
ومن الجدير في الاعتبار أن اللحظة التي أعلن فيها ابن سبأ إسلامه هي ذات اللحظة التي جاهر فيها بعدائه لعثمان، وذات اللحظة التي اندرج فيها في فتنة التحريض على قتله! وذات اللحظة التي والى فيها علي بن أبي طالب، وذات اللحظة التي ردد فيها بحقه أطروحات اليهودية والنصرانية في تحريفاتهما العقدية، خاصة في « الولاية، كالقول بأنه: « كان لكل نبي وصي، وعلي وصي محمد، فمن أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ووثب على وصيه»، أو في « الرجعة» كقوله: « عجبت ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمد يرجع وقد قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾، (القصص: 85) »!!!
وتذكر المصادر الشيعية، كابن أبي الحديد، أن عبد الله بن سبأ قام إلى علي وهو يخطب فقال له: « أنت أنت، وجعل يكررها، فقال له -علي- ويلك من أنا، فقال: أنت الله، فأمر بأخذه وأخذ قوم كانوا معه على رأيه»، شرح نـهج البلاغة (5/5). وقال نعمة الله الجزائري: « قال عبد الله بن سبأ لعلي u: أنت الإله حقاً، فنفاه علي u إلى المدائن، وقيل أنه كان يهودياً فأسلم، وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون وفي موسى مثل ما قال في علي»، ( الأنوار النعمانية – 2/234). فكان ابن سبأ أول من نادى بالإمامة لعلي، وأول من ادعى نبوته ثم ألوهيته، وأول من علم أتباعه اللعن وسب أبي بكر وعمر، وأشد من حرض على عثمان رضي الله عنه، وأول من قال بخلود الأئمة. فلما قتل الخوارج الخليفة علي بن أبي طالب، وتلقى ابن سبأ الخبر وهو في مصر، رد بالقول: « كذبت عدو الله لو جئتنا والله بدماغه لو جئتنا بدماغه في صرة وأقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل، ولا يموت حتى يملك الأرض» [6]، ( النوبختي: فرق الشيعة/23).
لما نزل عند لص البصرة، حكيم بن جبلة، بعث الخليفة عثمان إلى عامله، عبدالله بن عامر، محذرا منه. فأرسل بن عامر إلى ابن سبأ يسأله:« من أنت؟» ولم يسأله مثلا: « ماذا تريد؟» أو « ما هي غايتك؟» وفي مثل سؤال بن عامر له، من المفترض أن تكون الإجابة بأنني فلان ابن فلان، لكنه اكتفى بالقول: « رجل من أهل الكتاب رغب في الإسلام ورغب في جوارك»!!! من الواضح أنها إجابة تحرص وتصر على الغموض، وتتعمد طمس الهوية الشخصية، دون أن تخلو طياتها من جهد كامن في استمالة بن عامر لصفه. ولا شك أنه غموض يحول دون تتبع نسبه أو انتمائه أو عمله أو إقامته أو حالته الاجتماعية. لكنه، في المحصلة، لم تتحقق مراميه، ولم يجد في البصرة من يستمع لدعواه إلا مصر، التي كانت، في ذلك الوقت، أخصب مراتع الفرقة السبئية، ومنطلق الفتنة إلى الحواضر الإسلامية آنذاك.
بعض الملاحظات
- بالتأكيد لم يكن ظهور ابن سبأ المفاجئ قدرا وسط توغل فتنة الخوارج، حتى عجز أكثر الصحابة عن ردع غلوائها بحق الخليفة عثمان، واعتزال البعض الآخر، وإصرار الخليفة على رفض الاقتتال، إلى أن دفع حياته ثمنا لها، ومن بعده علي بن أبي طالب وابنه الحسين. كان ابن سبأ كالوزغ ينفخ في كير الفتنة في كل اتجاه، بدءً من التحريض على قتل عثمان، مرورا بالترويج لأطروحاته في الولاية والرجعة، وانتهاء بتأليه علي. ولعله من الطريف أن علماء الشيعة ومؤرخيهم الذين أوردوا روايات علي بن أبي طالب وأبنائه، في الإنكار على ابن سبأ، واستتابته ولعنه، وتهديده بالحرق، ونفيه، هم أنفسهم الذين قالوا بأن ابن سبأ هو أول من نادى بعقيدة الإمامية والرجعة وألوهية علي!!! وأنه بعد مقتل علي جاهر بعقائده وصارت له طائفة تشعبت عنها الغالبية الساحقة من فرق الشيعة والرفض.
- من الطريف ملاحظة أن بولس يقول في ( أعمال الرسل) أنه تم إرساله إلى دمشق من قبل حاخامية القدس!!!!! ومع أن روايته عن تنصره تعرضت للطعن والتشكيك، إلى حد اتهامه باختلاقها، إلا أن إيراده لهذه الجزئية، ترجح أنه لم يتجه نحو دمشق بوازع من نفسه. فهو يتحدث عن مهمة، أوكلت إليه من قبل المؤسسة الدينية اليهودية. والأنكى من ذلك أن بيت المقدس، في وقته، كانت تحت الحكم الروماني، حيث لا صلاحية ولا سلطان لليهود، كي يتصرفوا بمعزل عن السلطة القائمة. وهو ما لاحظه الشافعي في دراسته عن « بولس وأثره في النصرانية»[7]. كما أنه ما من ثقل عقدي لليهود في الشام في ذلك الوقت! فلماذا ذهب إذن؟ لا شك أن السؤال يُطرح في سياق تنصره المفاجئ. فإنْ كان بولس في مهمة؛ فهل جاء ابن سبأ منفردا، بلا أية مهمة!؟ وفي المحصلة؛ هل ثمة فرق فيما أنجزه الشخصان بحق النصرانية والإسلام؟
- مشكلة بولس، بموجب رسائله و ( أعمال الرسل)، أنه لم يكن فعلا يهوديا على شريعة موسى كما نزلت عليه، ولا صار مسيحيا كما كانت قبل تحريفه إياها! وكذلك الأمر حال ابن سبأ. فلا هو بيهودي يعرف ولا هو بمسلم. وكل ما فعله هو نقل التحريفات اليهودية والنصرانية ليؤسس بها دين الإمامية، كما أسس عزرا بن سرايا من قبل التوراة والتلمود في بابل بتشجيع من قورش الفارسي، كما سنرى لاحقا. ومثل هذه الأفعال ليست سوى إعلان حرب على الله ورسله وأنبيائه والمؤمنين. بل أن حال اليهود والنصارى والرافضة، صار كحال أبي جهل، الذي جاءت دعوته، برفض الحق، في آيات قرآنية تتلى إلى قيام الساعة: ﴿ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾، ( الأنفال: 32). إذ لا فرق في الشكل والمضمون، بين هذه الآية وما يقوله الجزائري من: « إن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبينا»، أو المجلسي: « إننا لا نعبد إلهاً يقيم بناء شامخا للعبادة والعدالة والتدين، ثم يقوم بهدمه بنفسه».
يعقد ابن عبد ربه في ( العقد الفريد 2/250)، مقارنة بليغة بين اليهودية والإمامية حين يقول: « إنهم يهود هذه الأمة، يبغضون الإسلام كما يبغض اليهود النصرانية، ولم يدخلوا في الإسلام رغبة ولا رهبة من الله ولكن مقتاً لأهل الإسلام وبغياً عليهم، وقد حرقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالنار، ونفاهم إلى البلدان، منهم عبد الله بن سبأ، … وأبو الكروس، وذلك أن محنة الرافضة محنة اليهود. قالت اليهود: لا يكون الملك إلا في آل داود، وقالت الرافضة: لا يكون الملك إلا في آل علي بن أبي طالب، وقالت اليهود: لا يكون جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح المنتظر، وينادي مناد من السماء، وقالت الرافضة: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المهدي وينزل سبب من السماء. واليهود يؤخرون صلاة المغرب حتى تشتبك النجوم، وكذلك الرافضة، واليهود لا ترى الطلاق الثلاث شيئاً، وكذا الرافضة، واليهود لا ترى على النساء عدة، وكذلك الرافضة، واليهود تستحل دم كل مسلم، وكذلك الرافضة، واليهود حرفوا التوراة، وكذلك الرافضة حرفت القرآن، واليهود تبغض جبريل عليه السلام وتقول: هو عدونا من الملائكة، وكذلك الرافضة تقول: غلط جبريل في الوحي إلى محمد بترك علي بن أبي طالب، واليهود لا تأكل لحم الجزور، وكذلك الرافضة». وفي السياق يستحضر علي الكاش مقولة الخميني في (الحكومة الإسلامية / 135)، حين قال: « إذا عزمنا على إقامة حكم إسلامي سنحصل على عصا موسى، وسيف علي بن أبي طالب»! ولا نظن أنه ثمة مبالغة في القول بأن: « الاقتباس العقائدي الإمامي من اليهودية لم يقتصر رغم تأثيرها الأقوى من غيرها في العقيدة فهناك اقتباسات من النصرانية والبوذية والمجوسية، حتى يمكن القول إن الأمامية هي البوتقة التي جمعت معظم الديانات»[8]. ويبقى السؤال: هل انتهى دور اليهود بنهاية ابن سبأ!؟ سنرى.
ثانيا: الأديان المجوسية
لما يكون التحريف قد نال من الكتب السماوية، فمن الأولى أن ينال من الديانات الوضعية، التي ستغدو قابلة للتعديل بحسب الحاجة. ولعل أعجب ما في الأمر، أن الأديان المجوسية، على اختلافها، اخترقت الكتب السماوية والأديان الوضعية على السواء، فأثرت بها وتأثرت. ينطبق هذا التفاعل المتبادل على الهندوسية والبوذية مثلما ينطبق على اليهودية والنصرانية. ولا ريب أن اختراقها للإسلام، عبر الإمامية وإجمالي الفرق الشيعية الباطنية، مثَّل مدخلا ملائما للطعن فيه. لكن، وبخلاف كافة الكتب السماوية والوضعية، بقي القرآن الكريم بمنآى عن أية محاولة للتحريف. وإذا كانت النصرانية قد زعمت أن الإسلام أخذ عن الزرادشتية والمانوية ومصادر شتى، فإن الإمامية زعمت وأنكرت وأحدثت في الدين ما لم تجرؤ أية ديانة أخرى على الإتيان به.
في بحث قديم له بعنوان: « البشارات بمحمد صلى الله عليه وسلم في الكتب السماوية السابقة»، يقول الشيخ د. عبد المجيد الزنداني أن للأديان الوضعية جذر سماوي جرى تحريفه مع طول الزمن. وتحولت، تبعا لذلك، من دين سماوي إلى دين وضعي. وهذا يعني وجوب التسليم بأن الدين السماوي لا يندثر كليةً بقدر ما يجري تحريفه. وهي مسلمة أكدها القرآن الكريم بأكثر من آية صريحة، تحدثت عن التحريف. لذا؛ فمهما بلغت نسبة التحريف، فإن بعض الطقوس والعبادات وعظائم خلق الله والرسالات ووسائل إيصالها، ظلت متواجدة بين البشر، عبر الكتب السماوية، أو الأديان الوضعية على السواء، كالإله، والأسماء والصفات، والآلهة والرب والأرباب، والشيطان والملاك والوحي، والبشر والحجر والشجر والبقر، والليل والنهار، والنور والظلام، والسماء والأرض، والشمس والقمر والنجوم، والكفر والإيمان، والخير والشر، والحق والباطل، والحلال والحرام، والهداية والضلال، والصلاة والصوم والزكاة والحج …
كل هذه المفردات وغيرها موجودة، لكنها، بفعل التحريف، لم تبق في سياقاتها الربانية التي نزلت فيها. لذا من الطبيعي أن تتواجد في القرآن الكريم باعتبارها من الآيات التي احتوتها الكتب السماوية، والتي مثلت، على امتداد تاريخ رسالة التوحيد، دلالات يقينية على وجود الله وعظمته منذ بدء الخلق، وعلامات للتفكر البشري في خلق الله، والاهتداء إليه عز وجل. لذا فإن هذا التواجد لا يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو من نقلها عن الأديان السابقة، كما تدعي قوى الإلحاد والنصرانية واليهودية.
فالحقيقة الإسلامية التي لا تقبل الجدل أن كل الأنبياء والرسل اختارهم الله لتبليغ رسالة واحدة هي التوحيد. أما الإسلام، بالمقارنة مع ما سبقه، فهو الدين الذي به ختم الله، عز وجل، رسالته، من عهد آدم إلى عهد محمد صلى الله عليه وسلم. والله سبحانه وتعالى هو الذي تكفل بحفظ الدين. أما عظمة الرسول فتكمن في أنه آخر من اختاره الله من خلقه، وآخر من استؤمن على كلامه في الأرض. ومن حكمة الله عز وجل، في إعجاز الطاعنين في دينه ونبيه، أنه اختار رجلا أميا، فقيرا يرعى الغنم، لا يقرأ ولا يكتب، وليس له في العلم أو الأديان السابقة، أو الرسالات أو الفلسفات، ناقة ولا بعير[9].
وفي المحصلة؛ لما يقول الله عز وجل: ﴿ الدِّينَعِنْدَاللَّهِ الإِسْلامُ﴾، ( آل عمران: 19)، فهذا يعني نسخا لكافة الكتب السماوية، وهداية لمن ضل الطريق، بفعل التحريفات التي وقعت بحق الكتب السماوية السابقة. إذ أن الإعجاز في القرآن الكريم يكمن في كونه (1) الكتاب الجامع الذي اشتمل على ما أراده الله في الكتب السماوية، وما بشر به الأنبياء والرسل منذ عهد آدم، حتى لو بلغ عدد الكتب السماوية الملايين، ومثلهم ممن اصطفاه الله من الأنبياء والرسل. وفي كونه (2) الكتاب الخالد إلى قيام الساعة، كما نزل من فوق سبع سموات، وفي كونه (3) الكتاب غير القابل للتحريف، وفي كونه (4) آخر الكتب السماوية، وفي كونه (5) الكتاب الأطول عمرا في الأرض، والذي لم تنل منه قوى التحريف ولا الحروب ولا الكوارث ولا تقادم الزمن، ولن تستطيع النيل منه ما بقيت السموات والأرض. بل أن أعجز ما في الإسلام، قرآنا وسنة نبوية، في (6) أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبلغ دين الله لكافة البشر، وكان الكثير من الصحابة يحفظون القرآن عن ظهر قلب، ويترقبون كل آية تنزل وكل حديث يدلي به الرسول. وهذه شهادة الله: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾، ( آل عمران: 81).
باختصار: لم يكن الإسلام خفيا ولا محتكرا لفئة دون أخرى. بل كل الأرض ومن عليها كانت شاهدة على نزول الدين. بل أن الكفار والخصوم، شهدوا نزوله، ولو رغبوا في كتابته والاحتفاظ بنسخة منه لفعلوا، لكنهم رفضوه. فمن بمقدوره تحريف الإسلام؟ وبالمقارنة؛ متى كتبت التوراة والتلمود؟ ومتى كتب الإنجيل؟ ومتى تغيرت لغته من الآرامية إلى اللغة الألمانية، ثم إلى باقي لغات العالم؟ وكم من القرون مرت حتى انتزع النصارى في شتى أنحاء العالم حق قراءة الإنجيل بلغاتهم؟ ومتى نجحوا في تجريد الكهنوت الكنيسي من احتكار النص المقدس؟
بالمقارنة أيضا؛ ماذا بقي من الزرادشتية إذا كان هناك من يختلف حتى على تاريخ ميلاد زرادشت؟ أهو في القرن العاشر؟ أو التاسع قبل الميلاد؟ أم في القرن السادس أو الخامس؟ وهل ستكون المجوسية أوفر حظا من اليهودية والنصرانية؟
وعلى فرض أن بوذا وزرادشت وماني وأمثالهم أنبياء، وجاؤوا بما جاء به محمد، صلى الله عليه وسلم، فما من أحد أثبت، أو يستطيع أن يثبت نبوة أحد من هؤلاء. وحتى لو توفرت بعض النصوص في الموسوعات والكتب الحديثة والأبحاث والدراسات، فهي ليست بأدنى دليل على نبوة أحد منهم. وهي، في أحسن أحوالها مجرد تخمينات وترجيحات واستقراءات واستنتاجات، لم تستند على كتب أصلية ولا تاريخية. ولو ثبتت مصداقيتها، لما اندثرت ديانات هؤلاء، وتحولت إلى مادة لدى الملاحدة والمشركين والكفار والخصوم للطعن في الإسلام.
ثمة تعليق، لمترجم كتاب جفري بارندر، على كتاب « الأفيستا» لزرادشت، يقول فيها: « ليس من المرجح أن يكون قد تم تدوينه قبل القرن الخامس الميلادي، وربما يرجع لما قبل الحقبة الزرادشتية، لكن جزءً من مادة هذا الكتاب يرجع إلى ما قبل هذا التاريخ بزمن طويل، وقد فقدت جميع نسخ الأفيستا بعد غزو الإسكندر لفارس عام 330 قبل الميلاد، وفقدت معها تفاسيره والمؤلفات التي كانت تشتمل على شيء من أجزائه، ثم بدأ ملوك فارس في القرن الأول الميلادي في تدوين ما بقي من حوافظ الناس من الأفيستا، وأكملوا هذا العمل في القرن الثالث ثم القرن الخامس»[10]. ويقول باحث آخر: « كتاب الزرادشتيين المقدس الأفيستا ( = الأبستاق ( Avesta، لم يصل لنا منه إلا شذرات»[11].
