العَلاقات الإيرانية-الكورية الشمالية.. المحدِّدات والمخاطر

العَلاقات الإيرانية-الكورية الشمالية.. المحدِّدات والمخاطر
المقدّمة
شهِـَدت العَلاقات الإيرانية-الكورية الشمالية، هدفًا ومضمونًا ومحتوًى، تناميًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة على مستوى الزيارات المتبادَلة، السرية والعلنية، وتنسيق المواقف السياسية تجاه القضايا الإقليمية والدولية بشكل يخدم سياسات التعاون الثنائي المشترك في مجالات الطاقة النَّوويَّة على نحو يستحقّ الدراسة والتحليل، لِمَا لهذا التعاون الخطير من انعكاسات سلبية على حالة الأمن والسلم الإقليمي والدولي معًا بامتلاك الدولتين أوراقًا وكروتًا للضغط السياسي تخدم تطلُّعاتهم وطموحاتهم النَّوويَّة، لا سيما المطامع الإيرانية ومخطَّطاتها التوسُّعية على حساب جاراتها العربية والخليجية، بخلاف التطلُّعات الكورية الشمالية لحماية النظام ذاته.
وتدور هذه الدراسة حول بيان آثار وانعكاسات تنامي العَلاقات الإيرانية-الكورية الشمالية في مجالات الطاقة النَّوويَّة على الوضع الإيراني إقليميًّا لتنفرد بالميزان الاستراتيجي لصالحها، وتنفذ مخطَّطها التوسُّعي بقوة ودأَب على الأرض في العراق وسوريا واليمن، ودوليًّا لتخلق نوعًا من التوازنات الدولية، بخاصَّة مع القطب الأوحد الولايات المتحدة، لصالح استكمال برنامجها النَّوويّ، رغم توقيعها الاتفاق النَّوويّ مع مجموعة “5+1″، وانعكاسات ذلك على حالة الأمن الإقليمي والخليجي معًا، إذ لم تفتأ تتوالى في تهديداتها العلنية لأمن تلك الدول وسيادتها ولحمتها، وأيضًا بيان حقيقة الدور الأمريكي تجاه البرنامجين الإيراني والكوري الشمالي، ومساعي القيادتين الإيرانية والكورية في استكمال برامجهما النَّوويَّة بعلم أمريكي كشفته وثائق عديدة رغم توقيع الاتفاقات النَّوويَّة لوقف برامجهما النَّوويَّة، ومؤشِّرات حقيقة هذا الدور الأمريكي ودلالاته وتجلياته في دائرة الأمن الإقليمي الشرق أوسطي، ثم بيان مستقبل الاتفاق النَّوويّ حال وصول رئيس أمريكي إلى سُدَّة الحكم يناير 2017.وانطلاقًا ممَّا سبق، ستنقسم هذه الدراسة إلى أربعة أجزاء، يدرس الأول حـجم العَـلاقات الكـورية الشمالية-الإيرانية وتوصيفها، ويتناول الثاني محدِّدات العَـلاقات الإيرانية-الكـورية الشمالية جرَّاء تشابُه النظامين السياسيَّين الحاكمَين في طهران وبيونغ يانغ، وإدراك الميزة الاستراتيجية للأسلحة النَّوويَّة كـقوة رادعة، والسياسة الأمريكية تجاه الـدولتين، والرغبة المتبادَلة في تدشين “تحالف مضادّ” لتحالف “واشنطن-سيول-طوكيو، بينما يتطرق الثالث إلى مخاطر التعاون العسكري الإيراني الكوري المتصاعد على الأمن الإقليمي والخليجي، ويستشرف الرابع والأخير مستقبَل الاتفاق النَّوويّ الإيراني بوصول رئيس أمريكي جديد إلى البيت الأبيض، وأخيرًا نتائج الدراسة وتوصياتها.

أولًا: حـجم العَلاقات الكورية الشمالـية-الإيرانية
وَفْقًا لأدبيات العَلاقات الدولية الاستراتيجية، تُصَنَّف العَلاقات الإيرانية-الكورية الشمالية ضمن عَلاقات “الشراكة الاستراتيجية الدولية ذات الطابع العسكري”، وترتكز على التعاون المشترك في بناء منظومة تَسلُّح متطورة صاروخية ونوويَّة (قنابل ذرية، قنابل نيترونية، قنابل هيدروجينية)، ونقل الخبرة والموادّ الضرورية لإنتاج اليورانيوم والموادّ الذرية داخليًّا والمواجهة المشتركة للتهديدات والضغوط الإقليمية والدولية الساعية لإجهاض برامجها النَّوويَّة خارجيًّا، وتقارب الدولة (أ) من حلفاء الدولة (ب)، والدولة (ب) من حلفاء (أ)، مقابل الابتعاد عن الخصوم”، وتعـود العَلاقات بين البلدين إلى فترة الحرب الإيرانية-العراقية (1980-1988) بتبنِّي بيونغ يانغ سياسة “كسر الحظر” المفروض على بيع الأسلحة لطهران، وتزويدها بالمعدات الحربية المطلوبة ردًّا على الهجمات العراقية الصاروخية في أثناء الحرب، لتتحول بعدئذ إلى المزوِّد الرئيسي للأدوات الأساسية الخاصَّة بإنتاج الصواريخ لإيران، فضلًا عن تزويدها بأدوات تُستخدم في البرنامج النَّوويّ، منها الموادّ الضرورية لإنتاج اليورانيوم، وأجهزة الطرد المركزي(1).
وما إن القت الحرب أوزارها حتى تَبَنَّت إيران سياسة “الاعتماد على الذات” في امتلاك قدرة مستقلَّة على تطوير الصواريخ وإنتاجها، بتدشين بنية تحتية صناعية كُبرَى في مجال التسلُّح العسكري التقني تفاديًا لأي ضربات صاروخية عراقية جديدة، وامتلاكها منظومة صواريخ جوِّية متقدمة وَفْقًا لـ”استراتيجية القوة الرادعة”. وبادرت كوريا الشمالية على وجه السرعة إلى مساعدة طهران في بناء منظومة صواريخ متقدمة لمجابهة التحديات الإقليمية وتعميق الشراكة الاستراتيجية من خلال إرسالها الخبراء العسكريين والمعدات الضرورية لإنتاج الصواريخ ونقل الخبرة للعسكريين الإيرانيين، وتبلورت مساندتها للإيرانيين في ما يلي(2):

