القوة العسكريَّة الخليجيَّة الوطنيَّة والجماعيَّة: الواقع والمستقبَل

مقدِّمة
شكّلَت قضية الحفاظ على أمن الخليج تحدِّيًا حقيقيًّا لدول مجلس التعاون الخليجيّ منذ حرب الخليج الأولى عام 1981م، وبات الوضع الجغرافي والثروات الطبيعية في ظلّ قِلَّة عدد السكان، مُعضِلة دائمة أمام قيادات دول مجلس التعاون الخليجيّ، وزاد الأمر تعقيدًا بعد غياب العراق كقوة توازن في مواجهة الكتلة الإيرانيَّة الضخمة عدديًّا، ومن ثم ظهرت الحاجة ماسَّةً إلى تنمية القدرات العسكريَّة لدول الخليج على المستوي الوطنيّ، وفي نفس الوقت إلى توحيد القوى الخليجيَّة في إطار جماعيّ، وهو ما عبَّرَت عنه قوات “درع الجزيرة” المشترَكة التي تأسست عام 1982م بهدف حماية الدول الأعضاء وردع أي عدوان عسكريّ عليها.
» القوة العسكريَّة الخليجيَّة 2016
يمكن للدول خلق توازن مع جوارها الإقليمي عبر جهودها الذاتية، مستغلَّة قدراتها الاقتصادية لتطوير قوتها العسكريَّة، أو من خلال تدابير خارجية بتحالفات مع دول أخرى تزيد بها من أمنها. ولا شك أن دول الخليج العربية قد انتهجت المسارين، لكن الإدارة الاستراتيجية الأمريكية الأخيرة في عهد الرئيس أوباما دفعت دول الخليج إلى سرعة التدبُّر والاعتماد على الأمن الجماعي”Collective security” عبر الأنشطة السياسية والاقتصادية، خصوصًا الأمنية التي سنركز عليها، موضِّحين الموقف التسلُّحيّ لدول الخليج العربية، ومقارنته بمراكز التحدِّي الإقليمية.
» المملكة العربيَّة السعودية: (ترتيبها في مقياس القوة العسكريَّة 24 من 126 دولة)، قوات الخط الأول فيها يصل عددهم إلى 235000 رجل/ الاحتياط 25000 رجل/ الدبَّابات 1210/ الآليات المدرعة 5472/ المدافع المتحركة 425/ المدافع المسحوبة 432/ راجمات الصواريخ 322/ الطائرات 722/ طائرات القتال الاعتراضية 245/ طائرات القتال الهجومية 245/ طائرات النقل 213/ طائرات التدريب 213/ طائرات الهليكوبتر 204/ طائرات الهليكوبتر الهجومية 22/ القوة البحرية 55 قطعة/ الفرقاطات 5/ الكورفيت 4/ وحدات خفر السواحل 39/ كاسحات الألغام 3[1]. وتضمّ قائمة الأسلحة الفتَّاكة التي تمتلكها السعودية: مقاتلة “بوينغF-15 إيغل”، والمقاتلة “تايفون” ثاني أكثر الأسلحة السعودية فتكًا، كما أن واحدًا من أقوى الأسلحة هو مروحية بوينغ “AH-64D” أباتشي، وجُهّزت القوات البرِّية السعودية أيضًا بإحدى أقوى الدبَّابات في العالَم وهي “M1A2S” أبرامز، أما الفرقاطة فئة “الرياض” وتحمل أنظمة صواريخ للإطلاق الرأسي وتستوعب 15 صاروخًا من طراز أستر، وهي صواريخ أرض-جوّ فبإمكانها أن تهاجم الطائرات المغيرة في نطاق يبلغ نحو 20 ميلًا وعلى ارتفاع يصل إلى 50.000 قدمًا. كما تحمل “الرياض” ثمانية صواريخ مضادَّة للسفن من طراز “MBDA Exocet MM40 Block II”.