أما عالم الآثار، والمؤرخ الإيراني، بوريبرار، فيحسم الأمر بأبلغ منطق علمي حين يقول:« يوجد لدينا في إيران عدد من النقوش على الصخور من عهد الإخمينيين والساسانيين، … لا يوجد في هذه النقوش أي كلام عن زرادشت وكتابه أفيستا … وعلى الذين يدعون بوجود زرادشت وكتابي أفيستا وزند، أن يقدموا وثائق تاريخية تثبت هذا الأمر. فهؤلاء الذين يدعون بوجود أديان أو حكمة في إيران القديمة أو أي شيء ثقافي أو حضاري قبل نشوء الإسلام، لم يقدموا أية وثيقة، ولا أية نقوش، صخرية، ولا حتى مسكوكة نقدية، حيث من دون هذه الوثائق يتحول الكلام في هذا المجال إلى أساطير».
هذه القراءات المحبطة للباحثين عن التشكيك في الإسلام، تفسر إلى حد كبير تشابه الكتابات حول الديانات المجوسية. فالمعلومات المتوفرة شحيحة للغاية. وتبعا لذلك فإن أغلب الكتابات تتميز بالعمومية المفرطة. وعليه فبالكاد يمكن معاينة الخطوط العريضة لأكبر الديانات الرئيسية التي شاعت في فارس وبابل قبل الميلاد وغداته.
- الزرادشتية
ديانة فارسية ثنوية، أسسها زرادشت في القرن السادس قبل الميلاد*. وتقوم أساسا على فكرة الصراع بين الخير ممثلا بإله النور أهورا مزدا، والشر ممثلا بإله الظلام أو الشيطان أهرامن. ويصلي أتباعها خمس صلوات، ويعتبرون النار والماء والأرض هي محور الأحداث بين الناس. ولهم كتاب موحى إلى زرادشت يسمى « الأبستاق» أو « الأفيستا»، وهي كلمة فارسية تعني الأصل أو المتن. وتتباين المصادر حول الزمن الذي ظهر فيه الكتاب، بل حول الزمن الذي ولد فيه زرادشت. فالبعض يقول بأن الكتاب لم يظهر قبل القرن الثالث الميلادي، والبعض يتحدث عن القرن الخامس. أي بعد نحو ألف عام من ظهور الديانة. والثابت أنه لم يبق منه ولا من شروحه إلا ما عثر عليه عالم الآثار الفرنسي دوبرن، أوائل القرن العشرين، وقام بنشره وترجمته. ويشتمل على خمسة أسفار لا تتعدى في جملتها ربع الأفستا الأصلي، والثلث في أحسن القراءات. أما الأسفار الخمسة فهي: (1) سفر أليسنا ومعناها العبادة، و (2) سفر ألوسبرو أو الفسبرد، و (3) اليشتان أي الترنيمات أو المزامير، و (4) الوانديداد أو الفانديداد أي القانون، و (5) الخودة أفستا. وللأفيستا شروح على تلك الشروح يطلق عليها اسم « الزَنْد و « البازَنْد و « الأياردة[12].
رغم اقتناع كاشتاسب، الملك الخامس عشر لفارس، في ذلك الوقت، بدعوة زرادشت وتبنيه لها وتعميمها على البلاد، إلا أنها، وإنْ نمت في العهد الإخميني (-550 333 ق.م)، لكنها لم تحظ بصفة الديانة الرسمية، إلا في العهد الساساني، خلال القرن الثالث الميلادي، حيث ظهرت تفاسير الأفيستا. ويتحدث علي شريعتي عن الزرادشتية بمنطق تطوري ابتدأت فيه كـ: « ديانة ضعيفة محدودة التداول .. لم يقف بوجهها الأنبياء ولا المتنبؤون ولم تشن عليه الحملات من قبل المدارس الدينية والفكرية زالعقائدية آنذاك، ما ادى إلى أن تتغلغل في أوساط الناس بهدوء» … وبهذا النص تبدو الزرادشتية « دين العامة» من الناس. لكنها ستتحول إلى « دين الخاصة»، من الملوك والزعامات الدينية والطبقات الحادة، التي ستهيمن قرونا على المجتمع والدولة. وفي هذا السياق يكمل شريعتي القول: « أما في العهد الساساني وبعد أن تحول دين زرادشت إلى دين رسمي للدولة وتسلق مراكز القرار وأصبحت العائلة المالكة تمارس بنفسها دور رجال الدين. وأمسى أولاد ساسان هم كهنة معبد استخر الكبير وصارت نهضتهم نهضة دينية ورسالتهم إحياء الديانة الزرادشتية. وهيمن الكهنة على أعلى مراكز القرار بحيث أصبح قرار السلطان بأيديهم ولا يمر إلا عبرهم …. وتألقت في عهدهم معابد النار وشبت ألسنة نيرانها إلى عباب السماء. وتشكلت في وقتهم أكبر إمبراطورية تقوم على أساس الدين. وقام كبير الكهنة بتتويج ملك الملوك الساسانيين بتخويل من الإله أهورا مزدا ليتسنى له فرض سيطرته على أكثر من نصف العالم المتمدن آنذاك». لكن، يتابع شريعتي،: « المثير للدهشة أن الزرادشتية انهارت وهي في أوج عظمتها وجبروتها. وخضعت للإسلام في حال كانت تمتلك أقوى العساكر والجيوش. وتعتبر واحدة كم أكبر القوى العظمى أنذاك. والأعجب من ذلك كله أن الإسلام كان في ذلك الحين في أضعف حالاته وكان هو الأقل عددا وعدة وثروة واقتدارا»[13].
بدأت علاقة زرادشت باليهودية في رحلة بحثه عن الخلاص. فقد كان على معرفة بالأديان السائدة في عصره. وتقول المصادر أن زرادشت « انتقل إلى فلسطين، واستمع إلى بعض أنبياء بني إسرائيل من تلاميذ النبي إرميا»، لكنه « رجع إلى أذربيجان، ولم تطمئن نفسه إلى اليهودية». ومع ذلك فما أنْ ثبتت الزرادشتية كديانة، حتى تركت يصماتها في كافة الأديان التي عاصرتها، سواء في الشرق أو في الغرب. وبحسب المصادر فقد: 》 كان للزرادشتية تأثير عميق على تطور اليهودية منذ الخروج وما بعده، إضافة إلى تطوير بعض المعتقدات حول مملكة الله والحساب الأخير، والقيامة وابن الإنسان وأمير العالم والمخلص والكلمة وموت يسوع.. وقد أدت الزرادشتية في الواقع دوراً رئيسياً على مسرح التاريخ الديني للعالم، فقد عرفت اليونان زرادشت واحترمته في عصر أفلاطون، وانتشرت عبادة «مترا» وأثارت الزرادشتية فكرة المخلص في الديانة البوذية في صورة «مترا بوذا»، كما أثرت في تطور الإيمان اليهودي والمسيحي وصبغته بصبغتها، كما كان للزرادشتية تأثير كبير في الطوائف الباطنية من قرامطة وغيرهم، واعترفت بها البهائية وادعت أنها عثرت في «الزندافستا» على بشارات بظهور الباب والبهاء《[14].
- المانوية
بخلاف الزرادشتية؛ التي تحولت إلى دين الخاصة، فإن المانوية ديانة عمادها الزهد في ماديات الحياة وملذاتها. ولقربها من العامة، فقد لاقت رواجا وانتشارا، بلغ الهند وبلاد الغال والصين والتيبت وتركستان وسيبيريا وإيران حتى إيطاليا. وتبعا لذلك فقد شكلت التحدي الأخطر للزرادشتية، التي اعتبرت مؤسسها زنديقا. وتبعا لذلك فقد انتهى الأمر بصلبه وقتله على يد بهرام بن هرمز.
أسسها ماني، المولود لأب صابئي الديانة، ولأسرة إيرانية عريقة في ولاية ميسان ببابل سنة 215 أو 216 بعد نزول المسيح عليه السلام. انطلق ماني في بداية دعوته، زمن الملك أردشير، من بابل نحو بلاد فارس وبلوشستان والهند. ولم تغب عنه ديانة إلا درسها، من الزرادشتية والبوذية والهندوسية، إلى اليهودية والنصرانية. لذا فإن ديانته هي خليط من كل الأديان السائدة أو المعروفة حتى ذلك الحين[15]. فقد اعتنق النصرانية، وشرع في بناء الكنائس، وادعى أنه « البارقليط»، الذي بشر به السيد المسيح عليه السلام، وأخذ عنها عقيدة التثليث. لكنه لم يوفر ديانة أو فلسفة في طريقه، إلا ونهل منها. فأخذ عن البوذية عقيدة الحلول والاستنساخ، وعن اليهودية السرية والكتمان والتنظيم. أما الزرادشتية فهي جوهر ديانته.
فالإله عند ماني هو الخير والنور، فيما الشيطان هو الخطيئة والظلام. وللخطيئة ثلاث وسائل هي: (1) القلب « النية» و (2) الفم « الكلمة» و (3) اليد « الفعل». ومن وصاياه: « لا ترتكب الخطيئة, لا تنجب, لا تملك, لا تزرع ولا تحصد, لا تأكل لحماً ولا تشرب خمراً ». وللديانة طبقة كهنوتية منظمة، تنقسم إلى أربع مراتب هي: (1) الحواريون، وعددهم 12، و (2) الشماسون، وعددهم 72، و (3) العقلاء، وعددهم 360، و (4) الصديقون غير محدودي العدد، و (5) السماعون، وهم العامة من الناس، المكلفون فقط بالصلاة أربع مرات يوميا، والسجود 12 مرة في كل صلاة، وصوم شهر نيسان من كل عام, ودفع العشر والزكاة، وتقديم الغذاء للصديقين[16].
نسب آرثر كريستنسن، أحد أشهر المتخصصين في التاريخ الفارسي، أقوالا لماني في الكتاب المقدس للمانوية، المسمى « شابورغان»، يقول فيها: 》 إن الحكمة والأعمال هي التي لم تزل رسل الله تأتى بها في زمن دون زمن، فكان مجيئهم في بعض القرون على يدي الرسول الذي هو « البد» (بوذا) إلى بلاد الهند، وفى بعضها على يدي « زرادشت» إلى أرض فارس، وفى بعضها على يدي « عيسى» إلى أرض الغرب. ثم نزل هذا الوحي وجاءت هذه النبوة في هذا القرن الأخير على يديَّ أنا « ماني» رسول إله الحق إلى أرض بابل《. ولما كان يبشر بدينه في الهند، كان يردد: « إني جئت من بلاد بابل لأبلغ دعوتي للناس كافة»[17]. ويقول أيضا: « يبشَّر الأنبياء بأوامر الإله أحيانا من الهند بواسطة زردشت، والآن أرسلني الله لنشر دين الحق في بابل»، و « أرسلني الله نبيا من بابل حتى تصل دعوتي العالم أجمع»[18].
بقيت الإشارة إلى أن ملني بدا، إلى حد ما أشبه ما يكون بانتهازية بولس، وهو يتلون بحسب ما تهوى الأقوام التي يلتقيها. فلأن غايته أن تبلغ دعوته العالمية، فقد سجل كريستنسن ملاحظة بالغة الدقة، حين قال بأن ماني: « طابق بين مذهبه، بمهارة، وبين الآراء والمصطلحات الدينية عند مختلف الأمم»[19]. وهي ذات ملاحظة سليم مطر في المانوية. أي أنه كان زرادشتي مع الزراديشتيين، في ثنوية إله الخير وإله الشر، ونصراني مع النصارى، و « بالذات الأفكار الثنوية للقديس السرياني بن ديصان الذي دعا إلى نوع من المسيحية الثنوية، بالإضافة إلى المعتقدات البابلية والسامية السائدة»، وبوذي مع البوذيين، حتى أنه « في آسيا والصين أطلق على نفسه لقب بوذا الحي»[20].
- المزدكية
أسسها مزدك بن بامداد، في فارس عام 487، خلال عهد قباذ ابن فيروز الساساني (448-531م)، والد كسرى أنو شروان. ومع أنه بدأ دعوته كمؤمن بعقيدة ماني إلا أن فلاسفة اليوم، قرؤوا دعارة المزدكية، بمنطق العدالة الاجتماعية الماركسية، دون أن يأتوا على ذكر الإباحية اللينينية في عشرينات القرن الماضي! فاعتبروا مزدك أول من وضع بذور الاشتراكية، حين نادى بتقسيم الأرزاق بين الناس بالتساوي. في حين أن مزدك نادى بالإباحية، وجعل الناس شركاء فيهما، كاشتراكهم في الماء، والنار، والكلأ. لكنه لم يلبث قليلا حتى قتل على يد خسرو أنوشيروان الذي أعاد الاعتبار لمذهب زرادشت في الحكم.
تقوم فلسفة المزدكية على افتراض يعكس بؤس الواقع الاجتماعي والسياسي السائد آنذاك، ويرى بأنه إذا كانت النساء والأموال هي مصدر الشرور (الأخلاق الشيطانية) فإن إباحتها، وجعلها مشاعا بين الناس، ستؤدي بالضرورة إلى اختفاء الفساد والشرور. فالذين احتكروا الأموال، وفرضوا القيود على النساء، وتسببوا بحرمان الناس من الزواج، هم المسؤولون عن الظلم والفساد المستشري في البلاد. وإذا كانت نزعة التملك لدى الإنسان تدفعه للاستئثار بهذين المتغيرين، ( المال والمرأة)، فإن انتزاعهما منه ستؤدي إلى تحريره من الذاتية، والاندراج في الجماعة، وبالتالي قهر الشيطان. ومن جهة أخرى ترى المزدكية أن العاديين من الناس لا يستطيعون التخلص من اللذات المادية إلا في اللحظة التي يستطيعون فيها إشباع هذه الحاجات طوعا. فلتكن هذه الحاجات إذن مشاعا عاما ينتفع منه الجميع.
يقول الشهرستاني في المزدكية أن مزدك: « أحل النساء وأباح الأموال وجعل الناس شركة فيها كاشتراكهم في الماء والنار والكلأ»[21]. ومن الطبيعي أن ينظر البعض إلى أن أول من سيرحب بمثل هذه الدعوة هم الغوغاء الذين عانوا الفساد والظلم والحرمان وكذلك الأغنياء والمترفين من طبقات الحكم وحتى الملوك. لذا كان من المثير أن تزيح المزدكية الزرادشتية عن عرشها، وتغدو الدين الرسمي للدولة الساسانية! ولا شك أن هذه الحظوة تمثل أبلغ دلالة على الفوضى العارمة التي ضربت الدولة من رأسها حتى أخمص قدميها، حيث تسود الرذائل والشهوات، وتسمو على كل فضيلة وقيمة أخلاقية. فما الذي يمكن توقعه في مثل هذه الحال الذي تصبح عليه الأمم؟
يجيب الطبري موصفا المشهد: « افترص السفلة ذلك، واغتنموا مزدك وأصحابه وشايعوهم، فابتلي الناس بهم، وقوي أمرهم، حتى كانوا يدخلون على الرجل في داره، فيغلبونه على منزله ونسائه وأمواله، لا يستطيع الامتناع منهم، وحملوا على تزيين ذلك، وتوعدوه بخلعه، فلم يلبثوا إلا قليلاً، حتى صاروا لا يعرف الرجل ولده، ولا المولود أباه، ولا يملك الرجل شيئا مما يتسع به»[22].
لم تنته المزدكية بعد القضاء عليها. فقد انزوت، وغدت تعمل تحت الأرض. وما لبث أن خرجت منها فرق عديدة، خاصة حلال الحكم العباسي. ولعل من أبرز مخلفاتها المدمرة كانت فرقة « الخرمية» التي أخذت تتوسع، حتى أتعبت الخليفة المأمون، فقضى وهو يوصي بالقضاء عليها، مهما كلف الأمر، وكذا فرق « الخرمدينية» و « المحمرة» و « المبيضة» وحتى فرق « القرامطة» و « الحشاشين». وهذه الأخيرة تكاد تكون نسخة أشد سوء من المزدكية في موضوع الإباحية.
بعض المقارنات مع الإمامية
- للإمامية طبقة إكليروس تسمى « المرجعية الدينية»، كما للزرادشتية والمانوية واليهودية والنصرانية، وعلى العامة واجب الطاعة لها. وحيثما قلبنا الأمر فلن نجد في المصنفات الإمامية والفتاوى والمرئيات والمسموعات والخطب والوعظ والإرشاد، قال الله، وقال الرسول، بقدر ما تواجهنا عبارات من قبيل: قال الإمام الأكبر، والإمام الأعظم، وقال القائم، وقال الغائب، وقال الحجة، وقال الوصي، وقال الآية العظمى، بالإضافة إلى دعوات من نوع: قدس سره، وعجل الله فرجه، وعليه السلام، وجعلت فداه، …. . ومن الواضح أن الدين، في مثل هذه الحالة، يؤخذ من القائمين على الكهنوت، ومرجعياتهم واجتهاداتهم وتأويلاتهم وتفسيراتهم، وليس من الكتاب أو السنة، التي لا يعترفون بها أصلا.