(1) بناء مواقع تخزين تحت الأرض لمنظومة الصواريخ الحربية الموجهة أرض-جو.
(2) تطـوير قـدرات المخازن الكبـرى للصواريخ الباليستية والمضادَّة للصـواريخ الباليستية.
(3) إنتاج منظومة صواريخ “سكاد بي” (شهاب1 و2) وتطوير صاروخَي “شهاب 3و4” يبلغ مداها 1500.
وقد شهد العقد الأول من الألفية الجديدة في خضمّ أزمة البرنامج النَّوويّ الإيراني مع الغرب تطوُّرات في العَلاقات بين البلدين، فلم تكتفِ السُّلُطات الإيرانية بقدرات منظومات الصواريخ المشار إليها سلفًا، وتطلعت إلى منظومة صواريخ بمدًى أكبر، وعلى الفور زوّدت بيونغ يانغ السُّلُطات الإيرانية بـ19 صاروخ “بي إم 25” متطورًا يبلغ مداه 2000 كم، وتطويرها نسخة متقدمة من الصواريخ البحرية “سي-802” أرسلتها إلى إيران(3).

وبمجيء العقد الثاني من الألفية الجديدة واشتعال أزمة البرنامج النَّوويّ بين إيران والغرب وتوالي التقديرات على توجيه الغرب وإسرائيل ضربة عسكرية استباقية لإجهاض البرنامج النَّوويّ الإيراني قبيل توقيع الاتفاق النَّوويّ مع مجموعة دول “5+1” في يونيو 2015، ضربت إيران القرارات والمطالبات الدولية بوقف تخصيب اليورانيوم والحصول على الموادّ النَّوويَّة من حلفاؤها الدوليين عُرْض الحائط، إذ شهد هذا العقد الذي انفرط أكثر من نصف سنواته تطوُّرات جديدة تعكس متانة العَلاقات بين البلدين رغم الإنذارات الدولية لهما بوقف تخصيب اليورانيوم والحدّ من الأنشطة النَّوويَّة، فعلى هامش قمَّة عدم الانحياز بطهران سبتمبر 2012 أبرمت الدولتان “اتفاق التعاون العلمي” وتَعهَّدَتا بدعم جبهتهما الموحَّدة ضدّ الولايات المتحدة وإسرائيل، وقال الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد: “تمامًا مثل الحال مع كوريا الشمالية، يفرض المستعمرون أيضًا ضغوطًا سياسية على إيران لأنهم لا يريدون أن تبقى هاتان الدولتان مستقلتين قويتين”(4)، وهو ما أثار مخاوف أمريكية من احتمالية أن يشمل الاتفاق برامج التعاون النَّوويّ والصاروخي بين البلدين، ورفع قدرات إيران إلى مستوى التخصيب بما يؤهِّلها لصنع قنبلة نوويَّة، وأعاد إلى أذهانهم بناء بيونغ يانغ مفاعلًا لإنتاج البلوتونيوم بشكل سرِّي في شرقيّ سوريا 2002(5).
ولم يقتصر الأمر على تطوير منظومة الصواريخ ونقل الموادِّ النَّوويَّة الضرورية لإيران لإنتاج اليورانيوم، بل امتدّ ليشمل تدريب العسكريين والخبراء الإيرانيين على إجراء “التجارب النَّوويَّة” لِمَا صُنّع من أسلحة صاروخية ونوويَّة، ففي فبراير 2013 حضر خبراء نوويون إيرانيون إجراء “ثالث اختبار نووي” لكوريا الشمالية للاستفادة من الخبرة الكورية في إجراء التجارب كعمل من أعمال الدفاع الذاتي ضدّ التهديدات الخارجية(5)، وبالتزامن مع توقيع مجموعة “5+1” الاتفاق النَّوويّ المبدئي في نهاية أبريل 2015، وقُبَيل توقيع الاتفاق النهائي في 30/7/2015، وفي مؤشِّرات تعكس استمرارية دعم بيونغ يانغ لطهران عسكريًّا وعدم جدية والتزام الاخيرة بأي اتفاقات تخصّ برنامجها النَّوويّ، واستمرارية استيراد الموادّ النَّوويَّة الضرورية من كوريا الشمالية، تأتي التأكيدات والزيارات المتتالية للوفود والمسؤولين الكوريين لإيران:

(1) زيارة الوفد الكوري المكوَّن من 7 خبراء معنيين بإجراء التجارب النَّوويَّة والرأس الحربي النَّوويّ ومنظومة توجيه الصواريخ الباليستية ثلاث مرات لإيران في الفترة يناير-أبريل 2015.
(2) زيارة وزير الخارجية الكوري الشمالي ري سو يانغ لإيران في منتصف يونيو 2015 والاتفاق على بناء مواقع مختبرات مشترَكة وعمليات للتبادل العلمي والتكنولوجي(6).
(3) تأكيد جهاز الاستخبارات الأمريكي في 14/7/2016 لموقع واشنطن (Free Beacon) أن إيران خالفت قرارات الأمم المتحدة والاتفاق النَّوويّ مع مجموعة “5+1” وتَسلَّمَت شحنتين من مكوِّنات الصواريخ من كوريا الشمالية، وأن “الرئيس باراك أوباما تَسلَّم تقارير بهذا الشأن ولكن امتنع عن إبلاغ اللجنة الأممية المكلَّفة بمراقبة خرق الاتفاق”.
وقد اكتملت علاقة “الشراكة الاستراتيجية” بتأكيد البلدين عام 3013 الوقوف معًا حال توجيه واشنطن أي ضربات استباقية مُحتمَلة لأي منهما، فقد صرَّح نائب رئيس أركان القوات المسلَّحة الإيرانية السابق اللواء مسعود جزائري بأن بلاده “ستقف إلى جانب بيونغ يانغ وتدافع عنها في مواجهتها مع واشنطن”، مضيفًا: “الأمريكان وحلفاؤهم سيتلقَّون خسائر بشرية لا تُحصَى، وسيبلغ عدد ضحاياهم آلافًا”، كما صرحت بيونغ يانغ بالوقوف بجوار طهران حال توجيه ضربة إجهاض أمريكية-إسرائيلية إلى برنامجها النَّوويّ(7).
وقد امتدَّت العلاقة الاستراتيجية بين البلدين لتشمل حلفاء إيران الإقليميين من جانب كوريا الشمالية وتعزيز العلاقة مع حلفاء كوريا الشمالية الإقليميين من جانب إيران، مقابل ترَدِّي العَلاقات الكورية الشمالية مع عديد من الدول العربية الرافضة للتوغُّل والتوسُّع الإيراني على حساب أمنها واستقرارها، وهو ما يفسِّر وجود خمس سفارات عربية فقط في كوريا الشمالية: مصر، واليمن، وفلسطين، وسورية، والجزائر. وفي هذا السياق(8):

(1) بالنسبة إلى سوريا: دعمت كوريا نظام الرئيس السوري “بشار الأسد” في بناء مفاعل نووي شرقيّ سوريا خلال عام 2003، وتدَّعِي واشنطن أن القصف الإسرائيلي للمفاعل السوري خلال عام 2007 ووفاة خبراء كوريين، كشف عن دور كوريّ شماليّ في بنائه.
(2) بالنسبة إلى حزب الله: درَّبَت كوريا نشطاء حزب الله، الوكيل الإيراني في لبنان، عسكريًّا، وفي بناء حواجز وملاجئ تحت الأرض، وتبين في حرب لبنان الثانية 2006 أن هذه النُّظُم تحت الأرض لعبَت دورًا مهمًّا في الجانب القتاليّ لحزب الله ضدّ إسرائيل، كما ساعدت الحزب في بناء قوَّته الصاروخية، فالصواريخ التي أطلقها الحزب في أثناء الحرب تجاه الأهداف الإسرائيلية كانت إيرانية التجميع كورية التصنيع(9).