» دولة الكويت: (ترتيبها في مقياس القوة العسكريَّة 78 من 126 دولة) قوات الخط الأول 15.500 رجل/ الاحتياط 31.000 رجل/ الدبَّابات 368/ الآليات المدرعة 861/ المدفع المتحركة 98/ راجمات الصواريخ 27/ الطائرات 106/ طائرات القتال الاعتراضية 27/ طائرات القتال الهجومية 27/ طائرات النقل 31/ طائرات التدريب 29/ طائرات الهليكوبتر 42/ طائرات الهليكوبتر الهجومية 16/ القوة البحرية 38 قطعة/ وحدات خفر السواحل 106[2]. ولا تصنع الكويت أي نوع يُذكر من الأسلحة، لكنها تملك ميزانية عسكريَّة كبيرة، فتعكس اهتمامًا جيدًا بترسانتها الحربية وجيشها الذي يُوصَف بأنه صغير وفعَّال.
» مملكة البحرين: (ترتيبها في مقياس القوة العسكريَّة 91 من 126 دولة) قوات الخط الأول 15.000 رجل/ الاحتياط 112.000 رجل/ الدبَّابات 180/ الآليات المدرعة 277/ المدافع المتحركة 13/ المدافع المسحوبة 26/ راجمات الصواريخ 9/ الطائرات 104/ طائرات القتال الاعتراضية 25/ طائرات القتال الهجومية 25/ طائرات النقل 28/ طائرات الهليكوبتر 62/ طائرات الهليكوبتر الهجومية 22/ القوة البحرية 39 قطعة/ الفرقاطات 1/ وحدات خفر السواحل 25[3].
» دولة قطر: (ترتيبها في مقياس القوة العسكريَّة 93 من 126 دولة) قوات الخط الأول 12000 رجل/ الدبَّابات 92/ الآليات المدرعة464/ المدافع المتحركة 24/ المدافع المسحوبة 12/ راجمات الصواريخ 21/ الطائرات 86/ طائرات القتال الاعتراضية 9/ طائرات القتال الهجومية 15/ طائرات النقل 18/ طائرات التدريب 18/ طائرات الهليكوبتر 45/ القوة البحرية 80 قطعة/ وحدات خفر السواحل 69[4]. ويتميز الجنود القطريون بتدريب عالٍ، وقد مرّت الأسلحة القطرية البرِّية والبحرية والجوِّية بتغيُّرات وتطوُّرات ملحوظة.
» سلطنة عمان: (ترتيبها 77 من 126 دولة) قوات الخط الأول 72.000 رجل/ الاحتياط/ الدبَّابات 191/ الآليات المدرعة 950/ المدافع المتحركة 15/ المدافع المسحوبة 168/ راجمات الصواريخ 12/ الطائرات 109/ طائرات القتال الاعتراضية 17/ طائرات القتال الهجومية 27/ طائرات النقل 55/ طائرات التدريب 22/ طائرات الهليكوبتر 45/ القوة البحرية 16 قطعة/ كورفيت 5/ وحدات خفر السواحل 8[5].
» دولة الإمارات العربيَّة المتحدة: (ترتيبها 58 من 126 دولة) قوات الخط الأول 65.000 رجل/ الدبَّابات 545/ الآليات المدرعة 2204/ المدافع المتحركة 177/ المدافع المسحوبة 105/ راجمات الصواريخ 54/ الطائرات 515/ طائرات القتال الاعتراضية 96/ طائرات القتال الهجومية 209/ طائرات النقل 160/ طائرات التدريب 160/ طائرات الهليكوبتر 199/ طائرات الهليكوبتر الهجومية 30/ القوة البحرية 75 قطعة/ الكورفيت 2/ وحدات خفر السواحل 12/ كاسحات الألغام 2[6]. وقد عزّزت الإمارات في السنوات الأخيرة صفقاتها العسكريَّة بشكل كبير جعلها تحتلّ مرتبة عالية عالَميًّا ضمن أكبر الدول إنفاقًا على تحديث جيشها.
فالميزان العسكريّ بين دول الخليج العربية وإيران مثلًا -وهي أقرب تَحَدّ استراتيجي لدول الخليج العربية- لا يُظهِر تفوُّقًا طاغيًا لطهران يبرِّر ظهورها بخلفية يملَؤها الغرور والغطرسة والتطرُّف، بل إن مقارنة قدرات القوة العسكريَّة لدول مجلس التعاون الخليجيّ بتلك الخاصَّة بشركاء واشنطن العسكريّين من أوروبا وآسيا، واستنادًا إلى عيِّنة من مقاييس تقاسم الأعباء العسكريَّة، تُظهِر أن دول الخليج العربية تأتي في مرتبة جيدة كشركاء عند مقارنتها بدول حليفة للولايات المتحدة مثل تركيا وبريطانيا وأستراليا وكوريا الجنوبية وتايوان وألمانيا[7].