- للإمامية مذهب يقوم على الرقم 12. به الماضي والحاضر والمستقبل. وهو يتعلق فقط باثني عشر فردا من ذرية علي بن أبي طالب البالغة من الذكور 27 فردا. وليس له أي أصل في القرآن إلا في آية السقاية التي وردت بحق بني إسرائيل في قوله تعالى: ﴿ وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ﴾، (البقرة: ٦٠). ومن الواضح أنه لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بالأئمة الاثنى عشر. لكن الرقم في اليهودية يتعلق بالأسباط الاثني عشر، وفي النصرانية بالحواريين الاثنى عشر، وفي الزرادشتية باثني عشر سائحا، جاؤوا إلى فلسطين لرؤية مولد الطفل يسوع، وكذلك 12000 جلد ثور دُبغت، وكُتب عليها كتاب الأفيستا، وفي الكون الذي خُلق قبل 12000 سنة. أما في المانوية فثمة حديث عن 12 حواري في الطبقة الكهنوتية، بعث بهم ماني إلى جميع البقاع للتبشير بدعوته، و12 سجود في كل صلاة.
- الإمامية تبيح زواج المتعة كما اليهودية، بل تحرض عليه ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، وتجيز التمتع بالفتاة إذا تجاوزت العشر سنوات، وحتى التمتع بالرضيعة مفاخذة كما يقول الخميني. وأكثر من ذلك تبيح نكاح الذكور[23]، وهو ما لم تبحه المزدكية التي جعلت من الجنس مشاعا اجتماعيا. وينسب فتح الله الكاشاني في منهج الصادقين (ص356) لجعفر الصادق قوله: « إن المتعة من ديني ودين آبائي، فالذي يعمل بها يعمل بديننا, والذي ينكرها ينكر ديننا بل إنه يدين بغير ديننا، وولد المتعة أفضل من ولد الزوجة الدائمة، ومنكر المتعة كافر مرتد. لكن الثابت أن الجنس في الأديان الفارسية ظل أحد الثوابت، منذ عهد زرادشت والزرادشتية، التي كانت تبيح زواج الابن لأمه، والأب لابنته، والأخ لأخته. ومن جهتها؛ تتحدث د. شهلا حائري، حفيدة المرجع الديني الإيراني، آية الله حائري، عن وجود شكل من أشكال الزواج المؤقت عند الإيرانيين قبل الإسلام، مشيرة إلى أنه: « عند الزرادشتيين يحق للزوج أو رب العائلة إعطاء زوجته أو ابنته من خلال إجراءات رسمية رداً على طلب رسمي إلى أي رجل من قومه يطلبها كزوجة مؤقتة لفترة محددة. وفي هذه الحالة تبقى المرأة زوجة دائمة لزوجها الأصلي وفي الوقت نفسه تصبح زوجة مؤقتة لرجل آخر. وأي طفل يولد خلال فترة الزواج المؤقـت يعود إلى الزوج الدائم أو لوالد المرأة وفقاً للحالة»[24].
- نقلت الإمامية عقيدة التثليث عن النصرانية، كما سبق ونقلتها المانوية عنها. فالنصرانية تقول باسم « الأب والابن والروح القدس»، والمانوية تقول بـ « العظيم الأول والرجل القديم وأم الحياة»، والإمامية تقول بولاية علي بن أبي طاب، وتثلثها بالأذان في عبارة تقول « أشهد أن عليا بالحق ولي الله». وهي العبارة التي وضعها الصفويون، ومن قبلهم الدولة العبيدية، التي وضعت عبارة « حي على خير العمل».
- تؤمن الزرادشتية بالزكاة لكنها تقر العُشر، وهو ما تؤمن به أيضا المانوية، والتي تطالب « السماعون» ( عامة الناس) بتقديم الغذاء لـ« الصديقين». وأما لإمامية فتجمع الخمس للإمام وآل البيت.
- تؤمن الإمامية بعقيدة الرجعة، كما تؤمن بها اليهودية والنصرانية والمانوية، التي يعتقد أتباعها أن ماني صعد إلى السماء ولم يمت، وأنه سيعود.
- تؤمن الإمامية بأن الأئمة يعلمون الغيب، وهو ما يقول به التلمود البابلي عن الحاخامية اليهودية. بل إن الأئمة يعلمون متى سيموتون.
- تؤمن الإمامية بتناسخ الأرواح، كما المجوسية البوذية، وترقية الأئمة إلى مستوى الألوهية، بل وادعاء الألوهية، كما في السبئية والدرزية والنصيرية.
- تعقد الإمامية الإيمان والكفر، ودخول الجنة والنار، والشفاعة والخلاص، على رضى آل البيت وحبهم. وهي عقيدة اليهودية في « شعب الله المختار».
- تؤمن الإمامية بالتقية، وتعتبرها تسعة أعشار الدين، وتنفي الإيمان عمن لا تقية له. وقد أخذتها عن اليهودية
التي تؤمن بالسرية والكتمان والتنظيم.
- شابهت الإمامية المجوسية، برفعها لشعارات « يا لثارات الحسين، تأسيا بشعارات المجوس « يا لثارات كسرى، بعد الفتح الإسلامي لفارس. كما تحتفل الإمامية الفارسية بأعياد النيروز الفارسية، وتقدمها على احتفالاتها السنوية بذكرى عاشوراء. وتعتمد التقويم الفارسي. بل وفي العقائد ما هو أعجب من ذلك. إذ ينسب المجلسي في بحار الأنوار (14/41) رواية عن علي ابن أبي طالب يقول فيها: « إن النار محرمة على كسرى»!
- تقول الإمامية بعدم وجود الجهاد قبل ظهور الإمام الغائب، وكذا يغيب الجهاد عن الزرادشتية والمانوية والمزدكية. لكنها لا تمتنع عن الفتن والقتل وسفك الدماء باسم الدفاع عن المذهب وآل البيت أو المراقد المزعومة حيثما تجري صناعتها.
- تقيم الإمامية طقوس استشهاد الحسين بن أبي طالب، بمراسيم مشابهة لطقوس المانوية، في حادثة صلب ماني وقتله، فضلا عن طقوس الكنيسة، في صلب المسيح عليه السلام.
- يتحدث علي شريعتي عن طقوس شيعية قادمة من الكنيسة، وحتى عن تماثل في بناء الحسينيات، وزينتها ووظائفها. وعن تشابهات في طقوس التطبير واللطم والضرب بالزناجير، تماثل ما لدى الكنيسة النصرانية، والطقوس البوذية. ويقول: « ذهب وزير الشعائر الحسينية إلى أوروبا الشرقية وكانت تربطها بالدولة الصفوية روابط حميمة يكتنفها الغموض، وأجرى هناك تحقيقات ودراسات واسعة حول المراسم الدينية والطقوس المذهبية والمحافل الاجتماعية المسيحية وأساليب إحياء ذكرى شهداء المسيحية والوسائل المتبعة في ذلك حتى أنماط الديكورات التي كانت تزين بها الكنائس في تلك المناسبات، واقتبس تلك المراسيم والطقوس وجاء بها إلى إيران حيث استعان ببعض الملالي لإجراء بعض التعديلات عليها لكي يصلح استخدامها في المناسبات الشيعية، وبما ينسجم مع الأعراف والتقاليد الوطنية المذهبية في إيران، ما أدى بالتالي إلى ظهور موجة جديدة من الطقوس والمراسم المذهبية لم يعهد لها سابقة في الفلكلور الشعبي الإيراني، ولا في الشعائر الدينية الإسلامية. ومن بين تلك المراسيم النعش الرمزي والضرب بالزنجيل والأقفال والتطبير واستخدام الآلات الموسيقية وأطوار جديدة في قراءة المجالس الحسينية جماعة وفرادى، وهي مظاهر مستوردة من المسيحية بحيث يستطيع كل إنسان مطلع على تلك المراسيم أن يشخّص أن هذه ليست سوى نسخة من تلك».
أما عن النوائح وما يرافقها من شعائر فيتابع القول: « أما النوائح التي تؤدى بشكل جماعي فهي تجسيد دقيق لمراسيم مشابهة تؤدى في الكنائس ويطلق عليها اسم (كر) كما أن الستائر ذات اللون الأسود التي توشح بها أبواب وأعمدة المساجد والتكايا والحسينيات وغالباً ما تطرز بأشعار جودي ومحتشم الكاشاني هي مرآة عاكسة بالضبط لستائر الكنيسة، مضافاً إلى مراسيم التمثيل لوقائع وشخصيات كربلاء وغيرها، حيث تحاكي مظاهر مماثلة تقام في الكنائس أيضاً. وكذلك عملية تصوير الأشخاص رغم كراهة ذلك في مذهبنا، حتى هالة النور التي توضع على رأس صور الأئمة وأهل البيت هي مظهر مقتبس أيضاً، وربما امتدت جذوره إلى طقوس موروثة عن قصص أيزد ويزدان وغيرها من المعتقدات الزرادشتية في إيران القديمة»[25].
- ويتحدث سليم مطر، من جهته، عما يراه « التشابه الأهم من ذلك بين الشيعة والمانوية», والذي يتعلق باختيار مدينة الحلة ثم النجف, لتكون المنطقة المقدسة، ومقر الحوزة العلمية، ومركز الشيعة في العالم. وفي المقابل اختار المانويون، وقبلهم أهل الرافدين، بابل لتكون المركز المقدس لديانة أسلافهم. أما وجه الأهمية فيكمن في كون الحلة والنجف جزء من جغرافيا بابل التاريخية[26].
ثانيا: الحركة الشعوبية
احتلت الإمامية من الشعوبية منزلة الأس، بكل ما أنتجته من تحريفات في الدين، وفرق باطنية، وعداء بغيض للعروبة والعربية، وتزييف التاريخ والخيانة على مدار التاريخ. لذا كانت خلاصة الباحث العربي الأحوازي، صباح الموسوي، ملفتة حين قال بأن: « الشعوبية زعمت بأن الإسلام مشروع تعريب وليس دينا سماويا». وفي السياق؛ ينقل الموسوي عبارة مثيرة عن الرئيس الإيراني الأسبق، محمد خاتمي، خلال اجتماعه بالجالية الإيرانية في أمريكا، لحضور احتفالات الألفية الثانية، التي أقيمت في ولاية نيويورك، بدعوة من الأمم المتحدة، قوله: « نفخر نحن الإيرانيين بأننا قبلنا الإسلام ورفضنا العربية». والحقيقة التاريخية أن أغلب الشعوب الأعجمية التي دخلت الإسلام ظلت محتفظة بلغتها لكنها لم تقل في يوم ما أنها قبلت الإسلام ورفضت العربية. أما إيران فقد رفضت العربية والعروبة على السواء! فكيف قبلت دينا جاء به نبي عربي، وكتابا من السماء نزل باللغة العربية؟ فإنْ كانت تقبل الإسلام فعلا؛ فبأي لغة تقرأه أو تفهمه؟ وكيف قبلت لغتها الحرف العربي بينما رفضت العربية من الأصل؟
تأتي مثل هذه التصريحات من رئيس جمهورية، يعلم يقينا أن العربية في صدر الإسلام، كانت تغزو العالم الإسلامي، وتستوطن في شغاف قلوب المسلمين، كمدخل للتعرف على الدين الجديد، وفهمه عميقا باللغة التي نزل بها القرآن الكريم. بل أن أميز علماء الحديث، كانوا من الأعاجم، وحتى من فارس، التي رفض شعوبيوها العربية. وأكثر من ذلك أنها صارت لغة التباهي والاعتزاز، التي يتسابق لتعلمها كل من دخل الإسلام، إلا عند مجوس فارس وورثتهم، فهي مرفوضة ومحقرة ومحاربة! فأي إسلام هذا الذي قبلته فارس ولم تقبل معه لغته ولا أهله وحاضنيه؟ فهل مشكلة فارس مع العربية والعروبة؟ أم مع الإسلام؟ بحسب صباح الموسوي؛ يبدو أنها مع الإسلام.
لكنها، في الواقع، مع الاثنين معا. إذ من شبه المستحيل الفصل بين الإسلام والعربية أو العروبة. وهذا ما أقر به المفكر الإيراني، والأستاذ بجامعة طهران، صادق زيبا، لأسبوعية « صبح أزادي الإيرانية، حين قال: « أعتقد أن الكثير من الإيرانيين يكرهون العرب، ولا فرق بين المتدين وغير المتدين في هذا المجال». وفي تفسيره للنزعة العنصرية الفجة تجاه العرب « يعتقد» أن: « هناك علاقة مباشرة بين تدني المستوى الثقافي والنزعة العنصرية، إذ أن: « نفس المعادلة نشاهدها في أوروبا حيث أغلبية العنصريين غير متعلمين، فنراهم يعادون اليهود والمسلمين والأجانب، إلا أن هذا الأمر يختلف في إيران تماماً لأنكم ترون الكثير من المثقفين يبغضون العرب، وتجدون الكثير من المتدينين ينفرون منهم، إلا أن هذه الظاهرة أكثر انتشاراً بين المثقفين الإيرانيين، فهذه الظاهرة تنتشر بين المتدينين على شاكلة لعن أهل السنة». ويوضح بأن:« الحقد والضغينة تجاه السنة ورموزهم لدى الكثير من الإيرانيين هو في واقع الأمر الوجه الآخر للحقد على العرب»[27].
في الحقيقة ثمة صعوبة في فهم تبريرات زيبا الثقافية! فليس من المنطق القول بأن « هناك علاقة و مباشرة بين تدني المستوى الثقافي والنزعة العنصرية»، ثم القول بأن الظاهرة تنتشر بين المثقفين بشكل صريح، فيما يجري التعبير عنها لدى المتدينين بلغة « لعن أهل السنة». فما الموقف مثلا من شخصيات جمعت بين السياسية والدين؟ وتتربع على قمة هرم السلطة، كمرشدَي الثورة، خميني وخامنئي، ورؤساء الجمهورية كخاتمي ونجاد؟ أو شخصيات أكاديمية رفيعة، كشريعتي، حين تقول: 《 هجمت الخلافة مرة أخرى، وأغار سعد بن أبي وقاص آخر في قادسية أخرى. وزحف وحوش العرب من جهة الغرب هذه المرة. فنهبوا مدائن « نا ». ودفنوا لغتنا وإيماننا وثقافتنا وتاريخنا. وجاؤوا بالعبودية والجهل بستار المدينة والعلم. وهدموا الأسوار والبروج وأسقطوا الجدر والسقوف. وأطفأوا نيران المعابد》[28]. هذا مع العلم أن شريعتي من المفترض أنه من أشد المناهضين للصفوية والشعوبية!!!
الثابت الذي لا مراء فيه أن عداء فارس للعرب يسبق الإسلام. أما وجه الثبات في الأمر، فله من وقائع التاريخ والأحداث ما لا يحصى ولا يُعَد. أما أدبيا، فأبلغها جاء عبر قصيدة لَقيطِ بنِ يَعمُر بن خارجة الإيادي، أحد فحول الشعراء في العصر الجاهلي. وهو الذي كان يعمل كاتبا عند كسرى. ولعله علم بحكم مهنته، ما يدبره الفرس للعرب من حرب قادمة، فما كان منه إلا المسارعة إلى تحذير بني قومه، في قصيدة هي بحق تصلح لهذا الزمان[29]. تقول بعض أبياتها:
يا دارَ عَمْرَةَ مِن مُحْتَلِّها الجَرَعا هاجَتْ لي الهَمَّ والأَحْزانَ والوَجَعا
يا قوم لا تأمنوا إن كنتمُ غيراً على نسائكم كسرى وما جمَعا
يا أَيُّها الرَّاكِبُ المُزْجى على عجَلٍ إِلى الجَزِيرَةِ مُرْتاداً ومُنْتَجِعا
أَبْلِغْ إِياداً، وخَلِّلْ في سَراتِهِمُ إِنِّي أَرَى الرَّأْيَ، إِنْ لَمْ أُعْصَ قد نَصَعا
يا لَهْفَ نَفْسِيَ إِنْ كانَتْ أُمُورُكُمُ شَتَّى، وأُحْكِمَ أَمْرُ النَّاسِ فاجْتَمَعا
أَلاَ تَخافُونَ قَوْماً لا أَبَا لَكُمُ أَمْسَوا إِليكمْ كأَمْثالِ الدَّبا سِرَعا
….
في كُلِّ يومٍ يَسُنُّونَ الحِرابَ لكم لا يَهْجَعُون إِذا ما غافِلٌ هَجَعا
لا حَرْثَ يَشْغَلُهُمْ بل لا يَرَوْنَ لهمْ مِن دُونِ قَتْلِكُمُ رَيّاً ولا شِبَعا
.…
وتَلْبَسُونَ ثِيابَ الأَمْنِ ضاحِيَةً لا تَجْمَعُون وهذا الجَيْشُ قد جَمَعا
مالِي أَراكُمْ نِياماً في بُلَهْنِيَةٍ وقد تَرَوْنَ شِهابَ الحَرْبِ قد سَطَعا
على كل حال، فبالرغم من الوضوح النسبي في المعنى اللغوي للشعوبية إلا أن المشكلة في توصيفها ظلت حاضرة في أغلب الأبحاث التي تناولتها، سواء لجهة اعتبارها حركة أو نزعة أو عقيدة أو اتجاه أو تيار أو فلسفة أو حتى ثقافة. وإذا قبلنا فكرة أنها ظهرت مع نهايات الحكم الأموي (41 – 132هـ / 662 – 750م) وبداية الحكم العباسي، فهذا يعني أنها حافظت على الاستمرارية دون توقف لأكثر من 1250 عاما. ولا يخلو وصف د. عبدالله السامرائي للشعوبية من وجاهة معتبرة حين يقول بأنها: « مجموعة مواقف متحدية يدفعها الوعي حينا فتكون منظمة، ويدفعها الحقد والحسد حينا آخر فتكون نزعة عدائية غير منظمة».