ثانيًا: محدِّدات العَـلاقات الإيرانية-الكـورية الشمالية
يُقصَد بمحدِّدات العَلاقات بين وحدتين دوليتين مجموعة المتغيرات التي يمكن أن تشكِّل في النهاية السلوك السياسي الخارجي لأي منهما، وتؤثِّر على عَلاقاتهما الخارجية كلتيهما تجاه الأخرى إيجابًا أو سلبًا، ورغم وجود اختلاف في تصنيفها ما بين داخلية مرتبطة بطبيعة النظامين الحاكمين للدولتين، وخارجية كالمتغيرات التي تنشأ في البيئة المحيطة لأي منهما، والمتمثلة في طبيعة تفاعلات النظام الإقليمي وأنماطها، وطبيعة النظام الدولي السائد والدول القائدة فيه والتغيرات التي تطرأ عليه وأثرها على النُّظُم الإقليمية ووحداتها، فإنها تعطي طابعًا مميزًا وخاصًّا للسياسة الخارجية، إذ إن تفاعل هذه المتغيرات وتشابكها يؤدِّيان في النهاية إلى تشكيل نمط معيَّن من السلوك السياسي الخارجي، ومن ثَمَّ شكل العَلاقات الدولية بن الدولتين(10). وفي ضوء ما سبق ووَفْقًا لمعطيات وأُسُس التحليل العلمي للعَلاقات الدولية واتساقًا معها، سنتطرَّق إلى أبرز محدِّدات العَلاقات الإيرانية-الكورية الشمالية، على النحو التالي:
1- طبيعة النظامين السياسيين الحاكمَين في طهران وبيونغ يانغ:
يلتقي النظامان السياسيان الحاكمان في طهران وبيونغ يانغ في نقاط تماسٍّ، منها انتماء النظامين “الثيوقراطي” (الحكومة الدينية) في إيران و”الشيوعي” في كوريا الشمالية لما يُسَمَّى بـ”الحكم الشمولي” القائم على: “حكم الفرد” أو “حكم الأقلية”، من خلال اعتبار الحاكم مبعوثًا خاصًّا للعناية الإلهية، لا يخطئ ولا يمكن معارضته أو الخروج عليه، وتأتمر الجيوش بأمره، وتُعَدَّل القوانين حسب رغبته، ويتحدث الإعلام بما يريد. هذ الفرد أو الأقلية أو الحزب الواحد يستحوذ على فكرانية (آيديولوجية) يتسلح بها وتقود فاعلياته ويمنحها سلطة مطلقة، وتصبح مِن ثَمَّ الحقيقة الرسمية للدولة، ولنشر هذه الحقيقة تحتكر الدولة بنفسها وسائل القوة والقمع معًا، وتوجِّه وسائل الإعلام، من صحافة وإذاعة وغيرهما، كما تُخضِع النشاطات الاقتصادية وعناصر الإنتاج لسيطرتها، وتصبح جزءًا منها، وتكون هذه الآيديولوجية أيضًا محدِّدًا أصيلًا للسياسة الخارجية للدولة تجاه العالَم الخارجي مع عدم تجاهل الأبعاد الأخرى كالمصلحة القومية للبلاد، ولكن في مرتبة ثانية(11).
ففي إيران يهيمن “الوليّ الفقيه” الذي يتولَّى منصبه مدى الحياة بطريقة مباشرة وغير مباشرة على النظام السياسي بكامله، فهو إلى جانب الصلاحيات الكبرى التي يتمتع بها دستوريًّا ودينيًّا، يملك تعيين أو توجيه الرأي العامّ لتشكيل مجلس صيانة الدستور، ومجمع تشخيص مصلحة النظام، ومجلس الخبراء، ومجلس الأمن القومي، فكل هذه المجالس تدور في فلكه ونظريته، كما تمتدّ سلطاته لتشمل المؤسَّسات الأمنية كافَّةً كالحرس الثوري، والمؤسَّسات الثقافية والدينية المرجعية في إيران وخارجها(12)، وقد خوَّلَت هذه السُّلُطات المتعددة إلى المرشد سلطةً أخرى تتمثل في قدرته على التحكُّم في المقدَّرات الاقتصادية للبلاد، إذ يترأَّس “هيئة تنفيذ أوامر الإمام” التي وُكلت إليها مَهَمَّة بيع وإدارة العقارات والأملاك التي تركها أصحابها عقب ثورة 1979، وتحولت إلى كيانٍ اقتصادي ضخم يسيطر عليه المرشد ويملك حصصًا في قطاعات الاقتصاد الإيراني كافَّةً، بدءًا من قطاع النفط وصولًا على إنتاج الأدوية والصناعة. ومع تضخُّم صلاحياته أصبح منصبه بعيدًا عن النقد والمحاسبة، لاعتبارات سياسية تشكِّل موازين القوى في السُّلْطة والمجتمع، فضلًا عن الاعتبارات الدينية التي وَكَلَت إليه مَهَمَّة المرجع الأعلى للشيعة في إيران والعالَم(13).
وفي كوريا الشمالية يمتلك الرئيس كيم يونغ أون” سلطات مُطلَقة دستوريًّا، مثلها مثل سلطات الوليّ الفقيه، وإن كان من رحم آيديولوجية مختلفة، إذ يسيطر على أجهزة الدولة ووزاراتها وقواتها المسلَّحة، ويحتكر وسائل الإنتاج وسُبُل توزيعها، وينصّ الدستور الكوري على ملكية الدولة للموارد الطبيعية وغير الطبيعية كالسكك الحديدية والنقل والطيران ووسائط الاتصال والمصانع والمؤسَّسات والمرافق والمصارف الهامَّة، أما الملكية الشخصية فتنشأ عن طريق التوزيع الاشتراكي وفق ما يؤدُّونه من عمل، وتنصّ المادة 37 من الدستور الكوري بخصوص الاستثمارات الخاصَّة والأجنبية على تأسيس المشاريع الاقتصادية ذات الإدارة المشتركة والاستثمار المشترك، وهذا ما يمثِّل عامل طرد للاستثمار في كوريا الشمالية(14).

2- إدراك الميزة الاستراتيجية للأسلحة النَّوويَّة كقوة رادعة:
أدركت الدولتان الميزة النسبية للأسلحة النَّوويَّة كـ”قوة رادعة”، إذ يوفِّر الخيار النَّوويّ عديدًا من المزايا للدول، فيعطيها مزيدًا من الاستقلالية في صنع قرارها الخارجي، والرغبة في تحسين موضعها كدولة كي تصبح رقمًا لا يمكن تجاوُزُه في المعادلتين الإقليمية والدولية، وتحقيق أهداف سياستها الخارجية بكفاءة وفاعلية، ويوفر ضمانات البقاء، وتوجيه الضربات الأكثر اتساعًا، وأن الدول الأخرى ستفكِّر مرارًا وتكرارًا قبل مهاجمة أي دولة تمتلك أسلحة نوويَّة. وقد يستند قرار إطلاق أي دولة لبرنامج نووي عسكري إلى عدد من العوامل:

(1) غياب ضمانات أمنية فعَّالة.
(2) الحاجة إلى تأكيد الهُوِيَّة الوطنية.
(3) توفير خبرات ورؤوس أموال كبيرة.
(4) وجود تهديد أو إدراك وجود تـهديد خطير.
(5) دور أكبر في المحيطين الإقليمي والدولـي(15).
كذلك تدركان مدى ما توفّره الأسلحة النَّوويَّة كـ”قوة رادعة” لحماية سيادتهما، وقد عرَّف مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر “القوة الرادعة” بقوله: “هي قدرة الدولة على منع أو تحييد تهديدات أو أخطار معيَّنة ودفعها بعيدًا عن حيِّز العمل المباشر ومجال التنفيذ الفعلي عن طريق مواجهتها بتهديدات أو أخطار مقابلة أو مضادَّة تساويها أو تفوقها في الحجم والتأثير”، فالقوة الرادعة تُعتبر مظهرًا من مظاهر الاستراتيجية المعاصرة في مواجهة التهديدات والتغيرات في التقنيات والتكنولوجيا العسكرية المتطورة عندما تصبح الأسلحة الاستراتيجية التقليدية غير قادرة على مواجهة الصواريخ الاستراتيجية عابرة القارَّات، أو الأسلحة النَّوويَّة الفتَّاكة التي لا يمكن وقفها إلا عن طريق امتلاك أسلحة مشابهة في الدول الأخرى حتى يتم تحقيق التوازن العسكري بين الدولتين المتنازعتين، وهو ما أطلق عليه بعض الباحثين في الدراسات الاستراتيجية مفهوم توازن الرعب”(16).
واتِّساقًا مع ما سبق تضع كوريا الشمالية استراتيجية “تعزيز القدرات النَّوويَّة” على رأس أولوياتها في ظِلّ تنامي تهديدات أمريكا وحليفتَيها في شرق آسيا اليابان وكوريا الجنوبية، بتوجيه ضربة وقائية إلى البرنامج النَّوويّ الكوري الشمالي، كما أن قدرة الولايات المتحدة على تدمير الجيش العراقي بسهولة في أثناء غزوها العراق 2003 جعلت من صانعي القرار الكوري يتأكدون من أن الجيوش مهما كانت قوتها وعدتها إن لم تمتلك سلاحًا نوويًّا فهي غير قادرة على الدفاع عن نفسها ويمكن القضاء عليها بسهولة، ولطالما ردَّد الرئيس الكوري الشمالي مقولة “من لم يمتلك أسلحة نوويَّة فسيلاقي مصير الرئيس الراحل صَدَّام حُسَين”، ويعتقد أن كوريا الشمالية لديها ما يكفي من الموادّ الانشطارية لإنتاج أكثر من 10 قنابل نوويَّة.
أما إيران فترسخت قناعة لدى صناع قرارها بأن امتلاكها أسلحة التدمير الشامل وحده قادر على إعطائها قوة الردع اللازمة لمنع تنفيذ التهديدات الأميركية-الإسرائيلية ضدّها إقليميًّا وتحقيق مكاسب إقليمية على حساب جاراتها العربيات، وبأن الإحجام الأميركي عن مهاجمة كوريا الشمالية ما هو إلا ترجمة حيَّة لهذا الاعتقاد، وقد دفعت مجموعة ضرورات إيرانَ للسعي الحثيث لامتلاك السلاح النَّوويّ، أبرزها:

(1) أن الحشد العسكري الأميركي “المطوّق لإيران” يمثل من وجهة نظرها تهديدًا مباشرًا لمصالحها الاستراتيجية مع محيطها المباشر كالعراق ودول الخليج وأفغانستان وباكستان، ومع دول وسط آسيا، خصوصًا تلك التي تُطِلّ على بحر قزوين.
(2) أن إيران تعتقد أن دورها التاريخي في غربيّ آسيا والشرق الأوسط يحتِّم عليها تصحيح “الخلل في موازين القوى” الذي يتمثَّل في امتلاك ثلاث قوى إقليمية (الهند وباكستان وإسرائيل) للسلاح النَّوويّ(17).
(3) الإفادة من درس الحرب الأميركية على العراق، الذي كان مصنَّفًا بين دول “محور الشر”، وتقول فرضية إنه لو أن العراق امتلك السلاح النَّوويّ لَمَا كانت الولايات المتحدة أقدمت على مهاجمته. ونجد البرهان على ذلك في كوريا الشمالية التي صُنِّفَت في محور الشر ولم تهاجمها الولايات المتحدة ظنًّا منها أنها تملك قوة رادعة بما فيها السلاح النَّوويّ.
(4) أن إيران ترى أن امتلاكها السلاح النَّوويّ يشكِّل “معادلة إقليمية جديدة” قادرة على تغيير قواعد اللعبة في أمن الخليج وجنوبي غربي آسيا(18).
يبدو أن الدولتين قد أدركتا قاعدة توازن الرعب ومضمونها “حال علم الدولة المعتدية امتلاك الدولة المعتدَى عليها نفس التقنيات والأسلحة الاستراتيجية المتوافرة لديها فإنها بالضرورة سوف تمتنع عن استخدام القوة المسلَّحة ضدّها، وتلجأ إلى آلية المفاوضات الدبلوماسية والمحادثات السياسية الثنائية أو متعددة الأطراف لحلّ الأزمات العالقة معها”(19).

