ما الذي دفع أنقرة لإعادة تطبيع العلاقات مع بغداد؟

فتح الاتصال الأخير للرئيس التركي رجب طيب أردوغان برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، باب التساؤل واسعا حول التغير التركي المفاجئ حيال العراق بعد فصل من المناوشات اللفظية بين الجانبين.

وتوترت علاقات البلدين على خلفية تواجد جنود من الجيش التركي بمعسكر في بلدة بعشيقة قرب الموصل، وفيما تقول أنقرة أن مهمتهم تدريب مقاتلين من سكان محافظة نينوى لقتال تنظيم الدولة، فإن بغداد تعتبرهم “قوات احتلال” وطالبت بسحبهم.

وبرأي محللين سياسيين، فإن تحول تركيا يعد بمثابة العودة إلى سياسة تصفير الأزمات مع دول الجوار، فيما اعتبرها آخرون أنها جاءت بعد تطمينات قدمتها بغداد حيال إبعاد الحشد الشعبي عن المشاركة في اقتحام المدن في محافظة نينوى.

وقال المحلل السياسي التركي أوكتاي يلماز في حديث لـ”عربي21″، إن من المفيد لتركيا أن تحسن علاقتها مع دول الجوار، لأنها لم تكن بالأصل الطرف الذي تسبب بهذه الأزمة، وإنما هي تريد فقط مكافحة الإرهاب والمخاطر التي تهدد أمنها.

وقدمت تركيا مساعدات للعراق لمكافحة الإرهاب، يضيف يلماز، وأن تنظيم الدولة يهدد الجميع، لذلك فإن تركيا لا تريد أن تكون علاقتها سيئة خاصة مع الأزمتين في سوريا والعراق لأنها تهدد أمنها وهي تسعى لحل هذه الأزمات قدر الإمكان.

خطر الحشد الشعبي

وعلى صعيد خطر مليشيات الحشد الشعبي التي حذرت منها تركيا في وقت سابق، قال يماز أن تركيا مازالت تحذر من هذه الكيانات الطائفية، ولولا الحشد العسكري التركي على الحدود وتأكيد استعدادها التدخل في حال ارتكبت هذه المليشيات المجازر، لكان ربما وقع المحظور.

ولفت إلى أنه لا يوجد هناك أي طرف آخر غير تركيا يحاول منع هذه المجاميع من ارتكاب مجازر بحق المدنيين في شمال العراق، ومازالت تركيا تحذر العراق من خطورة هذه الكيانات، وهناك تطمينات من حكومة بغداد بعدم دخول هذه التنظيمات إلى المدن وتبقى مهمتها محاصرة المدن ومساعدة الجيش العراقي.

وأعرب المحلل السياسي التركي عن اعتقاده بأن تشهد المرحلة المقبلة مزيدا من التقارب التركي العراقي، كاشفا عن زيارة مرتقبة سيجريها رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إلى بغداد.

وأشار إلى أن يلدريم سيلتقي القادة العراقيين، مشددا على وأن تركيا مع إزالة خطر تنظيم الدولة، وكذلك فإن الحكومة العراقية ستعود إلى الاعتدال أكثر وستخفف من نهجها الطائفي، لأن النهج الطائفي يدفع الطرف الآخر إلى تشدد أكثر.

وفي المقابل، قال أستاذ العوم السياسية ريبوار عبد الله في حديث لـ”عربي21″ إن تخوف تركيا من وجود قواعد لحزب العمال الكردستاني في جبل سنجار شمال العراق، دفع أنقرة لنشر قوات عسكرية في العراق مردة فعل لمواجهة الحزب.

ولفت إلى أن التعامل الرسمي التركي مع إقليم كردستان في ملف النفط كان له الأثر السلبي في العلاقات بين بغداد وأنقرة، وأن حكومة العبادي أبدت مخاوفها من ذلك التعامل، وهذا كان أحد أسباب التوتر.

معطيات إقليمية جديدة

وبشأن التغير التركي المفاجئ حيال الحكومة العراقية، قال عبد الله، إن هناك عوامل على الصعيد الإقليمي قد طرأت وأصبحت هناك معطيات جديدة يقرا من خلالها إعادة وجهة النظر التركية إلى مسارها الطبيعي تجاه العراق بشكل عام.

وأعرب المحلل السياسي الكردي عن اعتقاده بأن تكون حكومة بغداد قد أبدت عدم رضا لتواجد العمال الكردستاني على أراضيها، وكذلك فإن التقارب روسيا وتركيا وإيران، في الملف السوري وتوجه تركيا نحو “أوراسيا”، كل ذلك ولد قناعة لدى القادة الأتراك بضرورة تطبيع العلاقات بين أنقرة وبغداد.

وأوضح، إن ذلك التقارب يتطلب من تركيا غلق ملف التوتر مع العراق، لأنها منشغلة في الملف السوري أكثر، لأن الموضوع السوري جدا شائك وهي تتصرف عسكريا بشكل مباشر بالداخل السوري، وهذا يتطلب من تركيا بمراجعة نفسها في العلاقة مع بغداد.

ولم يستبعد عبد الله، أن تكون تركيا قد تعرضت إلى ضغوطات “روسية- إيرانية” للتقارب مع بغداد، ضمن إطار التفاهمات في الملف السوري، مشددا على أنه ليس من المنطق أن تدخل تركيا في أزمة مع العراق الذي يعتبر دائرة نفوذ لإيران، وكذلك تربطه علاقة متميزة مع روسيا.

من جهته، علق رئيس الحزب الإسلامي العراقي أياد السامرائي، الاثنين، على التحول في الموقف التركي بالقول، إنه يمثل انعطافة ايجابية ويعبر عن نظرة عملية تحسن تقييم الوقائع وإعادة النظر في السياسات.

وتلقى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الجمعة، اتصالا هاتفيا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هنأ فيه الأخير الرئيس بالانتصارات التي تحققها القوات العراقية ضد تنظيم الدولة في عمليات الموصل، بحسب لمكتب العبادي.

وتتطلع تركيا بحسب قول أردوغان إلى نصر عراقي قريب جدا في الموصل و ستكون رسالة لمن يريد استهداف العلاقات الأخوية بين البلدين مؤكدا أهمية الاستمرار بمكافحة المنظمات الإرهابية في العراق وسوريا عبر التكاتف والتعاون، وفق البيان

إرسال التعليق