والثابت أن الجاحظ في كتابه « البيان والتبيين» كان أول من ذكرها رسما في التاريخ بالقول: « لم نرَ قوماً أشقى من هؤلاء الشعوبية ولا أعدى على دينه ولا أشد استهلاكاً لعرضه». وفي تفسير القرطبي قال عنها: الشعوبية تبغض العرب وتفضل العجم»، وكذا الزمخشري في أساس البلاغة: « هم الذين يصغّرون شأن العرب ولا يرون لهم فضلاً على غيرهم»، وقال عنها ابن قتيبة: « لم أر في هذه الشعوب أرسخ عداوة ولا أشد نصباً للعرب من السفلة والحشوة». أما ابن تيمية فبعَّضَهم، بحيث لا يطال التوصيف كل الفرس، فقال: « من الناس من قد يفضل بعض أنواع العجم على العرب والغالب إن مثل هذا الكلام لا يصدر إلا عن نوع نفاق إما في الاعتقاد وإما في العمل المنبعث عن هوى النفس .. إن بغض جنس العرب ومعاداتهم كفر أو سبب للكفر». وقال فيها البغدادي: « الذين يرون تفضيل العجم على العرب ويتمنون عودة الملك إلى العجم». ومن جهتها اختصرت الإنسكلوبيديا البريطانية الشعوبية بالقول أنها: « كل اتجاه مناوئ للعروبة».
والسؤال: مع أن بعض الهنود والترك، خاصة من الفرس أو المتحدثين بالفارسية، وكذا الأندلسيين الذين طالتهم الشعوبية الفارسية في توسعها التاريخي، قبل أن تندثر إلى حد ما، فما الذي جعلها تتضخم عند الفرس دون غيرهم من الشعوب والأمم؟
لا ريب أن أول الإجابات تتصل بكثرة دخولهم الإسلام. لكن المشكلة أعمق من ذلك. إذ ثمة الكثير من الشعوب والأمم دخلت الإسلام وكانت أكثر عددا من فارس. فكل بلاد الترك دخلت الإسلام، وكذلك الأكراد، والمصريين وحضارات ما بين النهرين وبلاد الشام وشمال أفريقيا وأجزاء من أفريقيا وشرقا وصل الإسلام حتى أقاصي الأرض مرورا بالهند والصين وماليزيا وإندونيسيا، وشمالا بلغ أوروبا. ومع ذلك لم تظهر الشعوبية فيها، ولم يحتج سكانها على العربية أو يرفضوها أو يعادوا ملتها. فلماذا فارس بالذات؟ ولماذا بدت نظرية ابن خلدون القائلة بأن ا« لمغلوب مولع بالاقتداء بالغالب» وكأنها، على الأقل، مهتزة إنْ لم تكن بلا جدوى مع فارس؟
المبحث الثاني
تاريخية العداء
أولا: الفتح الإسلامي وصعود القومية الفارسية
كانت الإمبراطورية الفارسية، من حيث القوة والنفوذ والسيطرة، إمبراطورية عالمية وليست إقليمية، وفي حالة تنافس وصراع دائم مع الإمبراطورية الرومانية الشرقية. وبطبيعة الحال كانت تعتبر نفسها سيدة، فيما رعاياها من الشعوب الأخرى عبيد[30]. وكانت متواجدة في شمال الجزيرة العربية وجنوبها، ومسلحة تسليحا قويا، عدةً وعتاداً، وذات خبرات عريقة في السياسة والتنظيم والحرب، حتى أن العرب، في ظل الإسلام، ظلوا يهابون سطوتها وغضبها. لذا لم يكن أحد من الفرس، أو غيرهم، ليتخيل قوة ما، تعلن الحرب على إمبراطورية بهذا الحجم والقسوة، فكيف بمن لا يملكون أدنى مقارنة من المسلمين؟ وكيف بهم يهددون عرش فارس، وهم بالكاد خرجوا من حروب الردة؟ بل ويهدمونه؟ وينجحون في التأسيس لنواة إمبراطورية عالمية عابرة للقارات، في فترة قياسية لا تتجاوز 13 عاما، بدأت مع الصدّيق وانتهت بعمر ابن الخطاب، خلال الفترة ما بين 11هـ -633م / 23هـ – 644م!!!؟
لذلك كان قرار أبي بكر الصديق، في مواجهة فارس في العراق، واحدا من أعظم القرارات في التاريخ الإنساني وأغربها. ثم تابع من بعده عمر بن الخطاب، الذي اتخذ قرارا حاسما في ملاحقة فارس، ليس في العراق فحسب، بل وفي عقر دارها، ومطاردتها حتى حدود السند، وإسقاط الإمبراطورية الساسانية، بجغرافيتها وعسكريتها ونظمها السياسية والدينية والاجتماعية، وتشريد أكاسرها وملوكها، وملاحقتهم حتى في ملاذاتهم.
فقد أثبت المسلمون في حربهم لفارس تفوقا ساحقا، فيما أظهرت الحرب عيوب الدولة وخوائها، وجبن الفرس في خوض المعارك، لاسيما أن الجنود كانوا يقيدون بالسلاسل. ومع ذلك فقد كان الفرار غالبا عليهم. فمن أعجب الحقائق، أن المسلمين العرب، المعدمين إلا من قوة الإيمان (1) تجرؤوا، بلا أية مقدمات، على اتخاذ القرار بالتوسع، وعلى (2) أن يكون الهدف في أول الفتوحات الإمبراطورية الأعظم، وأصروا على (3) خوض عشرات المعارك والحروب معها، ونجحوا في (4) تجريدها من مراكزها الإستراتيجية وحواضرها وقراها ومدنها، و (5) ومطاردتها، حتى (6) إسقاطها، و (7) إزالتها من الوجود، بل و (8) قطع دابر السلالة الساسانية، حتى كسرى لم يعد بعد كسرى.
لكن الحقيقة الأشد عجبا ودهشة، هي براعة الخليفة عمر في إدارة وقائع الحروب ضد إمبراطورية شاسعة، وذات بأس شديد، وفي أوج عظمتها، وعلى بعد آلاف الأميال، بكفاءة مذهلة، حتى يكاد الناظر في وقائع الحروب، يرقب عمر بن الخطاب، وكأنه في غرفة عمليات ضخمة، ومجهزة بأحدث أدوات الاتصال والتواصل، ويراقب قلب كل مدينة أو قرية أو ثغر، لكثرة ما يتلقى من معلومات واستيضاحات من القادة، ولما يتوفر له من كم هائل من التفاصيل، وما يتبعها من عقد الاجتماعات التشاورية مع الصحابة والقادة، أو لكثرة مما يصدر عنه من القرارات والتعليمات، لكل ما تتطلبه الضرورة الحربية، من كسب للوقت والتعامل معه بدقة بالغة.
لقد حطم المسلمون، في حربهم ضد فارس، القوة الميدانية للإمبراطورية الساسانية، في أربع معارك ضخمة هي: البُويب والقادسيَّة وجلولاء ونهاوند. لذا فقد شعر « أبناء الأحرار» بإهانة بالغة، تلقوها ممن هم بنظرهم أحط الناس، وأشدهم عبودية لهم، والأنكى؛ أقلهم خطرا عليهم. ولعل تقييم ابن حز الأندلسي لا يخلو من وجاهة، وهو يفسر ظهور الشعوبية بالقول أن: « الفرس، كانوا من سعة الملك وعلو اليد على جميع الأمم، وجلالة الخطر في أنفسهم حتى أنهم كانوا يسمون الأحرار الأبناء، وكانوا يعدون سائر الناس عبيداً لهم، فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب، وكان العرب أقل الأمم عند الفرس خطراً تعاظم الأمر، وتضاعفت لديهم المصيبة وراموا يد الإسلام بالمحاربة في أوقات شتى، ففي كل ذلك يظهر الله الحق».
يحدث هذا في لحظة شعور بالصعود القومي، ونمط حكم قائم على المزج بين الملك والكاهن، مكّن فارس من التمتع بقدر من التمدن والتطور، حتى صار مصدرا ضخما للثروة والشعور بالعظمة. لكنه بنفس الوقت، تَسبب بالصراع على السلطة وامتيازاتها، حتى أن عرش الإمبراطوريَّة الساسانيَّة تولّاه أحد عشر ملكًا على مدى أربع سنوات، كان آخرهم يزدجرد الثالث .. وفجأة ينهار كل شيء. لذا لم يتقبل أغلب الفرس الإسلام في البداية. بل أنهم أثناء الحروب، غالبا ما كانوا يصالحون على الجزية، بدلا من الدخول في الإسلام. لكن؛ هل يكفي الفتح الإسلامي لفارس، في تبرير ظهور الشعوبية، واستمرارها إلى هذا الوقت؟
ثمة اتجاه يقر بذلك، ويعبر عنه الكثير من الأكاديميين الإيرانيين. وفي السياق أوردت أسبوعية « صبح آزادي»، السابقة الذكر، رأيا لصادق زيبا، يقول فيه: « يبدو أننا كإيرانيين لم ننس بعد هزيمتنا التاريخية أمام العرب، ولم ننس القادسية بعد مرور 1400 عام عليها، فنخفي في أعماقنا، ضغينة وحقداً دفينين تجاه العرب، وكأنها نار تحت الرماد، قد تتحول إلى لهيب، كلما سنحت لها الفرصة»[31]. العجيب في كلام الأكاديمي الإيراني أن يتذكر القادسية بالاسم، ويضع نهاوند في ذمة التاريخ! وهنا يكمن بعض آخر من أسرار الضغينة والحقد المستمرين.
فما تعرضت له فارس على يد المسلمين لم يكن مسبوقا في تاريخ الحضارات والقوى الكبرى. ولو أن إمبراطورية ما سقطت بالسرعة القياسية التي سقطت بها فارس، أو قريبا منها، لكان لديهم ما يكفي لمواساتهم. لكن هذا لم يحدث فيما مضى. لذا فقد شعر الفرس بمرارة، لم يشعروا بها من قبل، لا هم ولا غيرهم! وكأن الأمر جرى في غفلة من الزمن، لا هي مسبوقة، ولا متخيلة.
المأساة الثانية التي عاشها الفرس، والتي تفسر ذِكْر المفكر الإيراني للقادسية بالاسم، أن بلادهم هي هضبة تفتقر للأنهار والخَصْب، وتحتضن صحراوين جدباوتين. لذا فقد ظلت أنظارهم، طوال تاريخهم، تتوجه نحو السهول والمياه في بلاد الرافدين، حيث وَفَر العيش ورغده، وموطن الحضارات الزاخرة بحق. فكان شظف الحياة والعيش، هو الذي يدفع قبائل فارس على الدوام إلى ممارسة الغزو، والنظر إلى الأحواز العربية والعراق، باعتبارها سلة غذائها وغناها، حتى قبل أن تتشكل الإمبراطورية الفارسية، وتغدو إمبراطورية حربية توسعية واستهلاكية، تمارس العبودية بحق غيرها. لذا فالرجل؛ يتذكر القادسية كون البلاد، وما فيها من مصادر المعيش، بالنسبة لهم، هي مسألة حياة أو موت، لا خيار لهم فيها سوى الغزو. فكيف سيكون الأمر إذا غدت مصدر غنى وتجارة واستيطان[32] وحتى مركزا الإمبراطورية؟
ثانيا: مجتمع الأسياد – العبيد
حتى انهيار الإمبراطورية الساسانية، ظل النظام السياسي والاجتماعي في فارس قائما على ثنائية الأسياد والعبيد، في الداخل والخارج. وهو ذات المنطق الفرعوني[33]، وكذا المنطق اليهودي، صاحب مقولات « الغوييم» و « الأغيار» و « شعب الله المختار». ففي الداخل ثمة أسياد وعبيد، وفي الخارج فإن فارس هي السيدة وغيرها عبيد. مثل هذه النظرة الاستعلائية، نجدها في المصنفات التاريخية وكتب علماء الإمامية، وتخترق الثقافة والدين على السواء. وتصل إلى حدود هوية الإمام الغائب الذي سيكون فارسيا، أو على الأقل من ذرية الحسين، الذي تزوج بحسب مزاعم الإمامية من شهربانويه، ابنة يزدجر الثالث، آخر ملوك السلالة الساسانية. أما اليوم فترِد على ألسنة أعلى هرم
السلطة في إيران[34].
مثل هذه الثقافة تحتل ركنا ركينا في مجتمع قبلي عميق، بحيث تغدو فيه لفظة « السيد» أساس العلاقة بين زعيم القبيلة وأتباعه. لكنها ستغدو أعمق أثرا، حينما تعتاد أمة على المزاوجة بين الزعامة القبلية والزعامة الدينية. ففي مثل هذه الحالة لن يكون النظام السياسي إلا نسخة طبق الأصل عن النظام الاجتماعي. وهذا ما كان أحد مواضيع البحث عند د. عبدالله محمد الغريب حين أشار إلى أن: « الزعامة الدينية في بلاد فارس كانت تتمثل في قبيلة من القبائل»، أما: « رجال القبيلة الدينية فهم ظل الله في الأرض، وقد خلقوا لخدمة الآلهة، والحاكم يجب أن يكون من هذه القبيلة، وتتجسد فيه الذات الإلهية، وتتولى هذه العائلة شرف سدانة بيت النار». ويخلص إلى القول بأن: « عبادة الله عن طريق القبيلة هو الذي دفع الفرس إلى التشيع لآل البيت لا حبا بآل البيت ولكن لأن هذا التصور يلائم عقيدة المجوس». إذ: « لا بد من عائلة مقدسة تتولى شؤون الدين، ومن هذه العائلة المقدسة الحكام وسدنة بيوت النار، ومن أهم هذه العائلات: ميديا، المغان»[35].
أما من جهته فقد قدم أستاذ الدراسات الإيرانية في جامعة كوبنهاجن في الدانمرك، آرثر كرستنسن، قراءة عميقة، لبنية المجتمع الفارسي الطبقية، وعلاقته في النظام السياسي[36]. ووفق تراتبية هرمية وحادة، نجد صداها في الفلسفة الإغريقية القديمة، ثمة بنية طبقية حادة، حتى أنها تخترق كل طبقة من طبقات النظام. والعجيب أن البناء الطبقي في فارس، تصاغ وحداته وفق الكتاب المقدس المنسوب للمجوسية، والشهير باسم « الأفيستا». ويلفت كريستينسن الانتباه إلى أن: « الهيكل الاجتماعيّ والإداريّ من الأُمور المُقدَّسة، التي لا تحتمل التغيير، حتَّى أواخر عهد الإمبراطوريَّة». وينقل عن « الأفيستا» نصها على ثلاث طبقات اجتماعية، باستثناء طبقة الحكام. وهي: (1) رجالُ الدين، و (2) رجالُ الحرب و (3) الحرَّاثين، وأصحاب المهن والحِرف». ويلاحِظ أنَّ: « تطوّر الحياة العامَّة في الإمبراطوريَّة، أفرز نظامًا سُباعيًّا على أساس سبع طبقات، وقُسِّمت كُل طبقة بدورها إلى عدَّة أقسام. وأن: « المُجتمع الفارسي الساساني قائمٌ على نظام مُلزم للطبقات، وفق هيكلٍ أنشأه مؤسس هذه السُلالة، الشاه أردشير بن بابك». أما الطبقات السبع فهي:
- 《 الطبقة الأولى، هم المُلوك والأُمراء وحُكَّام الولايات، وعلى رأسهم شاه فارس الذي يحكم وفقًا لِنظريَّة الحق الإلهي المُقدَّس للمُلوك، ويحمل لقب « شاهَنشاه» أي « ملك المُلوك».
- الطبقة الثانية، هم الأشراف، والطبقة القويَّة المُكوَّنة من رؤساء الأُسر السبع المُمتازة، ولِكُلِّ أسرةٍ منها منطقة نُفوذ تُقيمُ فيها إلى جانب انخراط أفرادها في البلاط، ويحتكرون بعض الوظائف العامَّة مثل تتويج الملك والتعبئة العسكريَّة وإدارة شؤون الحرب وجباية الضرائب.
- الطبقة الثالثة، هم رجال الدين، وهم عدَّة أقسام، يرأسهم قاضي القضاة أو « موبذان موبذ»، ثُمَّ المؤابذة والزُهَّاد والسدنة، والهرابذة خُدَّام النار المُقدَّسة.
- الطبقة الرَّابعة، هم رجال الحرب، يترأسهم « إيران سپهبد»، وتشمل صلاحيَّاته وزارة الحرب وقيادة الجيش العُليا، يليه الضُبَّاط على اختلاف رُتبهم ويُطلق عليهم لقب « الأساورة».
- الطبقة الخامس، هم موظفو الدواوين أو الكُتَّاب، وتضم كُتَّاب الرسائل والحسابات والشُعراء والأطباء والمُنجمون.