3- سياسة “التطويق المزدوج” الأمريكية تجاه الدولتين:
عقب انهيار الثنائية القطبية وسقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991 تربعت الولايات المتحدة على عرش النظام الدولي والمعادلة الدولية الجديدة، وأصبحت كرجل البوليس الدولي الحارس على الشرعية الدولية بتبنِّيها سياسة التطويق المزدوج تجاه من تجد أنهم يمثلون تهديدًا لمصالحها ومخطَّطاتها في أرجاء العالَم كافة، وفي المقابل يحكم هذه الدولة نظام ليبراليّ إمبرياليّ يتخذ من التمدُّد والانتشار على حساب مصالح الدول الأخرى أدواتٍ لسيطرته وهيمنته عالَميًّا، وعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 بدَت الفرصة سانحة أمام الولايات المتحدة لإعادة صياغة المشهد الدولي بما يتناسب ومصالحها، وهو ما تَجسَّد في استراتيجية هجومية وفي سياسات احتوائية منفردة، واستخدام القوة في تنفيذ القرارات وحماية المصالح، واتضحت هذه الرؤية في وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكي سبتمبر 2002، وصنّفت الدول من حيث مدى التهديد الذي تمثِّله للمصالح الأمريكية آنذاك إلى(20):

وهكذا شكَّلَت هذه الرؤية إطارًا حاكمًا لحركة النظام الدولي بعد أحداث 11 سبتمبر، وجاءت قضية مكافحة الإرهاب والدول الراعية له على قمة أولويات الولايات المتحدة، ومن هذا المنطلق جاء ضرب حركات الإرهاب وتجفيف منابعها في أولى مهامّ الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت، يليه مباشرة هدف تغيير وإسقاط الأنظمة الديكتاتورية الراعية للإرهاب، ومن هذ المنطلق وضعت واشنطن ما يُسَمَّى بالاستراتيجية الأمريكية لـ”تحقيق التفوُّق في شرق آسيا والشرق الأوسط على السواء”، وهو ما جعل الرئيس أوباما ينتقد بشدة تصريحات المرشَّح للانتخابات الرئاسية دونالد ترامب في أبريل 2016 التي قال فيها: “ربما حان الوقت لدفاع اليابان وكوريا الجنوبية عن نفسيهما بنفسيهما، وتشجعيهما للحصول على سلاح نووي”، مضيفًا: “سنسحب القوات الأمريكية من اليابان وكوريا الجنوبية ما لم يقدِّم البَلَدان زيادة كبيرة لمساهماتهما لواشنطن من أجل الوجود العسكري الأمريكي على أراضيهما”(21)، ومن ثم لجأت الإدارة الأمريكية إلى:

(1) تقويض النظام الإيراني -قبل توقيع الاتفاق النَّوويّ- من خلال العقوبات الاقتصادية من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة -في القلب منها الدول الأوروبية والولايات المتحدة- على إيران لإجبارها على وقف برنامجها النَّوويّ، وحظر شراء النفط الإيراني والتشديد على الأشخاصّ الذين يقدِّمون دعمًا لتطوير القطاع النفطي الإيراني، وتجميد أرصدة مؤسَّسات مالية أجنبية تقيم عَلاقات تجارية مع البنك المركزي الإيراني في قطاع النفط، وبذلك أصبحت طهران في مأزق لا تُحسَد عليه، بين فكَّي رحى العقوبات الدولية وضغوط الشارع على الحكومة نتيجة لِمَا آلت إليه الأوضاع الاقتصادية في البلاد. ولكن تلك العقوبات لم تَثنِ إيران -وإن راكمت آثارًا سلبية على الصعيد الاقتصادي- عن المضي قدمًا في تخصيب اليورانيوم، وإن ضمنت تحقيق التفوُّق النوعي لإسرائيل من خلال الدعم الأمريكي لها بأحدث الأسلحة العسكرية كحليف استراتيجي، وعقد الصفقات العسكرية مع حلفائها من الدول العربية لمجابهة المخاطر الإيرانية قبل الاتفاق النَّوويّ، وتعزيز الوجود العسكري الأمريكي في دول الخليج من خلال القواعد العسكرية الأمريكية لضمان عدم تحقيق أي تقارب مع إيران، لأن هذا التقارب سوف يؤدي إلى ابتزاز الولايات المتحدة والغرب، فضلًا عن إمكان التهديد المباشر للمصالح الغربية، والعمل على مدّ حلف الناتو إلى آسيا الوسطى بهدف فصل إيران من الشمال والشمال الشرقي عن كل من روسيا والصِّين.