الميزان العسكريّ بين دول مجلس التعاون وإيران (2014-2015م)[8]

المصدر: IISS, The Military Balance 2014, London: Routledge and IISS, Feb 2014.

بل إن دول الخليج العربية تتفوق على إيران في مجالات القوة الجوِّية، والقوة البحرية، كما تتفوق على العراق بسيادة جوِّية مطلقة وقوة بحرية، بالإضافة إلى أن الجيش العراقي الرسمي في حالة يُرثَى لها، كما تتفوق على اليمن بميزان القوة العسكريَّة.

» التعامل العسكريّ الخليجيّ مع التفاعلات الإقليمية
رغم أن واقع العلاقات الفعلي في البيئة الإقليمية المحيطة بالخليج العربيّ خلال العقود الثلاثة الماضية هو أجواء الحرب، وأن السلم التامّ لم يكُن إلا لحظة مؤقَّتة، فإنه يمكن أن يعود ذلك إلى حيوية التفاعلات الإقليمية بحيث تطفو على السطح التناقضات الموجودة فيه. وربما لغياب القوة العسكريَّة المهيمنة، أو ربما -كما نريد أن نعتقد- لنجاح الخليجيّين في فرض استقرار سياسي ولو هشّ نسبيًّا جَرَّاء تدابير سياسية واقتصادية ناجحة، ويمكننا القول إن دول الخليج العربية قد أحسنت التدبُّر مِمَّا حال دون استثمار حالة الفوضی في جوارها الإقليمي إلى أقصى مداه من أطراف عدة، وكان من ضمن تعامُل دول الخليج العربية مع التفاعلات العسكريَّة أنها كانت جزءًا من هياكل عسكريَّة كثيرة ومناورات وتمارين تعبوية في الإقليم.
الخليج في الهياكل الدفاعية
كانت دول الخليج -ولا تزال- جزءًا من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضدّ تنظيم “داعش” منذ سبتمبر 2014، بل إن أول مَن طالب بإنشاء هذا التحالف هو دول الخليج، عبر مناشدة المغفور له الملك عبد الله بن عبد العزيز للعالَم لقتال التنظيم، حين حذّر الغرب وناشد بالمسارعة والتدخل في محاربته[9]، كما كانت دول الخليج داعمة للهياكل العسكريَّة المعتدلة الساعية لوقف غطرسة النِّظام السوري. ودول الخليج العربيَّة هي العمود الفقري للتحالف العربيّ المشترَك لإعادة الشرعية في اليمن من أيدي القوات الصالحوثية، كما أن مُعظَمها جزء من مبادرة إسطنبول، وجزء من قوات الواجب البحري الدولي.
المناورات والتمارين العسكريَّة
المناورات أو التمارين في الفقه العسكريّ هي الفكر العسكريّ، والفكر العسكريّ هو كل ما يخطر من حلول مستحدثة أو تحليلات للوقائع والأحداث في ميدان المعركة، فتنفيذ المناورات في هذه الحالة هو قفز للمستقبل ووضع حلول لمعضلات عسكريَّة راهنة. ففي منتصف فبراير 2016 عقدت القوات الجوِّية التركية والسعودية مناورات مشترَكة لخمسة أيام، شاركت فيها 6 طائرات حربية سعودية عبر قاعدة “أنجرليك” في تمرين لمواجهة تنظيم الدولة، في إطار التحالف الدولي[10]. ثم مهّدت مناورات «رعد الشمال» التي عُقدت على مدى 18 يومًا في مطلع مارس 2016م فرصة جمع الهياكل العسكريَّة كافَّةً، من “درع الجزيرة” إلى للتحالف الدولي إلى التحالف العسكريّ الإسلامي إلى القوة العربيَّة المشترَكة، فحُشد لهذه المناورة الضخمة أكثر من 350 ألف عسكريّ، بمشاركة أكثر من 2500 طائرة، منها 500 هليكوبتر هجومية، إضافةً إلى عشرين ألف دبَّابة. وهذه المناورة التي تمَّت برًّا وبحرًا وجوًّا كانت ثاني أكبر حشد بعد “عاصفة الصحراء” عام 1991، من حيث عدد القوات المشاركة واتساع منطقة التدريبات. وركّزت على تدريب القوات على التعامل مع القوات غير النِّظامية والجماعات الإرهابية، وأثبتت جدارتها في التنسيق عالي المستوى على الرغم من اختلاف اللغات والـمُعَدَّات العسكريَّة وأنظمة التشغيل، كما أثبتت دول الخليج العربية أنها شريك حاسم للأمن في الشرق الأوسط[11]. وفي مارس 2016م شاركت الإمارات مع القوات البحرية لمصر والولايات المتحدة في تدريب عسكريّ في البحر الأحمر، بتمرين “تحية النسر 2016″، وتضمن أعمالًا قتالية بحرية مشترَكة، واستطلاعًا بحريًّا، والتعامل مع الأهداف المعادية. وفي أبريل 2016م استضافت الكويت مناورات لإزالة الألغام البحرية مع الأسطول الأمريكي الخامس، كما جرى التدريب الجوِّي المصري-الكويتي المشترَك «اليرموك-2»، وكان من فاعلياته تخطيط وإدارة أعمال قتال مشترَكة.