- الطبقة السَّادسة، هم «الدَّهاقون»، رؤساء القُرى ومُلَّاك الأراضي الذين يستمدون قوَّتهم من الملكيَّة الوراثيَّة للإدارة المحليَّة، ومسؤوليته جباية الضرائب وتمويل الدولة.
- الطبقة السَّابعة، هي طبقة الشعب، وهم الفلَّاحون والصُنَّاع والرُعاة والتُجَّار وأهل الحِرف》.
حين قسم أفلاطون في كتابه « The City»، المعروف باسم « جمهورية أفلاطون»، راعى في التقسيم حظر الارتقاء من الطبقات الدنيا إلى طبقة الأرستقراطيين، إلا بشروط. وكذا الأمر في النظام الفارسي. فالارتقاء مسموح لكن بشروط[37]. أما فيما يتعلق بطبقة رجال الدين فمن المحظور الانتساب إليها إلا وراثيا، لأنها طبقة ترتبط فيما بينها بموجب خط الدم وليس أي خط آخر. فإذا كانت هذه الطبقة هي المسؤولة عن بلورة النظام الاجتماعي والتحكم بالنظام السياسي، وهي المتحدة مع طبقة الأكاسرة والملوك، فمن الطبيعي أن يكون النظام السائد عبوديا بامتياز، ومن الطبيعي أكثر أن تكون ثقافة الطبقة السابعة (الشعب) هي ثقافة العبيد بامتياز أيضا. وهكذا تبدو الثقافة الفارسية التي ينادي بتعميمها خامنئي على العالم، هي ثقافة « السيد – العبد»!!! ويا لها من ثقافة! لو يتذكرها المرشد ويتأملها، حين كانت الكوفة، خلال الفتنة، الأشد تعبيرا عنها، لاسيما وأن معظم سكانها كانوا من الفرس[38]. هؤلاء الذين أنهكوا الخلفاء، وقتلوا علي وولده الحسين، رضي الله عنهما، وهم يطالبون بالتوريث، الذي اعتادوا عليه، وأتعبوهم لكثرة ما مردوا على الفتن والنفاق، والخروج على السلطة في عهد فارس، حتى قال فيهم عمر بن الخطاب: « أعياني وأعضل بي أهل الكوفة، ما يرضون أحدا ولا يرضى بهم. لا يصلحون ولا يصلح عليهم»، ( المعرفة والتأريخ2 /754). وقال فيهم علي بن أبي طالب: « اللهم إني قد مللتهم وملوني، أبغضتهم وأبغضوني، وحملوني على غير طبيعتي وخلقي، وأخلاق لم تكن تعرف لي، فأبدلني بهم خيرا منهم، وأبدلهم بي شرا مني. اللهم أمت قلوبهم ميت الملح في الماء،»، ( تأريخ دمشق لابن عساكر1/314).
في « نوازع القومية وأسس العقيدة»[39] لاحظ د. عصام الراوي مسألة جديرة بالذكر. فبعد نهاية الحكم الفارسي انقسم الفرس إلى مجموعتين:
الأولى: اعتنقت الإسلام بصدق ولم تتوقف عند جنسية الفاتحين العرب في غالبيتهم، بقدر ما توقفت عند أخلاقهم ومبادئهم.
الثانية: تلك التي خرجت منها الشعوبية، وهي من بقايا البيوتات الفارسية المتعالية والتي تنظر إلى الناس نظرة سادة وعبيد.
في ضوء هاتين المجموعتين يمكن فهم التوصيف الأول للشعوبية باعتبارها « حركة تسوية». وهي حركة استندت في دعواها، بالدرجة الأساس، إلى الآية الكريمة، في قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾، ( الحجرات: 13). فمن المعروف أن الكثير من الموالي دخلوا الإسلام. وبخلاف بعض الآراء التي تتحدث، بلغة شعوبية، بقصد أو بدونه، وتتهم بموجبها الأمويين بأنهم تفاخروا بنسَبهم، ولم يعينوا في المناصب الكبرى غير العرب، فلم يكن من الممكن تسليم القيادة في بدايات الإسلام لغير العرب، ليس لأنهم الوارثون للنبوة، أو لأنهم أعلى وأجل من خلق الله، فهذا مما ينكره الإسلام، الذي أحل مفهوم الأخوة الإسلامية والتقوى، كمعايير للانتماء والتفاضل. بل لأن السابقون منهم كانوا (1) المصاحب للرسول صلى الله عليه وسلم، و (2) الشاهدون على النبوة، و (3) المجاهدون الذين ضحوا بأرواحهم لنصرة الدين، و (4) والحافظون للقرآن، و (5) العارفون بدقائق لغته، و (6) الحاضنون للرسالة، و (7) المحاربون للمرتدين من الأعراب والموالي بعد وفاة الرسول، و (8) رسل الدعوة.
هؤلاء وأمثالهم؛ هم الذين تحملوا العبء الأعظم في قيادة الإسلام والمسلمين، وخاضوا عشرات الغزوات، وبدؤوا الفتوحات العظيمة التي، أوصلت الإسلام إلى شتى أصقاع الأرض، كما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، بلا زيادة أو نقصان أو تحريف. ليس هؤلاء، كما يقول البعض، هم الذين تفاخروا وتغطرسوا واستعلوا على غيرهم ممن دخل الإسلام، وتسببوا في مشاعر التمييز لدى الموالي الذين طالبوا بالمساواة والعدالة. وهي المطالب التي تبلورت لاحقا في مسمى « حركة التسوية»، أي تسوية الحقوق بين العرب وغيرهم. هذا لا ينفي وجود مفاخرة من هنا وهناك وهي مشاعر طبيعية، كما لا ينفي تساكن بقايا العقل الجاهلي، في سنوات النزول، حتى مع بعض الصحابة، وهم لمّا يزالوا يتربون على الوحي، ممن ردعهم الرسول، كما حصل مع أبي موسى الأشعري حين دعا مولاه بابن السوداء، أو لما ردع عمر بن الخطاب بعض الصحابة حين تفاخروا بأنسابهم وبينهم سلمان الفارسي الذي قال بأن نسبي هو الإسلام. وحتى مع عمر نفسه لما قال له الرسول: « أَتُحِبُّنِي يَا عُمَرُ؟، قَالَ: أَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلا نَفْسِي، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الآنَ يَا عُمَرُ».
وفي المحصلة فالطرفين، مبدئيا، معذورين في المشاعر والمطالب. وعليه فلا أصحاب « حركة التسوية» شعوبيون ولا السابقون كذلك. وتبعا لذلك لا يصح إطلاق توصيف « المجوسية» على الفرس لكونهم فرس، وإلا فستغدو الشعوبية وصفا ينسحب على كل ذي نزعة قومية أو حقوقية. وفي هذا الصدد يلفت الراوي الانتباه إلى أن: « الفرس ليسوا كلهم شعوبيين كما سعى دعاة الفكر القومي العربي أن يثبتوه»[40]. والحقيقة أن المشكلة تكمن في ثقافة العبودية التي تم نقلها، بكل حمولتها المجوسية والسياسية والاجتماعية، إلى الإسلام والعروبة على حد سواء.
من هذه اللحظة، بدأت « حركة التسوية» تتحول من حركة حقوقية إلى وعاء حاضن، ومنبت لكافة فرق الشعوبية الباطنية، وزنادقتها وسياسييها ورموزها الاجتماعية ومثقفيها، لاسيما في الأدب، بكل صنوفه من الشعر والقصة والرواية لتتحول إلى قيم وعادات وتقاليد وأخلاق، وتصب جام أحقادها على الإسلام والعروبة. ومن جهتهم؛ اضطلع علماء الإمامية ومؤرخيهم بتغذيتها، إلى أن تبنتها الصفوية (1500 – 1722) ونظمتها، وأشاعتها بقوة السلاح والمال والجاه والإغراءات، لتنتهي بما أطلق عليه علي شريعتي بـ « الاستحمار». وهو المنهج الذي قدمه بالقول أن: « الشعوبية تحولت تدريجيا من حركة تسوية إلى حركة تفضيل العجم على العرب، وعملت عبر ترويج المشاعر القومية وإشاعة اليأس من الإسلام إلى ضرب سلطة الخلافة … وبغية ترسيخ أفكارها وأهدافها في ضمائر الناس، وعجنها مع عقائدهم وإيمانهم، عمدت الصفوية إلى إضفاء طابع ديني على عناصر حركتها، وجرها إلى داخل بيت النبي، إمعانا في التضليل، مستغلة التشيع، لكي تضفي على الشعوبية طابعا روحيا ساخنا، ومسحة قداسة دينية، ولم يكن ذلك الهدف الذكي متيسرا، إلا عبر تحويل الدين الإسلامي وشخصية محمد عليه الصلاة والسلام، وعلي، رضي الله عنه، إلى مذهب عنصري، وشخصيات فاشية، تؤمن بأفضلية التراب والدم الإيراني، والفارسي منه على وجه الخصوص»[41]. لذا فالطبقات المتضررة من الإسلام والصفوية، المرتبطان ارتباطا وثيقا ومصيريا بالمجوسية، هما من يتحملان وزر إشاعة الشعوبية وترسيخها وليس العامة من الناس.
من الطريف حقا أن « حركة الردة»، التي اكتسحت الجزيرة العربية بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، تم إخمادها بسرعة فائقة، رغم أنها مثلت أكبر تهديد للإسلام، بينما واصلت الحركة الشعوبية تقدمها بما يكفي ويزيد، لِئَن يطرح د. عبدالله محمد الغريب سلسلة من الأسئلة الاستنكارية الوجيهة، بحق الحركة الشعوبية وتشكلاتها التاريخية، قائلا:
« هل من المصادفات أن يرجع البويهيون والقرامطة والعبيديون الى أصول فارسية؟! هل من المصادفات أن تتشابه عقائدهم، وأن تكون هي نفسها عقائد مزدك وماني وردشت؟! وهل من المصادفات أن يظهروا في أزمنة متقاربة: العبيديون 296، والبويهيون 334، والقرامطة 278، وهل من الصدف أيضا أن يتقاسموا العالم الإسلامي: البويهيون في العراق، والقرامطة في شبه الجزيرة، والعبيديون في مصر والشام؟! وهل من المصادفات أن يلج هؤلاء جميعا من باب التشيع؟! وهل من المصادفات أن يكون المسلمون السنة العدو اللدود لهؤلاء الضالين، وأن يتعاونوا مع كل عدو للإسلام والمسلمين؟! ولسائل أن يسأل: لماذا مزجت الدرزية والنصيرية والبهائية والإسماعيلية مع تاريخ ايران؟! الجواب: فعلا ليس في إيران دروز أو نصيرون، أما البهائيون والصفويون فمتواجدون في ايران، ولكن الذين أسسوا المذهبين الدرزي والنصيري فهم فرس مجوس». وبما يكفي أيضا لِئَن يذهب إلى حد القول بأن: « جوهر الحركات الباطنية المجوسية واحد على مدار التاريخ». إذ، وبحسب الباحث، فإن:《 حركة « مزدا وزردشت والمانوية والمزدكية» لا تختلف في أصولها العامة عن « الكيسانية، والرواندية، والبرمكية، والزنادقة»، وهذه لا تختلف عن « البويهيين، والعبيديين، والقرامطة»، وهؤلاء لا يختلفون عن « الصفويين، والدروز، والنصيريين، والحشاشين، والبهائيين»》[42].
ثالثا: تحالفات فارس واليهودية في بابل
لكثرة ما بات موطنا للأديان الوضعية، فقد اشتهر المجتمع الفارسي بالتنافس بين أصحاب الديانات. ولكونها تتيح لأصحابها امتيازات طويلة الأجل، بسبب طابعها الوراثي، فقد اشتهر المجتمع الفارسي المستعبد أيضا بكثرة الفتن والتوترات والثورات. لكن أميز ما بدا ثقافة فارسية متجذرة، إنما يتعلق بأولئك الأكاسرة والملوك ورجال الدين، الذين اكتسبوا خبرات عميقة في تحريف الأديان، حتى غدت حرفة لا ينازعهم بجودتها أحد.
كتب ستانلي ويسفي صحيفة« إنترناشيونال هيرالد تريبيون – 10/7/ 2012» الأمريكية يقول:« عندما زرت إيران كأميركي يهودي، أخبرني مسؤول إيراني أن إسرائيل الصهيونية هي أساس المشاكل في الشرق الأوسط، وأن وجود إسرائيل هو بمثابة وجود استعماري غربي في المنطقة يجب أن يزول … أجبت إنها غلطة إيران. فلو لم يحرر سيروس العظيم اليهود من عبودية الفرس قبل 2500 سنة ويطلب منهم العودة إلى القدس وإعادة بناء معبدهم، لما كانت إسرائيل موجودة الآن. عندئذ غيّر المسؤول الموضوع»[43]. فما الذي جعل المسؤول الإيراني يغير موضوع الحديث؟ أو بالأحرى؛ ما الذي حدث قبل 2500 سنة؟
إنها العلاقة التاريخية التي لا مثيل لها بين اليهود والفرس، زمن السبي البابلي الذي قاده نبوخذ نصر ( بختنصر بالفارسي) ضد اليهود في فلسطين سنة 597 ق.م، ثم 587 ق.م. وبلسان اليهودي، ستانلي ويس، وفي عقر دار فارس اليوم، يجري الحديث عن الدور التاريخي لفارس، والذي يتعلق في التأسيس لـ (1) قومية يهودية، و (2) والمبادرة بتحريف التوراة، و (3) كتابة التلمود، و (4) استعمال اليهود كحاجز بشري يحول بين فارس ومحيطها المتوتر خاصة مصر!!!
بدايةً، ليس هناك ما يثبت أن اليهود قومية. لكنهم بلا شك ملة. ولعل أبرز خصيصة تميزهم أكثر من غيرهم، وشابهوا
بها الفرس، أصدقاءهم الأقدم في التاريخ، أنهم ملة لا تجيد الجوار الحضاري، ولا التعايش مع الآخرين. وما وقع لهم من عزل أوروبي، خلال القرن 18، وقتل خلال الحرب العالمية الثانية، هو ذات الأمر الذي وقع لهم من قِبَل الحضارات القديمة، كالآشوريين والآراميين والعرب الكنعانيين والبابليين والكلدانيين والمصريين والروم والأنباط وغيرهم. وتم تشتيتهم في مناطق حران والخابور وكردستان وفارس، إلى أن جاء نبوخذ نصر، وقضى على وجودهم في بيت المقدس، وساق بقيتهم سنة 597 إلى بابل، مسقط رأسهم، حيث سامهم هناك سوء العذاب[44].
خلال السبي والشتات، أو ما يسمى بالمصطلح اليهودي « الدياسبورا»، اندمجت الغالبية، وذابت في مواطنها، وبقيت قلة قليلة، هي التي اشتغل عليها الفرس، واشتغلت معهم، وأعادوها إلى فلسطين، محملة بمهمة تحريف التوراة وكتابة التلمود، لينتهي الأمر بدخولهم بيت المقدس تحت الهيمنة الفارسية، طوال مائتي عام، ما بين 539 – 332 ق.م. لذا، وقبل أن يفعل بولس فعلته في النصرانية، كان الكاهن عزرا بن سرايا، على رأس مهمة فارسية، في كتابة التوراة والتلمود، تمهيدا لعودة اليهود من السبي البابلي إلى بيت المقدس. فمن هو هذا الرجل؟ وكيف تم الأمر؟
مبدئيا كان اليهود الذين حلوا بفارس، بعد السبي، ينعمون بسلام تحت قيادة الإمبراطور الأخميني قورش الثاني، الذي كان لهم الدور الأعظم في تنصيبه على « شعوب المنطقة عنوة»[45]، ليدمر حضارتهم ويستعبدهم ويزيلهم عن الوجود. وكلاهما، اليهود والفرس الأخمينيين، تأثر وأثر بالآخر، وبشخصيته وعلاقاته ونمط حياته وحتى ثقافته وديانته. ولأنها إمبراطورية توسعية منذ نشأتها، فقد طور قورش من العلاقة مع اليهود، لتغدو في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد، تحالفا يستعين به على إسقاط دولة بابل الكلدانية، مركز العالم القديم آنذاك، ثم ليتوسع باتجاه بلاد الشام ومصر. ولما تم له ذلك عمل على توطين الفرس في البلاد، خاصة من طبقة رجال الدين. إلا أن إقطاع الأراضي لهذا الطبقة مع فرض الضرائب والعمل على تغيير التركيبة السكانية، والتدخل في معتقداتها ودياناتها، لم تكن إلا مبررات للثورات، التي اجتاحت البلاد من بابل إلى مصر، وسط احتقان لدى أهل الشام.
يقرأ الكاتب عبدالله الضحيك هذه التطورات بكونها مقدمة، ستنتهي بكسرى فارس، قمبيز الأول، ابن قورش، إلى « إقامة كيان يكون معادياً لمحيطه على المفصل الحيوي بين بابل ومصر والأقاليم الأخرى»[46]. والمدهش بهذه النتيجة أن الحديث عنها قبل نحو 2500 سنة تَجَدد ثانية في مؤتمر كامبل، وزير خارجية بريطانيا، الذي عقد في العاصمة البريطانية لندن فيما بين سنتي 1905 – 1907. وانتهى بما عرف بـ « توصية كامبل»، التي مهدت لصدور « وعد بلفور» سنة ،1917 الذي دعا إلى، وعمل على، « إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين». أما التوصية فقالت:
« أكد المؤتمرون: إن إقامة حاجز بشري قوي وغريب على الجسر البري الذي يربط أوروبا بالعالم القديم ويربطهما معا بالبحر الأبيض المتوسط بحيث يشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوة عدوة لشعب المنطقة، وصديقة للدول الأوروبية ومصالحها. هو التنفيذ العملي العاجل للوسائل والسبل المقترحة»!!!