(2) محاصرة النظام الكوري الشمالي أيضًا من خلال آلية العقوبات الاقتصادية القاسية جدًّا ضدّ بيونغ يانغ رغم اقتصادها المتدهور أصلًا، وامتناع الدول -وَفْقًا للقرارات الدولية ذات الصلة ما عدا روسيا والصِّين الحليفين- عن تقديم الموادّ الضرورية لبناء قنبلة نوويَّة، وتعزيز الوجود العسكري الأمريكي في جنوب شرق آسيا في كل من اليابان (47 ألف جندي أمريكي تقريبًا) وكوريا الجنوبية (27 ألف جندي أمريكي تقريبًا)، ونشر أنظمة الدرع الصاروخية المتقدمة بهاتين الدولتين لاعتراض الصواريخ الكورية الشمالية، وإرسال الغواصات النَّوويَّة لطوكيو وسيول، وإجراء التدريبات العسكرية المشتركة سنويًّا مع طوكيو وسيول لمجابهة الهجمات الصاروخية الكورية الشمالية، وحصار العملاق الصِّيني، الحليف الرئيسي لكوريا الشمالية والداعم الأول لبيونغ يانغ، بهدف الاحتواء العسكري للتحديات التي تواجه الإقليم جرَّاء توجُّهات النظام الكوري(22).
أسهمت الرؤية الأمريكية الموحَّدة تجاه الدولتين (إيران وكوريا الشمالية) بإدماجهما ضمن محور الشر نتيجة مساعيهما لامتلاك أسلحة نوويَّة كقوة رادعة، وغضّ الطرف في الوقت ذاته عن إسرائيل المُدرَجة ضمن دول العتبة النَّوويَّة الكبرى، أسهمت في توحيد نظرتيهما تجاه الدور الأمريكي الذي بات يصنع سياسات متشابهة ضدّ عاصمتَي الدولتين، وإدراكهما المشترك لضرورة مواجهة تزايُد النفوذ الأمريكي في شرق آسيا وجمهوريات آسيا الوسطى ومنطقة الشرق الأوسط، ورفضهما الهيمنة الأمريكية عالَميًّا، إذ شعرت كوريا الشمالية وإيران أن مصيرًا مشتركًا بات يجمعها في مواجهة الضغط الدولي، الذي تتولاه الولايات المتحدة وحلفاؤها، وعلى رأسهم إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، فإيران ما بعد الثورة 1979 حتى وقتنا الراهن -رغم توقيع الاتفاق النَّوويّ- ترى في واشنطن قوة استعمارية تسعى لاستغلال الشرق الأوسط بالتعاون مع حلفائها في المنطقة والتحكُّم في مواردها لإحكام الطوق عليها، وهو ما جعلها تدعو إلى محاصرة ورفض الوجود الغربي والأمريكي في المنطقة، كما أن بين إيران والولايات المتحدة تاريخًا من العداء، فالولايات المتحدة قد يكون من الصعب أن تُمحَى من ذاكرتها أزمة احتجاز الرهائن الأمريكيين التي استمرت طوال 444 يومًا، وأيضًا من الصعب أن تمحو إيران من ذاكرتها ما تعرضت له بفعل العقوبات الأمريكية والأوروبية، وعزل إيران دوليًّا بسبب برنامجها وطموحاتها النَّوويَّة.
وتُعتبر كوريا الشمالية الدولة الوحيد الباقية من المعسكر الشيوعي بمبادئها الصريحة، وترفض مطلقًا الإمبريالية الرأسمالية الغربية، فالعداء التاريخي بين الرأسمالية والشيوعية معلوم للجميع نتيجة للخلاف الآيديولوجي بينهما في ما يتعلق بإدارة الاقتصاد والنظام السياسي والاجتماعي، إذ تهدف الشيوعية إلى محاربة الإمبريالية الغربية والقضاء على الرأسمالية حيثما وُجدت، وفي نفس الوقت عملت الدول الرأسمالية وعلى رأسـها الولايات المتحـدة علـى الحـدّ مـن انتـشار الشيوعية ومحاربتها بشَتَّى الوسائل، ومن هنا تعادي كوريا الشمالية الولايات المتحدة الأمريكية آيديولوجيًّا، وإن كان للصراع أسباب أخرى، وترى فيها قوة إمبريالية تسعى للسيطرة على العالَم ومحاصرة ما تَبَقَّى من الدول(23).