انتهت مناورات الربيع في الخليج، لكنها لم تنتهِ في الخارج، ففي منتصف أغسطس 2016 شاركت السعودية والإمارات في المناورات الجوِّية الأمريكية “العلم الأحمر – Red Flag”، وهو تمرين جوِّي قتالي متقدِّم امتدّ لأسبوعين، واشتمل على كيفية التخلُّص من صاروخ “إس 300” الروسي لدي إيران. ثم بدأت مناورات الخريف، فعقدت البحرية الكويتية في سبتمبر 2016م تمرينًا مع قطع من البحرية الأمريكية، شهد نجاح القوات البحرية الكويتية في كبح “تطفُّل” زوارق إيرانيَّة دخلت منطقة المناورات[12]، وفي أكتوبر 2016م نفّذَت وحدات من القوات الخاصَّة السعودية مناورات عسكريَّة مشترَكة مع نظيرتها الفرنسية، حملت عنوان “سانتول”، وركّزت في فاعلياتها على مهامّ القوات الخاصَّة والتعايش في ظروف قريبة إلى الواقع.
كما نفّذَت قوة دفاع البحرين والأسطول الشرقي السعودي فاعليات التمرين الثنائي “جسر-17″، الذي ضمّ عددًا من القطع البحرية الحربية، وقوارب الإسناد، ومجموعة من الطائرات العمودية، وعددًا من المجموعات المقاتلة، وهدف التمرين إلى تحقيق التنسيق والتعاون والتكامل بين الطرفين في مجال الأسلحة البحرية. ثم نفّذَت البحرية السعودية في نفس الشهر مناورات “درع الخليج-1” في مياه الخليج العربيّ وبحر العرب ومضيق هرمز، وكانت الأضخم للبحرية السعودية، وتَضَمَّنَت الحروب الجوِّية والسطحية والحرب الإلكترونية وحرب الألغام، بالإضافة إلى عمليات لمشاة البحرية ووحدات الأمن البحرية الخاصَّة والرماية بالذخيرة الحَيَّة، وهدفت إلى رفع جاهزية القوات البحرية. وقد صاحبها تصريحات عدائية للحرس الثوري الإيرانيّ، فقد كانت هذه المناورات خطوة ذكيَّة لنقل المعارك خارج الأراضي السعودية، وإلى مياه إيران، إن لم يكُن في أراضيها، وهو استمرار لنهج الحزم العسكريّ، كما كانت إيران قلقة من تكرار التمرين وانضمام دول الخليج إليه، مِمَّا يخلق توازُنًا بحريًّا يُخِلّ بحسابات إيران، فلا تتفوق إيران على دول الخليج بحريًّا بفارق كبير، حسبما يتضح من الجدول السابق، فعدد قطع البحرية الإيرانيَّة 289 قطعة، مقابل 258 قطعة للخليج، في حين تتفوق السعودية بفرقاطات الشبح، مقارنةً بفرقاطات السبعينيات الإيرانيَّة التي ليس لها غطاء جوِّيّ، فهي تغامر خارج مياهها الإقليمية. بالإضافة إلى خوف إيران من أن تدخل السعودية بقواتها البحرية درجة ما يُسَمَّى «بحرية المياه الزرقاء Blue-Water Navy»، لكونها تملك قدرة على إبراز قوّتها بمناورات بعيدة عن قواعدها، والاستجابة السريعة للأزمات الإقليمية، فالسعودية ثالث أقوى قوة بحرية في الشرق الأوسط بعد تركيا وإسرائيل[13]. وفي 17 أكتوبر نفّذت القوات البرِّية القطرية تمرين «نصر 2016» على 3 مراحل، في المرحلة الأولى كان تدريب مجنَّدي الخدمة الوطنيَّة والاستعدادات الإدارية، وتضمنت المرحلة الثانية التدريب على الرماية، ثم الرماية بالذخيرة الحية في اليوم الختامي بالدبَّابات والمشاة والمدفعية وأسلحة الإسناد.