ينتسب الكاهن عيزرا، المتوفى سنة 444 ق.م، إلى طائفة « الفريسيين» أو ما يعرف بـ « الأرثوذكسية اليهودية». وفي زمانه شغل منصب « المسؤول عن شؤون اليهود في البلاط الفارسي، وهو الشخصية التي تكفلت بتنفيذ المشروع. وكان عليه، مع تلامذته الكتبة، أن: « يهيؤوا المنفيين اليهود نفسيا للرحيل من بابل، ومنها يقومون على احتلال العالم كما وعدهم يهوه»[47]. أما فكرة عزرا، فكانت استغلال الواقع الديني لليهود، الذي لم يكن ينعم بعد بأي نص مكتوب كالتوراة وفيما بعد تلمود بابل. وكل ما كان بحوزته تعاليم شفاهية. ولا شك أن كتابة عزرا للتوراة بعد مرور 500 عام على النبوة سيكون مشروعا مغريا، لاسيما إذا تم تبريره بكونه « إملاء من الروح القدس»[48]. وبعيدا عن التفاصيل، فقد نجح عزرا، بموجب توراته الجديدة التي صاغها والكتبة من تلاميذه، بوحي من احتياجات فارس، بإقناع اليهود بها، والشروع بالعودة إلى « أرض الميعاد»[49]! لكنه بقي في بابل لكتابة التلمود، ولم يعد مع المجموعات الأولى إلى بيت المقدس. ولما عاد لاحقا بدت اليهودية منظمة، من حيث توفرها، لأول مرة، على نص مكتوب، سيمكنها والأجيال القادمة من قراءة دينها ودراسة تعاليمه، ويؤسس لحياة ومستقبل ما سيبدو بنظرها شعبا وقوما متماسكا. أما التلمود فهو الشريعة الشفاهية التي تفسر التوراة.
في المحصلة، لا التوراة ولا التلمود يتضمنان شريعة النبي موسى عليه السلام. وهي نتيجة يدركها اليهود بكافة علمائهم. وفي السياق يذكر إسرائيل شاحاك أن:《« سفر عزرا في العهد القديم، يشمل سردا لنشاطات عزرا الكاهن، … الذي خوله ملك فارس، ارتحششتا الأول، صلاحية « تعيين قضاة على يهود فلسطين»، حتى إذا حصل « ولم يأتمر أحدهم بقانون الرب آلهكم، وبقانون الملك، ينفذ فيه الحكم بسرعة، سواء حكما بالموت أم بالنفي أم بمصادرة البضائع أم بالسجن»》.
لذا فإن صاحب « التوراة: غاياتها وتاريخها»، لم يفته قول أحد المراجع التي يصفها بـ « الصميمة»، وهو يعلق على هوية الديانة اليهودية، القول: « إن تفهم الديانة العبرية مستحيل ما لم تؤخذ بعين الاعتبار، وبشكل مستمر، الديانات والثقافات الأخرى التي نمت وترعرعت في وادي الفرات … إن الأصول القضائية البابلية، وكذلك الطقوس المعمول بها في المعابد البابلية، يجب أن تؤخذ كعوامل حاسمة التأثير على الشرائع العبرانية في الأصول القضائية والطقوس الدينية»[50].
وبحسب شاحاك و:« من خلال سفر نحاميا، ساقي الملك، ارتحششتا، الذي عين حاكما فارسيا ليهودا ويتمتع بسلطات أكبر»، فقد وصل إلى نتيجة مدهشة للغاية، في معاينة أثر فارس في الديانة اليهودية، حين يقول:« يتبين لنا إلى أي حد كان دور الإكراه الأجنبي، … فعالا في فرض الديانة اليهودية، وبنتائج دائمة»[51]. أما وجه الدهشة فيمكن التوقف عندها في مشهدين:
المشهد الأول: يكمن في صفة الديمومة التي تؤكدها آيات الله تعالى في بني إسرائيل: ﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُواًّ كَبِيراً﴾، (الإسراء:4). فاليهود هم ملة الفساد والإفساد في الأرض إلى قيام الساعة.
المشهد الثاني: في كَتَبة الشريعة البابليين، الذين رغبوا، بوعي أو بلا وعي، في تحقيق ما تصبو إليه فارس من « نتائج دائمة»، حين اتخذوا، بحسب وصف د. آرثر روبن لهم: « إجراءات استثنائية لعزل اليهود عن باقي العالم، ونظموا حياتهم الخاصة تنظيماً دقيقاً قاسياً، وفرضوا عليهم شروطاً حياتية، تجعلهم تحت رحمة رؤسائهم ما داموا أحياء، بل وجعلوا منهم فئة محقوداً عليها، بل محاربة من باقي العالم، عن سابق قصد وتخطيط، مما لا يحسدون عليه إطلاقاً»[52]. لذا فقد لخص صاحب التوراة: غاياتها وتاريخها»، المشهد الثاني بقوله، أن التوراة: لم تكن دينا صحيحا بمعنى الكلمة، بل منظمة قتالية تلبس لبوس الدين»[53].
قد يبدو مثيرا التساؤل؛ عمن أثر في الآخر: اليهود أم الفرس المجوس؟ أو من استفاد أكثر من الآخر؟ لكن المؤكد أن الطرفين تبادلا، بصلافة، المنافع على امتداد التاريخ. ولئن كان العرب قد دفعوا ثمنا باهظا، بسبب تحالفات الفرس واليهود قبل التاريخ، فإن الأمة المسلمة دفعت، من دينها وأبنائها ومستقبلها، أفدح الأثمان، بسبب ما أحدثوه من فتن وحروب، وتحالفات مع كل عدو بعد التاريخ الميلادي، وخاصة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي سياق استمرار تحالفاتهم مع اليهود، قطعت المصنفات التاريخية كل شك بيقين، بحقيقة هوية الدولة العبيدية،
وما فعلته من كوارث بحق الأمة. ومما قاله الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء 15/151، بحق عبيد الله المهدي، أول حكامه، أن: « في نسب المهدي أقوالٌ: حاصِلُها: أنَّه ليس بهاشميٍّ، ولا فاطميٍّ»، وفي صفحة 213، نقل عن أبي شامة صاحب كتاب: « كشف ما كان عليه بنو عبيد من الكفر والكذب والمكر والكيد، قوله: « يدَّعون الشرف، ونسبتهُم إلى مجوسي، أو يهودي، حتى اشتهر لهم ذلك، وقيل: الدولة العلوية و الدولة الفاطمية، وإنما هي الدولة اليهودية أو المجوسية أو الملحدة، الباطنية». ويشير الباحث الباكستاني ظفر الإسلام خان إلى أن اليهود تبوؤا: « مناصب هامة جدا في مصر حتى العصر الحديث، وخصوصا في الدولة الفاطمية، التي نكاد أن نقول إن اليهود هم الذين كانوا يحكمونها من وراء الخليفة»[54]. وبعد تركيا أتاتورك، كانت إيران هي الدولة الثانية في العالم الإسلامي التي تعترف بـ « إسرائيل»، وظلت كذلك إلى سنة 1979، حين أطاح الخميني بنظام الشاه. وأغلق السفارة اليهودية، لكن دون أن يقطع العلاقات مع اليهودية، ورموزها الثقافية والاقتصادية، بما في ذلك صفقات الأسلحة خلال الحرب العراقية – الإيرانية ما بين سنتي 1980 – 1989.
أما الاطلاع على عقائد الإمامية مثلا، وهو ما أشرنا إليه سابق في البحث، فسيبدو مشهد التحالف مثيرا، بقدر ما تبدو الإمامية، هذه المرة، هي المنتفعة منه أكثر من التراث اليهودي، المرسوم في توراة بولس وتلموده. ولا ريب أنها كانت مقارنات طريفة تلك التي قام بها الباحث العراقي، علي الكاش، بين التلمود ومراجع الإمامية في عقائد الولاية والرجعة والتوريث والطاعة والتقية وتناسخ الأرواح والملائكة والمهدي المنتظر واستشارة الله للأئمة والحاخامات، وغيرها من المشتركات المنهجية وحتى العقدية. ولعل أطرف ما قالته الإمامية في السياق أن: « القائم سيحكم بشرع داوود. وأن المسيح المنتظر سيجمع يهود العالم في القدس، والمهدي المنتظر سيجمع أنصاره في الكوفة»، وكل ما ينقص الإمامية بحسب الكافي (1 / 231) هو: « عصا موسى، وسيف علي بن أبي طالب»، وهو عين ما قال به الخميني في الحكومة الإسلامية (ص 135): « إذا عزمنا على إقامة حكم إسلامي سنحصل على عصا موسى، وسيف علي بن أبي طالب».
رابعا: الحضارة المزعومة
لا ريب أن الحديث عن حضارة، يتطلب بالضرورة حديثا عن لغة، تحكي وتوثق وقائع الحضارة، إما شفاهة أو كتابة. فاللغة هي الأداة الحاسمة التي بها نتحدث ونكتب، ونقرأ ونتعلم ونفكر، وننام ونستيقظ، ونحلم ونتأمل، ونسالم ونحارب، ونبدع وننتج، ونتاجر ونستهلك، ونعيش ونتزاوج، ونفرح ونغضب، ونحب ونكره، ونصل ونقطع، ونبني ونهدم، ونرحم ونظلم، ونعدل ونجور، ونؤمن ونكفر، ونهتدي ونضل … هي نمط الحياة، الذي يعبر عن، ويعكس، وجودنا وديمومتنا فيها.
أما بالنسبة للغة العربية فهي أعظم لغات الكون، وأغزرها، وأبينها، وأفصحها، وأوسعها، وأكرمها، وأشرفها
وألذها وأعذبها … وإذا كان الله عز وجل قد ختم رسالته، منذ هبوط آدم إلى الأرض، بنبي ورسول عربي، فقد اختار عز وجل اللغة العربية أيضا، لتكون الأداة التي تحتضن كلامه إلى قيام الساعة، وليكون آخر كتبه مرسوما بها، ولسان وحيه بها، ولسان ملك الموت بها، وهو تشريف لم تحظ به أية لغة في الأرض. بل وأكثر من ذلك، حين تغدو اللغة العربية هي لغة أهل الجنة، والتي تتسع لموجوداتها، بمن فيهم المسلمون الفرس وغير الفرس، حيث هناك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فهل ثمة مسلم بحق يعاديها أو يكرهها أو يرفضها أو يستعلي عليها أو يحاربها أو يحقرها أو يحط من شأنها؟ وهل ثمة مسلم بحق يعادي أهلها وينتقص منهم، وهم أهل المكارم والأخلاق في الجاهلية قبل الإسلام[55]؟ بل وهم الذين شرفهم الله بآخر رسله وحملوا دينه وطافوا به الأرض، مبشرين وفاتحين رحمة بخلق الله[56]؟
من المفترض أن يكون الجواب بالنفي المطلق، بل من المفترض أن تكون الإدانة والاستنكار والاستهجان مطلقة. ومن المثير حقا، أن يأتي الإنصاف، والحقيقة، بحق العربية، من بعض المستشرقين كما جاء على لسان غوستاف لوبون حين يقول: « مع أن الفاتحين الذين ظهروا قبل العرب لم يستطيعوا أن يَفْرِضوا على الأمم المغلوبة لغاتِهم قَدَرَ العربُ ( بعد الإسلام)، على فَرض لغتهم عليهم، ولما صارت اللغة العربية عامةً في جميع
البلاد التي استولَوا عليها حلَّت محلَّ ما كان فيها من اللغات، كالسريانية واليونانية والقبطية والبربرية … إلخ، وكان للغة العرب مثل ذلك الحظ زمنًا طويلًا، حتى في بلاد فارس على الرغم من يقظة الفرس، أي ظلت اللغة العربية في بلاد فارسَ لغةَ أهل الأدب والعلم، وظل الفرس يكتبون لغتهم بالحروف العربية، وكُتِب ما عرفته بلاد فارس من علم الكلام والعلوم الأخرى بلغة العرب، وللغة العربية في هذا الجزء من آسية شأنٌ كالذي كان للغة اللاتينية في القرون الوسطى، وانتحل الترك أنفسُهم، وهم الذين قهروا العرب، الخط العربي، ولا تجد في تركية إنسانًا على شيء من التعليم لا يستطيع أن يفهم لغة القرآن بسهولة»[57].
لكن عند فارس الشعوبية، بالأمس واليوم، فالمسألة على النقيض تماما! ولعلنا نتذكر كلام الرئيس محمد خاتمي أمام الجالية الإيرانية في نيويورك حين قال جملته الشهيرة: « قبلنا الإسلام ولم نقبل العربية». أما خامنئي فيذهب أبعد من ذلك حين يقول أن: « الأمة الإيرانية تصلح لأن تكون على هرم الثقافة العالمية» … وفي اليوم التالي بدا واثقا من نفسه أكثر، وهو يصرح بأن: « الشعوب الإسلامية مدينة لجهود وأبحاث الإيرانيين في المجالات الثقافية»!!! لنرى حجم الثقافة الفارسية ما قبل التاريخ الميلادي وبعده.
في الحقيقة؛ حتى يومنا هذا لا يزال معنى كلمة « فارس» موضع بحث وجدل بين الباحثين لشدة غموضها. فهي ما بين « قاطع طريق» أو نسبة لمنطقة عرفت باسم « بارس»، أو نسبة إلى قبائل بدوية، استقرت في الجنوب عند منطقة سموها « فارس»، قرب شيراز اليوم، وتعني « السائب والغازي». وفي هذا المعنى نجد في التوراة وصفا لـ « الفرس» بأنهم:« أناس برابرة جداً وسفاحون لا يرحمون أحداً». وليس معروفا إذا ما كان هذا التوصيف قد دفع زرادشت إلى أن يدعو ربه قائلا: « اللهم خلّص هذه الأمة (الفرس) من الكذب»! أما المؤرخ الإيراني، ناصر بوربيرار، فقد ذكر في كتابه الشهير « ١٢ قرناً من الصمت» أن « أصل الكلمة مشتقة من كلمة persian، والپرژن أو البرشن هي اسم مذكر لإحدى قبائل اليهود الاسفرديم».
ومن الواضح أنه ما من أصل واضح لفارس يمكن تتبعه، ولا من مصداقية لدعوة زرادشت، إلا ترجمة الدعوة، بلغة الشعوبيين المجوس ومؤرخيهم وعلمائهم، وما أنتجوا من دين جديد سموه الإمامية، الذي تسعة أعشاره يقوم على التقية. يعني على الكذب. وهكذا تغدو الأصول التاريخية والحضارية لفارس، أشبه ما تكون بشخصية عبدالله ابن سبأ، حيث لا أصل ولا فصل، إلا من « ابن السوداء»، ولا حقيقة إلا الكذب. فهل تكون اللغة الفارسية أحسن حالا؟
في العموم، غالبا ما يجري الحديث عن لغة فارسية قديمة، « كانت تكتب بواسطة الخط المسماري السومري». وهذه اندثرت، أو عن فارسية وسطى عرفت بـ « البهلوية = الفهلوية»* استعملت في عهدي (1) الإمبراطورية الفارثية، « Parthian Empire»، (248 ق.م – 224م)، و (2) الإمبراطورية الساسانية، « Sassanid Empire»، (224 – 651م). وكانت تكتب بكتابة تحمل نفس الاسم: « كتابة بهلوية»، وهو نمط كتابة مقطعي مأخوذ من الأبجدية الآرامية. ويعلق الكاتب العربي الأحوازي، يوسف عزيزي، على هاتين اللغتين بالقول أن: « الحركة الشعوبية الفارسية دأبت على اختراع اللغة الحديثة (فارسي دري) التي لا تمتّ بصلة بما يسمى باللغة الفارسية القديمة أو الوسطى إلا القليل جداً. أي أن الفرس حالياً لا يعرفون بتاتاً أي شيء عن اللغة البهلوية، ولا يستطيعون قراءة أي عبارة – ولو صغيرة- من تلك اللغة المندرسة».
أما الفارسية الحديثة الملقبة بـ « الدرية»، لعظمتها! فهي تلك التي برزت بعد فترة من الفتح الإسلامي لفارس. وبحسب المصادر الإيرانية فهي: « نظام كتابة مبني في معظمه على الأبجدية العربية، ويشتمل على اثنين وثلاثين حرفا، مستعمل لكتابة اللغة الفارسية وغيرها، بخط فارسي أو بالنستعليق* في الغالب»[58]. وتقول مصادر غربية أنها: « اقتبست ما يصل إلى نصف مفرداتها من اللغة العربية، بالإضافة إلى بعض القواعد النحوية»[59]. فهل هذا سطو على اللغة العربية؟ أم تأثر بها!!!!؟ لنرى.
ففي التفاصيل، مرت اللغة الفارسية بتطورات أملتها الظروف السياسية، التي تعرضت لها فارس، بعد الفتح الإسلامي. فعلى امتداد ما يسمى بـ « قرني الصمت للغة الفارسية»، الأول والثاني الهجريين، وبحسب المؤرخ الإيراني بوربيرار، فـ: « لم يكن في عهد ابن المقفع – أي في الحقب الأولى للقرن الثاني الهجري- أي شيء مكتوب باللغة الفارسية، كما أن أول نماذج للغة الفارسية الجديدة ظهرت في القرن الرابع الهجري». وخلال هذين القرنين« كان الشعراء الفرس ينشدون الشعر باللغة العربية في تلك الفترة». وما بين القرنين الرابع والثامن: « تأثر الأدب الفارسي، ومن قبله اللغة الفارسية، بشدة باللغة العربية». وبلغ عصره الذهبي … « ولا نرى خلال هذه الفترة المزدهرة حتى مفردة واحدة ضد العرب، بل مدحا وتبجيلا لثقافتهم وأدبهم ودينهم. حيث بلغ الأمر بناصر خسرو البلخي في إحدى قصائده أن يفضل العرب على العجم ويتمنى أن يكون عربياً». لكن الأدب الفارسي شهد بعد ذلك عصر الانحطاط. وما بين القرنين الثاني والرابع، حيث نشطت الحركة الشعوبية، بدت الفارسية منتجة أدبيا، فقط، في اتجاهها المعادي للعربية والعروبة. وبعد قرون الانحطاط، ما بين التاسع والرابع عشر، عاد « الأدب الفارسي» لينتعش « مجدداً متأثراً بالأدب الأوربي، إلا أن العنصرية ضد العرب بلغت أشدها في هذه الفترة»[60].
أما على صعيد الإنجازات الحضارية، فيكتب عبد الله الضحيك قائلا: « إن تأثير الفرس في تاريخ الحضارة صفر، فالفرس بعد احتلالهم للعراق والأحواز لم يَجدوا بنائين قادرين على تشييد القصور والمبان، فاستعانوا بالبابليين على وجه الخصوص». ويستدل على ذلك بما ذكره الملك الأخمينى، داريوس، في إحدى مدوناته التي يقول فيها:« لقد أتيت من بعيد بالمواد التي بنيت بها القصر في سوزه، والشعب البابلي هو الذي حفر الأرض وكوم الحصى، وجلب خشب الأرز من لبنان، وقد أتى به البابليون حتى بابل، وكان عمال الخزف بابليين»[61]. ومن جهته ينقل د. ماجد عبدالله الشمس عن « جانين» القول: « وغدا الفن الفارسي، وهو فن ملكي متعدد النماذج والأصول، إذ لم يكن لإيران تقاليد عريقة، بينما عرف الشرق الذي خضع للفرس بغناه في هذا المجال وبغنى اختباراته». وعن الحياة الفكرية، فحدث ولا حرج، إذ: « لا يبدوا بأن حياة الإمبراطورية الفكرية الحقيقية كانت فارسية»[62]. يعني حضارة اقتباسات من الغير وليس إبداعا. والحقيقة التاريخية الثابتة، والظاهرة لكل عيان، أن ما يسمى بالحضارة الفارسية لم تترك أي أثر حضاري حيثما تواجدت، بخلاف الأثر الروماني مثلا. علما أن الحضارتين تعاصرتا وتنافستا وتحاربتا قرونا طويلة من الزمن.
من جهته، يقطع بوربيرار كل شك بيقين حين يعاين مصادر التراث لفارسي، فيقول: « يوجد لدينا في إيران عدد من النقوش على الصخور من عهد الإخمينيين والساسانيين، لا تتحدث هذه النقوش عن (1) أية ثقافة أو (2) حضارة أو (3) فكر أو حتى (4) عن دين». بل يقول بما لم يقله أحد من قبل:« لا يوجد في هذه النقوش أي كلام عن زرادشت وكتابه أفيستا. فلم تتحدث هذه النقوش عن الشؤون الثقافية، حيث كلها ومن دون استثناء إما تتحدث عن قضايا شخصية، وإما عن قضايا عسكرية». ويطالب أولئك: « الذين يدعون بوجود زرادشت وكتابي أفيستا وزند، أن يقدموا وثائق تاريخية تثبت هذا الأمر. فهؤلاء الذين يدعون بوجود أديان أو حكمة في إيران القديمة أو أي شيء ثقافي أو حضاري قبل نشوء الإسلام، لم يقدموا (1) أية وثيقة، ولا (2) أية نقوش، صخرية، ولا (3) حتى مسكوكة نقدية، حيث من دون هذه الوثائق يتحول الكلام في هذا المجال إلى أساطير».
إذن حصيلة اللغة الفارسية، ما قبل التاريخ، هزيلة للغاية! فهي على المستوى الحضاري لم تنجز نصا أو نقشا، يوثق أدبا أو شعرا أو دينا أو علما ، ولم تورث أثرا أو مَعْلما أو فنا يمكن الاسترشاد به. فكل ما توفر « عدد من النقوش على الصخور من عهد الإخمينيين والساسانيين»!!! لذا؛ ومع أن البعض ينسبها إلا اللغات الهندو آرية القديمة[63]، إلا أن فقرها الحضاري ربما كان السبب لدى البعض في اعتبارها مجرد « لغة آرية مجهولة، تنسب إلى قبائل الفرس البدوية النازحة إلى إيران قبل قوروش الكبير». بمعنى أنها لم تنتج حضارة، ولم تكن لها أية مساهمات حضارية، تعكس حضورها ومكانتها.ولعل هذا الفقر، الذي يرجع أساسا إلى « ضعف اللغة البهلوية»، هو الذي « يفسر انعدام المؤلفات العلمية والأدبية، فهي لغة غير قادرة على استيعاب العلوم بمختلف أنواعها». وهذه حقيقة أدركها العجم قبل العرب، فهذا كيكاوس صاحب كتاب « النصيحة» يوصي ابنه: « إذا كتبت رسائلك بالفارسية فلتكن مشوبة بالعربية، فإن الفارسية الصرف لا تعذب في المذاق». وصية؛ نجد نظيرا لها لدى البيروني، حيث يقول: « من تأمل كتاب علم قد نقل إلى الفارسي، كيف ذهب رونقه، وكسف باله، واسودّ وجهه، وزال الانتفاع به»[64] أي لا نص ولا روح نص.
وعليه؛ فإذا كان للفارسية من حضور، خلال التاريخ الميلادي على الأقل، فهو ذلك الذي وجد أعظم تجلياته في سياق التاريخ الإسلامي أولا، ثم في سياق اللغة العربية ثانيا. ودون ذلك فإن كل ما أنتجته اللغة الفارسية القديمة والحديثة، طوال 2500 سنة، لم يكن إلا منتجات لحركة شعوبية، نشطت في العداء للعرب والعروبة والدين. فهل يمكن تصنيف مثل هذا الإنتاج إنجازا حضاريا!!؟ وهل هذه هي الثقافة الزاخرة التي يتحدث عنها خامنئي؟ ويسعى إلى تربيعها على هرم الثقافة العالمية؟ … حقا! إن مما أدرك من كلام النبوة الأولى أنه إذا لم تستح فاصنع ما شئت.
المبحث الثالث: البعث الصفوي
* بحسب المجلسي فإن: « القائم يهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه والمسجد النبوي إلى أساسه»، ( بحار الأنوار 52/338 والغيبة للطوسي/282). وبالنسبة للعياشي: «عن أبي عبد الله قال: سألت عن المساجد التي لها الفضل فقال: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، قلت: والمسجد الأقصى جعلت فداك؟ قال: ذاك في السماء، إليه أسرى برسول الله عليه وسلم، فقلت: إن الناس يقولون إنه بيت المقدس فقال: مسجد الكوفة أفصل منه»، ( تفسير الصافي3/166). أما ابن بابَوَيه القمي فيقول: لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد رسول الله ومسجد الكوفة»، ( الخصال/137). ويروي الشيخ المفـيد عن أبي بصير قوله: =
= « قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتّى يردّه إلى أساسه، وحول المقام إلى الموضع الذي كان فـيه، وقطع أيدي بني شيبة وعلقها بالكعبة، وكتب عليها: هؤلاء سرّاق الكعبة»، ( إرشاد 2 /383).
[1] د. ناصر القفاري، « أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثنى عشرية: عرض ونقد»، المجلد الأول – ط1، 1993، ص10.
* عمار والمقداد وسلمان! وبهذا المعنى يكون حتى آل البيت مرتدين. راجع أحاديثهم.
[2] ينقل الباحث العراقي، علي الكاش منها: ( الكيسانية، العبيدية، الرافضة، الشيخية، القرتية، البابية ( البابكية ومنها فرقة المحمرة)، التعليمية، الكريمخانية، الخطابية، الزيدية، الدرزية، المخطئة، المستعلية، الحافظية، الجارودية (3 فرق)، البترية، الدكينية، الخلفية، الخشبية، السبعية، المختارية، المرئية، الإسحاقية، الحربية، السبئية، السيابية، الكربية، الواصلية السبعية ( الصاحبية والناصرية). البهرة ( هم ثلاث فرق علوية وداودية وسليمانية)، الكاملية ( الكميلية)، الأبرقية، الممطورة، السميطية، الأفطحية، الواقفية ( الواقفة)، الثلاث عشرية، النفيسية، البزيغية، القرامطة، النصيرية، اليعفورية، الغرابية، الربعية، اليعقوبية، الغمامية، الإسماعيلية، الأزورية، الإثنى عشرية ( الإمامية)، الكشفية، البيانية، الرزامية، السنانية، الصالحية، البثرية، الخرمدينية، التوابين، الكربية، الباقرية، الجناحية، الجعفرية الواقفة، الطالبية، الشميطية، الحلولية، المباركية، الغالية، الكاملية، العلبائية، المغيرية، المنصورية، الشريعية، الطيارية، العجلية، العميرية، الكيالية، النعمانية، اليونسية، النحيلة، القطيعية، الغرابية، المحمدية، الحسينية، الشيخية، الزرارية ( التميمية) الجريرية، اليمانية، الرنودية، الصفرية، الأحمرية، الحصنية، ( الأحمدية)، المهدوية، الحشاشون، القاديانية، الرشتية، العقبية، الركنية، الكوهرية، النوربخشية، الثنوية، الهشامية (4 فرق)، الشيطانية ( شيطان الطاق)، الميمونية، الخابطية، الأغاخانية، المفضلية الموسائية، المفضلية، النزارية ( الصباحية أو الحميرية). والذمية( بفتح المعجمة، سموا كذلك لذمهم النبي محمد)، البدائية ( وهم القائلون بجواز البداء على الله تعالى لعدم علمه بعواقب الأمور). « مختصر اليمانيات المسلولة على الرافضة المخذولة/7»، … إضافة إلى الفرق الجديدة التي استحدثت كالصفوية والشبك والعلى اللهية والأباضية والقزلباشية والبكتاشية وغيرها في الدول العربية وإيران والهند والباكستان والأفغان إلى الفرق المذكورة، والفروع الأخرى التي تشعبت عن القديمة … علي الكاش، « اغتيال العقل الشيعي: دراسات في الفكر الشعوبي»، منشورات E – ktub، لندن – المملكة المتحدة، ط1/ 2015، ص 220.
* مصنفات الشيعة الرئيسية هي: (1) « الكافي»، لمحمد يعقوب الكليني، وورد في مقدمته (ص25) أنه عرضه على الإمام الثاني عشر في سردابه في سامراء، فقال الإمام الثاني عشر سلام الله عليه « الكافي كاف لشيعتنا». و (2) « الاستبصار» و (3) « التهذيب»، لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، و (4) « من لا يحضره الفقيه»، لأبي جعفر، محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابَوَيه القمي، الملقب بالشيخ الصدوق. وتضمنت المصنفات الأربعة 44244 حديثا. أما بقية المصادر فقد كتبت قبل قرون قليلة لا تتعدى الثلاثة الأخيرة إلا بعقود قليلة، وتصادف تدوينها خلال العهد الصفوي. من أبرزها في القرن الحادي عشر الهجري: (1) « الوافي»، لمحمد بن مرتضى الملقب بالفيض الكاشاني المتوفى سنة 1091هـ، و (2) « بحار الانوار»، لمحمد باقر المجلسي المتوفى سنة 1110هـ، و (3) « وسائل الشيعة»، لمحمد بن الحسن الحر العاملي المتوفى سنة 1104هـ، و (4) « مستدرك وسائل الشيعة»، للمرزا حسين النوري المتوفى سنة 1320هـ. مع الإشارة إلى مؤلف « سليم بن قيس الهلالي»، المتوفي سنة 76هـ، ويعتبره المجلسي « أصل من أصول الشيعة وأقدم كتاب صنف =
= في الإسلام». لكن الشيعة تبرؤوا منه لكونه يتحدث عن 13 إماما وليس 12. وفيما خلا هذه الجزئية يبقى الكتاب مصنفا يصعب التخلي عنه بالجملة.
* هناك من يقول بأنها مدينة طرطوس السورية.
[3] « كيف اخترع – بولس – المسيحية ، وهدم النصرانية؟»، مرجع سابق. من المدهش جدا أن نجد هذا المنطق لدى المفكر الإيراني، د. علي شريعتي!!! الذي اشتهر كإصلاحي حتى لدى الكثير من السنة العرب وغيرهم، رغم شعوبيته الواضحة كما سنرى لاحقا. أما عن مشابهته لبولس في منهجه، فيكشف عنه بنفسه حين تلقى سؤالا من أحد طلبته يستفسر فيه عما بدا شعورا لدى طلابه حول « إعجابه جدا بالدين البوذي، فأجاب: « نعم فأنا سني المذهب، صوفي المشرب، بوذي ذو نزعة وجودية، شيوعي ذو نزعة دينية، مغترب ذو نزعة رجعية، واقعي ذو نزعة خيالية، شيعي ذو نزعة وهابية، وغير ذلك .. اللهم زد وبارك»[3]!!! راجع: د. علي شريعتي، دين ضد الدين»، دار الأمير، بيروت – لبنان، ط1/ 2003، ص 213.
[4] طارق محمد الشافعي، « بولس وأثره في النصرانية»، على الشبكة: http://noor.kalemasawaa.com/paul/tarek.htm
[5] ثمة ملاحظات جديرة بالاعتبار في هذا السياق أوردها الباحث العراقي علي الكاش في كتابه « اغتيال العقل الشيعي»، يقول فيها بأن: « المعرفة العالية بتعاليم اليهودية وما تضمنته من أفكار تؤكد بما لا يقبل الشك وجود شخصيات وليس شخصية واحدة من اليهود هي من زودت الإمامية بأفكار اليهود» .. ويلاحظ بأن: « البعض ممن يتعجب من وجود شخص واحد هو ابن سبأ الذي يلعب بالعقيدة الإسلامية بمعزل عن تدخل واعتراض الصحابة وبقية المسلمين، لا يعني مطلقا بأنه كان وحده يلعب في الميدان بل هناك مؤسسة يهودية كبيرة وراءه، وهو واجهتها الأمامية». مرجع سابق، ص 418.
[6] في رواية ابن حزم الأندلسي يقول ابن سبأ: « لو أتيتموني بدماغه ألف مرة ما صدقناه موته، ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً».
[7] مرجع سابق.
[8] علي الكاش، « اغتيال العقل الشيعي: دراسات في الفكر الشعوبي»، مرجع سابق، ص 455.
[9] مع هذا فقد اتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه أخذ الإسلام عن مصادر شتى. وبغرض الرد على الشبهات، قام باحث بتصنيفها إلى ثلاثة مصادر، هي: (1) « الأشخاص»، مثل: شعراء العرب الجاهليين كامرؤ القيس وأمية بن الصلت، ودعوة زيد بن عمرو بن نفي، ولبيد من ربيعة وقس بن ساعدة، وعبد الله بن أبي سرح، والأسقف نسطور، وبلعام بن باعوراء، وسليمان بن يسار، وعداس النصراني، وجبر الخضرمي، ورقة بن نوفل، والراهب بحيرى، وأن سلمان الفارسي كان يمد الرسول بالمعتقدات الفارسية. وأنه اقتبس أمورًا فيزيائية من أرسطو. ومن (2) « الكتب المقدسة»، مثل: التلمود، والمؤلفات الحاخامية، والمدراش، والكتاب المقدس، الأبوكريفا (الأناجيل غير القانونية)، وكتاب الهاجادا، والأبستاق (الأفيستا)، وكتاب بوندهانيشنيه. ومن (3) « الديانات»، مثل: الزرادشتية، والمانوية والصابئة، والوثنية العربية، والهندوسية، والحنيفية، والهرطقات المسيحية. ومن (4) تراث الأمم والأساطير: كتابات الإغريق وخاصة أبقراط وجالين، والتراث البابلي كملحمة جلجامش، والآداب السريانية، والأساطير الأرمنية، والأساطير اليهودية والطقوس اليهودية، والأساطير الزرادشتية، وحضارة الأرمن. وردت في منتدى التوحيد بعنوان: « شبهة من نصراني»، 16/8/2010، على الشبكة: http://cutt.us/aaMm0
[10] جفري بارندر،« المعتقدات الدينية لدى الشعوب»، عالم المعرفة، سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ترجمة د. إمام عبدالفتاح إمام، ط1/، عدد 173، 1993، ص 394، الهامش الرابع.