وعليه فقد أظهرت خريطة المناورات الخليجيَّة في موسم الربيع التدريبي والخريف كثافة تَحرُّك دول الخليج لعرض القوة ورفع الجاهزية وإيصال الرسائل المطلوبة كشكل من أشكال تعاملها مع التحدِّيَات.
-التحدِّيَات العسكريَّة
دُونَ وجود توازُن استراتيجي أو تفوق مُطلَق، لن تتوقف البيئة الإقليمية عن إفراز عديد من التحدِّيَات لدول مجلس التعاون الخليجيّ، مِمَّا يهدِّد موقفها السياسي، ويدفع إلى تراجُع دورها الإقليمي إلى مَا دون نقطة الصفر حتى التوغُّل في السلبية، ومن تلك التحدِّيَات:
» التدخُّلات الإيرانيَّة المستمرة:
اتَّخَذَت تدخُّلات النِّظام الإيرانيّ في شؤون دول الخليج أبعادًا غيرَ مسبوقةٍ وعلنيَّةً في الوقت ذاته، فقد أعلن -ويعلن- النِّظام الإيرانيّ صراحةً عن تدخُّلاته في الشؤون الداخلية للعراق ولبنان واليمن وسوريا. لذلك حوّل الخليجيُّون تركيزهم من مبدأ تَجَنُّب النزاع إلى استراتيجية ردع التوسُّعات الإيرانيَّة، خصوصًا أن قدرات الخليجيّين تزداد جرَّاء النُّضج المستمرّ الذي تشهده مؤسَّسات دول الخليج العسكريَّة من ناحية، والتغييرات التكنولوجية التي عظَّمَت من قوتها وقلّلت من نقاط ضعفها[14]. ومن أشكال الأخطار الإيرانيَّة العسكريَّة المناورات العسكريَّة الإيرانيَّة للحرس الثوري بكل فروعه في مياه وسماء الخليج، إذ أظهرت تلك المناورات عدم الاستقرار لكونها تُدار بفلسفة استفزازية أكثر من التمرينات التي ينفّذها الجيش النِّظامي الإيرانيّ ووحداته الأخرى، كما أن من مؤجِّجات الصراع الإيرانيَّة تجارِبهم الصاروخية لتعويض ضَعْف القوة الجوِّية الإيرانيَّة، وإظهار أسلحة جديدة كل عام، فقد كان من تبعات هذا الإجراء انتقال هذه الصواريخ إلى مسارح العمليات في يد الحشد الشعبي والحوثيين في اليمن، وقوات الأسد في سوريا. كل ذلك في مجال الأسلحة التقليدية، في حين يقف المشروع النووي الإيرانيّ كخطوة للتسلُّح النوويّ وانهيار التوازن الاستراتيجي على ضَفَّتَي الخليج، مما يعني توغُّل التدخُّلات الإيرانيَّة وتنفيذ مشروع التمدُّد والهيمنة وفرض النفوذ.

» خطر الهياكل العسكريَّة الهجينة:
تضمّ الهياكل العسكريَّة الهجينة “داعش” والحوثيين والحشد الشعبي، التي تشكِّل نزعات التطرُّف والإرهاب وقود تَحرُّكها، فقد تَعرَّض بعض دول الخليج لأعمال إرهابية من “داعش”، واستهدفت زعزعة استقرارها، في حين يعيث الحشد الشعبي فسادًا في العراق تحت رايات طائفية تستهدف المكوِّن السُّنِّي هناك، بل وتتوعدنا، وتهدِّد مكوِّنات البيت الخليجيّ عبر شَقّ صف وحدته الوطنيَّة ونسيجه المجتمعي. كذلك مثَّل الحوثيون دور الخنجر في خاصرة الخليج والجزيرة العربيَّة بعد اغتصابهم السلطة في صنعاء، ولولا أن حالت “عاصفة الحزم” بينهم وبين قيام جمهورية الحوثيين الإسلامية لواصلوا زحفهم ممهّدين طريقهم بالاحتقان الطائفي.