[11] أديب صعب،« الأديان الحية: نشوؤها وتطورها»، دار النهار للنشر، بيروت – لبنان، ط3 / 2005، ص 12.
* الشائع القول بأن الزرادشتية هي المجوسية. وأن المجوس هم عبدة النار. لكن المجوس يقدسون النار ولا يعبدونها، وهم في الأصل قبيلة تنتمي إلى الميديين الذين سكنوا أواسط آسيا قبل الميلاد، وهم الذين أسسوا، بمعية قبائل الفرس، الإمبراطورية الأخمينية في فارس. والأقوى عالميا في ذلك الوقت.
[12] « الموسوعة العربية العالمية»، http://cutt.us/lvIF
[13] د. علي شريعتي، « دين ضد الدين». دار الأمير، بيروت – لبنان، ط1/ 2003، ص 60 – 62.
[14] « الموسوعة العربية العالمية»، http://cutt.us/lvIF، مصدر سابق. وكذلك موقع « المعرفة» على الشبكة: http://cutt.us/JJD7z
[15] آرثر كريستنسن: « إيران في عهد الساسانيين»، القاهرة – مصر، الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب، ترجمة وتحقيق يحيى الخشَّاب وعبد الوهَّاب عزَّام، ط1/ 1988م، ص 180. وكذلك علي شريعتي الذي يعتبر المانوية مزيجا من عقائد الزردشتيين واليهود والمسيحيين. « التشيع العلوي والتشيع الصفوي»، مرجع سابق، هامش 2 / ص 57.
[16] سليم مطر: « المانوية البابلية .. أساس التصوف العراقي»، على الشبكة: http://www.mesopot.com/old/adad9/9.htm
[17] آرثر كريستنسن: « إيران في عهد الساسانيين»، مرجع سابق، ص 172.
[18] د. علي شريعتي، « التشيع العلوي والتشيع الصفوي»، مرجع سابق، هامش 2 / ص 57.
[19] آرثر كريستنسن: « إيران في عهد الساسانيين، مرجع سابق، ص 180.
[20] سليم مطر: « المانوية البابلية .. أساس التصوف العراقي»، مرجع سابق.
[21] الشهرستاني، الفتح محمد بن عبد الكريم، « الملل والنحل»، بيروت – لبنان، دار الكتب العلمية، ط2، ص 86.
[22] الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، « تاريخ الطبري»، عمان – الأردن، بيت الأفكار الدولية. ص 88.
[23] حسين الموسوي، « لله وللتاريخ»، أحد علماء النجف، والاسم مستعار، 14 صفر 1422، ص 31 – 48، والصفحات هي فصل كامل بعنوان: « المتعة وما يتعلق بها»، وفيه روايات ووقائع مؤلمة ومشينة، وفتاوى لا تخطر على بال كهنة الأديان المجوسية. والكاتب يتحدث فيه كشاهد عيان.
[24] د. شهلا حائري، « المتعة: الزواج المؤقت – حالة إيران: 1978 – 1982»، بيروت – لبنان، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، ط7/ 1996، ترجمة فادي حمود، ص 40. والكتاب رسالة دكتوراه في الأنثروبولوجيا من جامعة كالفورنيا في لوس أنجلوس.
[25] د. علي شريعتي، « التشيع العلوي والتشيع الصفوي»، مرجع سابق، ص 208، 211.
[26] سليم مطر: « المانوية البابلية .. أساس التصوف العراقي»، مرجع سابق.
[27] نقلا عن: عبدالله الضحيك: « الفُرس بين البربرية والحضارة»، موقع « الكادر»، على الشبكة: http://cutt.us/SRhDD.
[28] د. علي شريعتي، « دين ضد الدين». مرجع سابق، ص 138.
[29] عبدالله الضحيك: « قصيدة لقيط بن يعمر الإيادي- التاريخ يعيد نفسه»، موقع « الكادر»، على الشبكة: http://cutt.us/oOVf
[30] لما قام الصحابي عبدُ الله بن حُذافة السهميّ بنقل، رسالة الرسول، صلى الله عليه وسلم، إلى كسرى، وتلاها عليه، رد كسرى غاضبا، ومزقها، ثم قال:« عَبْدٌ مِنْ رَعِيَّتِي يَكْتُبُ اسْمُهُ قَبْلِي»، وسبَّ النبيّ. فلمَّا بلغه، صلى الله عليه وسلم، فعل كسرى وقوله، دعا عليه قائلا: « مَزَّقَ اللَّهُ مُلْكَهُ». أما نص الرسالة النبوية فقالت: « بسم الله الرحمن الرحيم. مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى كِسْرَى عَظِيمِ فَارِسَ، سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، وَآمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَشَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ وَأَدْعُوكَ بِدُعَاءِ اللَّهِ، فَإِنِّي أَنَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً؛ لأُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ. فَإِنْ تُسْلِمْ تَسْلَمْ، وَإِنْ أَبَيْتَ فَإِنَّ إِثْمَ الْمَجُوسِ عَلَيْكَ».
[31] علي الكاش، « اغتيال العقل الشيعي»، مرجع سابق، ص 53.
[32] عبدالله الضحيك: « إيران عدو لا ينتهي»، موقع « الكادر»، على الشبكة: http://cutt.us/mhew3. وينقل الكاتب عن المؤرخ اليوناني هيرودتس قوله أن: « ولاية بابل كانت تدفع أيام حكم الملك الأخميني دارا أعلى نسبة من الضرائب تقدر بألف وزنة ( طالت ) من الفضة». مشيرا إلى أن « الطالنت» الواحد يساوي 30,3 كغم. وهذا يعنى أن ولاية بابل وحدها كانت تدفع سنويا ثلاثين ألف طن و300 كغم من الفضة.
[33] خلال مداخلة هاتفية له مع الإعلامي، توفيق عكاشة، على « قناة الفراعين – 12/1/2014»، استعمل المستشار أحمد الزند، رئيس نادي القضاة، وأحد أركان الانقلاب العسكري في مصر، التعبير الفرعوني أو الفارسي وحتى اليهودي، الاستعلائي تجاه الآخرين، وحتى تجاه شعبه، قائلا: « نحن هنا على أرض هذا الوطن أسياد، وغيرنا هم العبيد»!! وجدير بالذكر أن المستشار الزند عين وزيرا للعدل في 20/5/2015. على الشبكة: https://www.youtube.com/watch?v=xsKckPg6Fco
[34] من ضمن هذه التصريحات ما أورده الموسوي من تصريحات أدلى بها مرشد الثورة، علي خامنئي، لصحيفة « جمهوري إسلامي – 14/6/2004»، أثناء استقباله مجموعة من رجال الدين وعدد من الأكاديميين من أعضاء مؤسسة دائرة المعارف الإيرانية، يقول فيها أن: « الأمة الإيرانية تصلح لأن تكون على هرم الثقافة العالمية» … وفي اليوم التالي أن: « الشعوب الإسلامية مدينة لجهود وأبحاث الإيرانيين في المجالات الثقافية». مرجع سابق: نقلا عن:صباح الموسوي:« فكر الشعوبية في مناهج الحوزة الصفوية».
[35] د. عبدالله محمد الغريب: « وجاء دور المجوس: الأبعاد التاريخية والعقائدية والسياسية للثورة الإيرانية»، نسخة إلكترونية، ص32، « شبكة الدفاع عن السنة»، على الشبكة: http://www.dd-sunnah.net/forum/. والكتابللشيخ أحمد بن سرور زين العابدين، والاسم أعلاه مستعار. مع الإشارة إلى أن الزعامة الدينية لقبيلة « ميديا» انتقلت في عصر زراديشت إلى قبيلة « المغان».
[36] آرثر كريستنسن: « إيران في عهد الساسانيين»، مرجع سابق.
[37] في كتابات علي شريعتي يعتبر النظام الاجتماعي الفارسي نظاما طبقيا دينيا تمييزيا ومحكم الإغلاق. بحيث يبقى السيد سيدا والعبد عبدا أبد الدهر، ويتهكم بالإشارة إلى أن عبقرية العبد لا تسمح له بالارتقاء والنبوغ إلا في موضعه. للمتابعة لدى: د. علي شريعتي، « دين ضد الدين». دار الأمير، بيروت – لبنان، ط1/ 2003، ص 67 – 71.
[38] إحسان إلهي ظهير ( رئيس تحرير مجلة ترجمان الحديث لاهور باكستان)، « الشيعة والتشيع: فرق وتاريخ»، دار ترجمان السنة، ط1/ 1984، ص 94 – 95. كما يمكن متابعة مقالة عبدالله الضحيك: « حمراء الكوفة»، على موقع « الكادر» في الشبكة: http://www.alkader.se/index.php/8985-2015-06-12-07-24-26.html وكيف أسسها المسلمون لتكون دارا للمجاهدين ثم تحولت مع الوقت إلى بؤرة مجوسية للفتن والغدر وقتل الصحابة، وأولهم عمر ثم علي والحسين وغيرهم، حتى صارت في العهد العباسي حاضنة للزندقة والزنادقة، وموطن الطعن في الدين ووضع آلاف الأحاديث وحياكة المؤامرات لضرب الدولة الأموية والعباسية وهدم الدين، وتنبه معاوية والمهدي لمجوسها من الفرس وأحفادهم.
[39] د. عصام الراوي: « نوازع القومية وأسس العقيدة»، صحيفة البصائر، عدد (13) الأربعاء 4 رمضان 1424هـ الموافق 29 تشرين الأول 2003 م http://www.basaernews.i8.com/13/creative.htm
[40] ويكيبيديا الإخوان المسلمين، شخصية« عصام الراوي». على الشبكة: http://cutt.us/bxpga
[41] د. علي شريعتي، « التشيع العلوي والتشيع الصفوي»، مرجع سابق، ص 122.
[42] د. عبدالله محمد الغريب، « وجاء دور المجوس»، مرجع سابق، ص 77.
[43] ستانلي ويس، « إنترناشيونال هيرالد تريبيون»، 10 يوليو2012، http://www.maqalaty.com/18977.html
[44] « التحالف اليهودي الفارسي منذ قدم التاريخ»، على موقع« إسلام ويب»: http://cutt.us/BOH6
[45] « أخمينيون»، موقع «ويكيبيديا»، على الشبكة: http://cutt.us/oeoy6. وفي النص ثمة شهادة للمؤرخ الإيراني پورپيرار يتحدث فيها عن دور« إسرائيل في إعلاء شأن الحضارة الإيرانية الساطعة قبل الإسلام لتعميق الهوة بين الإيرانيين والعرب. فالتاريخ الإيراني يستند في كتابته إلي بحوث قام بها اليهود. إذ بذلوا جهدا لإعلاء شأن الإخمينيين كمحررين لهم وكمدمرين لحضارة بين النهرين. فاليهود يسعون أن يقدموا الإخمينيين كمبدعين للثقافة والحضارة أو أي شيء يرغبونه وذلك بسبب الخدمة التي قدمها لهم الإخمينيون بتحريرهم من السبي البابلي. فخذ على سبيل المثال علماء الآثار والمؤرخون اليهود كـ غيريشمن وداريشتيد واشكولر، كما أن 90% من مؤرخي التاريخ الإيراني هم من اليهود. أي أن اليهود قاموا بتهويل تاريخ الإخمينيين، فهؤلاء حاولوا خلال المائة سنة الماضية، أن يصوروا قورش في التاريخ الإيراني بشكل يتطابق وصورته في التوراة، حيث تقدمه كصورة نبي، وقد نجحوا في ذلك. إذ لم يُعرف قورش في إيران حتى قبل 100 عام».
[46] عبد الله الضحيك: « لوثة كسرى وسفر عزرا: جريمة تحريف التوراة علي يد الفرس واليهود»، 13/2/2015، موقع « القادسية، على الشبكة: http://cutt.us/YsdK
[47] «التوراة تاريخها وغاياتها»، المؤلف أميركي الجنسية، ولم يرد اسمه في الكتاب، ترجمة وتعليق سهيل ديب: دار النفائس، ص 29.
[48] بالمقارنة مع عبد الله الضحيك، « التلمود البابلي الصناعة الفارسية اليهودية»، موقع« الكادر»: http://cutt.us/waiVr
[49] من بين الطوائف العائدة إلى بيت المقدس يذكر ظفر الإسلام خان طائفة: « المهستنيون mehestanites الذين عادوا من السبي البابلي مشبعين بعقائد زرادشت القائمة على الإيمان بالفلكيات والأرواح الطيبة والشريرة. وردت لدى: ظفر الإسلام خان، « التلمود: تاريخه وتعاليمه، دار النفائس، بيروت – لبنان، ط2/1971، ص 37.
[50] « قاموس التوراة»، منشورات سكريبنر، نيويورك، 1909، ص 28. A Dictionary of the Bible; Charled Scribner’s Sons; New York; 1909.
[51] إسرائيل شاحاك، « الديانة اليهودية وتاريخ اليهود: وطأة 3000 عام»، ترجمة رضى سلمان، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت لبنان، ط4/ 1997، ص96. وفي ص97 من الكتاب يتحدث شاحاك عن: « كتاب في مصر يعود تاريخه إلى 415 ق. م يحتوى على نص لأمر صادر عن ملك فارس، داريوس الثاني، ويتضمن تعليمات ليهود مصر بالنسبة إلى تفاصيل التقيد بفرائض عيد الفصح».
[52] « التوراة تاريخها وغاياتها»، مرجع سابق، ص 52. نقلا عن د. آرثر روبن، « اليهود في العصر الحاضر»، دراسة اجتماعية، برلين 1904 = Dr. Arthur Rupin: The Jews of the Present: A Socio-Scientific; Berlin 19; Berlin 1904.
[53] « التوراة تاريخها وغاياتها»، مرجع سابق، ص 18.
[54] ظفر الإسلام خان، « التلمود: تاريخه وتعاليمه»، مرجع سابق، ص 52.
[55] أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى الأَشْجَعِيُّ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ حُسْنَ الأَخْلاَقِ. حديث نبوي صحيح.
[56] قارن مثلا مع موقف الترك من العرب. ففي 6/4/2010، وجه رئيس الحكومة التركية آنذاك، رجب طيب أردوغان، كلمة إلى الجمهور العربي، بمناسبة افتتاح أول قناة تركية تبث باللغة العربية « TRT»، قال فيها: « إن مصير اسطنبول ومستقبلها لا يختلفان عن مصير الدول العربية ومستقبلها، وقد تكون الحدود السياسية قد خطت بين أوطاننا في التاريخ القريب، وربما الألغام قد زرعت بين دولنا، وربما الجدران والسدود قد شيدت بين أراضينا. إلا أننا نمتلك من القوة والإرادة ما يجعلنا نتجاوز كل هذه العقبات»، لكن العبارة الأبلغ التي تضمنتها الكلمة جاء فيها: « من دونكم لا معنى للعالم».
[57] غوستاف لوبون: « حضارة العرب»، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، البريد الإلكترونيhindawi@hindawi.org، القاهرة – جمهورية مصر العربية، ترجمة عادل زعيتر، 2012، ص 456.
* « الفهلوية» كلمة تعني في الثقافة العامية عند العرب المتذاكي أو المفلسف!!! ولسنا متأكدين إن كانت الكلمة الرديفة « بهلوي» لها نفس المعنى الشعبي في اللغة الفارسية. وهي، بالمناسبة، الكلمة التي اتخذها نسبا له، شاه إيران السابق، محمد رضا بهلوي، الذي أطاح به الخميني سنة 1979.
* « النستعليق» كلمة مركبة من كلمتي النسخ والتعليق. وهي اسم الخط الذي تكتب فيه الفارسية.
[58] دهخدا، علی اکبر. « لغت نامه دهخدا». جلد ۸ صفحهٔ ۴۴، جاب دانشكاه تهران. نقلا عن« ويكيبيديا: « أبجدية فارسية، http://cutt.us/AgNMr
[59] مقالةبعنوان: «What is Persian? »، مركز الدراسات الفارسية، جامعة ميريلاند – الولايات المتحدة الأمريكية، على الشبكة: http://cutt.us/jjUdU
[60] « لغة فارسية»، موقع ويكي بيديا العالمي، على الشبكة: http://cutt.us/a7ua1
[61] عبدالله الضحيك: « الفُرس بين البربرية والحضارة»، على الشبكة: http://cutt.us/bco6z. ، نقلا عن عالم الآثار الفرنسي، أندريه بارو: « بلاد آشور»، دار الرشيد للنشر، بغداد – العراق، ترجمة وتحقيق: سليم التكريتي، 2011، ص 114. ومن المفيد متابعة ما كتبه في مقالته الموسومة بـ: « مقارنة بين الحالة الثقافية للإمبراطورية الفارسية والعصر العربي الجاهلي»، موقع « المؤسسة الأحوازية للثقافة والإعلام»، على الشبكة: http://cutt.us/lsfkR
[62] عبدالله الضحيك: « إيران عدو لا ينتهي»، موقع الكادر»، مرجع سابق. نقلا عن: د. ماجد عبدالله الشمس، « الحضارة العاربية وأثرها في إيران واليونان»، منشورات دار علاء الدين، دمشق – سوريا، ط1/2011، ص 27.
[63] What is Persian?، مرجع سابق.
[64] عبدالله الضحيك: « مقارنة بين الحالة الثقافية للإمبراطورية الفارسية والعصر العربي الجاهلي، مرجع سابق.
إرسال التعليق