» خطر الصراعات المحيطة بدول المجلس:
تحيط بدول الخليج بيئة إقليمية غير مستقرة، ففي سوريا اندلع القتال بين المعارضة والنظام المدعوم من القوات الإيرانية والروسية، فروسيا تريد استعراض قواتها لتعود إليها مكانتها كقوة عظمى، في ظل تراجع الدور الأمريكي، ولو عبر تحويل سهول سوريا ومُدُنها إلى ميدان رماية لتجريب الأسلحة الروسية، فإحياء زمن الحرب الباردة هو الهيكل الوحيد الذي يعيد موسكو إلى الواجهة. وفي العراق تبع رجال المنطقة الخضراء غير الأكفاء خطوات قاسم سليماني قائد فيلق القدس، الذي سوَّقَته طهران لهم كمخلِّص من “داعش”، في صورة متعالية تقترب من “الميتافيزيقا” من أجل دعم الروح القومية الإيرانيَّة التي تحتاج إلى بطل، حتى وصل الأمر بهادي العامري، قائد الحشد الشعبي العراقي، إلى جعل قاسم سليماني المتصدي الوحيد لعدم سقوط بغداد، فلولا سليماني “لكانت حكومة حيدر العبادي في المنفى، ولَمَا كان للعراق وجود!”[15]. أما في اليمن فتخوض القوات الخليجيَّة معركة كبيرة، ويبدو أنها مضطرّة إلى لعب كل أوراقها، فلا خيار إلا أن تكسب رهان الحزم.
القوة العسكريَّة الخليجيَّة والتهديدات القائمة والمحتمَلة لتطوير وتهيئة القوة العسكريَّة الخليجيَّة لمواجهة المتغيِّرات، فعلى دول الخليج أن تنفّذ عدة إجراءات، أهَمُّها:
» في مجال الجاهزية يجب اتِّخاذ خطوات في مجالات الدفاع عن المناطق الاقتصادية والمياه الإقليمية والمواني، وحماية البنية التحتية، بتطوير الإنذار المبكِّر المشترَك والدرع الصاروخية المتكاملة. ويجب الاهتمام بإنشاء أكاديمية خليجيَّة للدراسات الاستراتيجية، وإنجاز القيادة العسكريَّة الموحَّدة، ومجلس الدفاع المشترَك، ومركز العمليات البحري الموحَّد، وتوحيد العقيدة القتالية.
» وفي مجال القوى البشرية تحتاج دول الخليج إلى ثورة في مجال التعزيز والتعويض والاحتياط، فيجب العمل على تأهيل أعداد كبيرة من ضباط الصف ذوي الكفاءة العالية، لتنفيذ مهامَّ عادةً ما يُكَلَّف بها الضباط، فبإمكان ضباط الصف لعب دور حيويّ، ومن الحكمة إعداد ضباط الصف وتطوير قدراتهم التعبوية لقيادة صغار الوحدات في الميدان، ليتفرغ الضباط لمهامِّهم القيادية والركنية. كما تدفع التحدِّيَات الإقليمية والمخاطر دول الخليج لتبنِّي نظام الخدمة العسكريَّة، لدعم الجيوش بعناصر بشرية وطنيَّة، فالأسلحة المتطورة تصعب إدارتها دون عناصر بشرية وطنيَّة متعلّمة تعليمًا لا يتوافر في المتطوعين عادةً، ولن يجلب هذه الفئة إلا قانون التجنيد الإلزامي الذي سيوفّر قوات احتياط.
» أما في مجال التسلُّح فيجب إيجاد آلية تنسيق موحَّدة للقُوَّات المسلَّحة بدول مجلس التعاون الخليجي لشراء الأسلحة والذخائر، بل وتطوير المجمع الصناعيّ الخليجيّ العسكريّ، فتحوُّلات مطلع القرن الحادي والعشرين لم تعُد تشير إلى حاجة دول الخليج العربية إلى الشراء، بل إلى دعم التصنيع العسكريّ والقفز به إلى أفق أعلى، إذ يمتلك أكثر من دولة خليجيَّة مجمعًا صناعيًّا عسكريًّا «Military-Industrial complex»، وقد ساعد على قيام تلك الصناعة توافر المال والعلاقات الجيدة بالدول المصنِّعة، وأيضًا لأن تكنولوجيا الدفاع لم تعُد حكرًا على الغرب، كما أن مصر والعراق وسوريا التي كانت منتجة للسلاح تمرّ بأزمات، فتراجعت صناعتها، في حين تقدمت في دول الخليج، بالإضافة إلى انتقال دول الخليج العربية من مرحلة التهديد إلى مرحلة الدخول في الحروب مباشرةً، كما أن السعودية لديها الهيئة العامة للصناعات الحربية منذ 1982، وفي الإمارات تَحوَّل معرض الدفاع الدولي «آيدكس» في أبو ظبي إلى نافذة تعرض منتجات عصب المجمع الصناعيّ العسكريّ الإماراتيّ.
إجمالًا يمكننا القول بثقة إن القوة العسكريَّة الخليجيَّة على المستوى الوطنيّ، أو ضمن الأمن الجماعي الخليجيّ، تتمتع بجاهزية عالية وبقدرة على تطوير نفسها للوصول إلى حالة استعداد تكفي للوقوف في وجه من يعكِّر أمن الخليج.

المصادر

[1]http://www.globalfirepower.com/country-military-strength-detail.asp?country_id=saudi-arabia.
[2]http://www.globalfirepower.com/country-military-strength-detail.asp?country_id=kuwait
[3]http://www.globalfirepower.com/country-military-strength-detail.asp?country_id=bahrain
[4]http://www.globalfirepower.com/country-military-strength-detail.asp?country_id=Qatar
[5]http://www.globalfirepower.com/country-military-strength-detail.asp?country_id=oman
[6]http://www.globalfirepower.com/country-military-strength-detail.asp?country_id=united-arab-emirates
[7]مايكل نايتس: الارتقاء إلى مستوى التحدِّي الإيرانيّ: القدرات العسكريَّة لدول “مجلس التعاون” والتعاون الأمني الأمريكي، معهد واشنطن، يونيو 2013. http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/rising-to-irans-challenge-gcc-military-capability-and-u.s.-security-coopera
[8]صالح المانع: التوازن الخليجيّ-الإيرانيّ بعد التخفيف العسكريّ الأمريكيّ: التحدِّيَات والبدائل، مجلة آراء حول الخليج، العدد 113. http://araa.sa/index.php?view=article&id=3611:2015-12-28-07-45-26&Itemid=172&option=com_content
[9]https://ar.wikipedia.org/wiki/.العمليات_العسكريَّة_على_داعش.
[10]مناورات جوِّية سعودية تركية مشترَكة، الجزيرة.نت، 16 فبراير 2016م http://www.aljazeera.net/news/international/2016/2/16/مناورات-جوِّية-سعودية-تركية-مشترَكة.
[11]ميدل إيست أونلاين، 21 مارس 2016م، http://www.middle-east-online.com/?id=220808.
[12]”بحرية الكويت” تطرد زوارق إيرانيَّة أعاقت تمرينًا عسكريًّا، الخليج أونلاين، 2 سبتمبر 2016م. http://alkhaleejonline.net/articles/1472794604703601800/بحرية-الكويت-تطرد-زوارق-إيرانيَّة-أعاقت-تمرينا-عسكريّا/
[13]ظافر محمد العجمي: درع الخليج 1 ونوارس بر فارس، 5 أكتوبر 2016م. http://kw.derwaza.cc/home/Details?id=57fdcf128c4253c260f6d33f_2
[14]مايكل نايتس، الارتقاء إلى مستوى التحدِّي الإيرانيّ: القدرات العسكريَّة لدول “مجلس التعاون الخليجيّ” والتعاون الأمنيّ الأمريكيّ، معهد واشنطن، يونيو 2013. http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/rising-to-irans-challenge-gcc-military-capability-and-u.s.-security-coopera
[15]محمد برهومة، أسطرة قاسم سليماني.. غموض يخدم دور إيران ونواياها الباطنيَّة، بوابة أخبار العين، 31 ديسمبر 2015م، https://al-ain.com/article/36426

د. ظافر محمد العجمي

المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

إرسال التعليق