4- استراتيجية تدشين “تحالُف مضادّ” لتحالُف “واشنطن-سيول-طوكيو”
أسهمت السياسات الأمريكية الموحدة تجاه الدولتين وتحالفها مع سيول وطوكيو ضدّ مصالحهما الاستراتيجية، في تشكيل هيكل تحالُف مضادّ من “بيونغ يانغ-بكين-موسكو-طهران”، ويربط العواصم الأربع تعاوُن كبير، سواء على مستوى العَلاقات التجارية أو المواقف السياسية، وصولًا إلى الطاقة النَّوويَّة، فعلى مستوى المواقف السياسية تقف الدول الثلاث في موقف الرافض للغرب وسياساته، سواء الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، وتدعم كل منها الأخريات في مختلف القضايا العالقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، فعلى سبيل المثال وقفت روسيا والصِّين إلى جانب كوريا الشمالية في مفاوضات “المائدة السداسية” حول البرنامج النَّوويّ الكوري الشمالي، التي بدأت في أغسطس 2003 لوقف الأنشطة النَّوويَّة لبيونغ يانغ، وتوقفت بانسحاب كوريا من معاهدة منع الانتشار النَّوويّ، وهو نفس الدور الذي لعبته الصِّين وروسيا بالتوسط لدى الغرب في مفاوضات النَّوويّ الإيراني قبل توقيع الاتفاق، وفي الوقت ذاته تتشابه كوريا وإيران في العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الغرب نتيجة برامجها النَّوويَّة، كما تُفرَض على روسيا عقوبات اقتصادية نتيجة موقفها من أوكرانيا، حيث تدعم الانفصاليين الموالين لها في شرق الجمهورية السوفييتية السابقة، ويتعلق وجه التعاون الأبرز بين الدول الثلاث التي تشكِّل صُداعًا في رأس الغرب، بالطاقة النَّوويَّة وهو الأمر الأكثر إثارة للجدل، إضافةً إلى التعاون العسكري بينها، كما تسعي واشنطن وحلفاؤها إلى حصار العملاق الصِّيني الذي أضحى موجودًا على الساحتين الإقليمية والدولية بقوه من خلال سياسة “الانتشار الهادئ”(24).
وبينما تسيطر الولايات المتحدة على الضفَّة الغربية للخليج العربي الغني بالنفط، سعَت الصِّين وروسيا وكوريا الشمالية بالتنسيق المتبادل لتوطيد عَلاقاتهم مع إيران حتى تحتفظ “بالحدّ الأدنى من التوازن” لإحباط المساعي الأمريكية. ولأن واردات النفط من الخليج تتطلب سيطرة أمريكية على الضفة الغربية للخليج، وضفة شرقية إيرانية مدعومة من روسيا والصِّين وكوريا، فإن هذا المحور سوف يعوق الجهود الأمريكية لفرض حظر على النفط ضدّ دول أخرى، وفي حالة صدام عسكري صينيّ أمريكي حول تايوان مثلًا، فإن الولايات المتحدة ستكون عاجزة عن إغلاق إمدادات النفط للصين من الخليج، لأن الصِّين وروسيا وإيران تسيطر على الضفة الشرقية للخليج، وفي 2001 تَبَنَّت الصِّين هذه الرؤية الاستراتيجية وأنشأت “منظَّمة شنغهاي للتعاون” التي مهَّدَت الطريق لمحور إيران-روسيا-الصِّين الحالي لمواجهة الهيمنة الأمريكية المتصاعدة.
ولَمَّا كانت كوريا الشمالية وإيران غير قادرتين على المواجهة مع الولايات المتحدة وحليفتيها، كوريا الجنوبية واليابان، اعتمادًا على البعدين الاقتصادي والسياسي، فقد عمدتا إلى تكريس العامل العسكري لخدمة البعدين اللذين تفتقر إليهما دبلوماسيتهما على طاولة المفاوضات واتباع استراتيجية الاستفادة من قدرات حلفائهما الاستراتيجيين لتطوير سياستهما الدفاعية والعسكرية، فقد استجابت روسيا والصِّين لإمداد الدولتين بالأدوات العسكرية بهدف التنسيق والتحالف لمواجهة الدور الأمريكي المحاصِر للدولتين، وأيضًا لإيران وكوريا(25).

ثالثًا: مخاطر التـعاون العسكري الإيراني-الكوري المتصاعد

(1) سيادة استراتيجية “الابتزاز النَّوويّ” إقليميًّا ودوليًّا:
يُقصَد بالابتزاز النَّوويّ تحدِّي وحدة دولية ما للمجتمع الدولي باستخدام قدراتها النَّوويَّة التي اكتسبتها من خلال الخرق المتواصل لمحاولات منعها من تطوير وإجراء تجارب على أسلحة نوويَّة من أجل إدارة استراتيجية “الابتزاز النَّوويّ” وتحقيق مكاسب داخلية وخارجية، وتجيد كوريا الشمالية فن إدارة تلك الاستراتيجية بكفاءة وفاعلية، ففي البداية تُجرِي كوريا تجربة نوويَّة، وبعد ذلك تعلن عن استعدادها لتفكيك هذه القدرات في حال وافق الغرب على تزويدها بالطعام والنفط والموادّ الخام، وعندما يستجيب الغرب -المقصود الولايات المتحدة- واليابان وكوريا الجنوبية لمطالب الرئيس الكوري فإنه يتراجع عن التزاماته، ويواصل تطوير سلاحه النَّوويّ، ويُجرِي بتجربة إضافية، ثم يعرض على الغرب مرة أخرى صفقة يعلن من خلالها نيته تفكيك القدرات النَّوويَّة مقابل الغذاء والنفط، وهكذا دواليك. حدث ذلك في سنوات التسعينيات عند توقيع الاتفاق الإطاري عام 1994، والدخول في مفاوضات “المائدة السداسية”، وحدث أيضًا في الألفية الجديدة خلال عام 2006 و2009 و2013، ولكن تكرار الأمر تدركه واشنطن وتتغاضى عنه لكونه يتوافق والرغبة الأمريكية في الوجود بمنطقة شرق آسيا(26).
ويبدو أن هذا النموذج يقع تحت بصر الإيرانيين، وهو مهمّ لأن من يحكم إيران هو معسكر كبير من رجالات الدين، على رأسه القائد الديني الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي يرى في الاتفاق النَّوويّ خضوعًا من الأفضل التخلُّص منه في أقرب فرصة. صحيح أن إيران لا تستطيع أن تنقطع عن كل العالَم كما فعلت كوريا الشمالية من قبل، ولكن حقيقة أن الغرب لا يعمل بنجاعة لوقف البرنامج النَّوويّ الابتزازي تفتح أمام خامنئي وقادة الحرس الثوري الطريق لتحقيق ذلك. وحتى الآن يماطل روحاني لإقناع الغرب بإلغاء العقوبات، ولكن عند إلغائها فإن إيران من المحتمَل أن تعود للعمل من خلال نموذج كوريا الشمالية، وعمليًّا فهي تطوِّر اليوم بعد توقيع الاتفاق النَّوويّ يونيو 2015، صواريخها الباليستية، وتستمر في برامجها النَّوويَّة في مخالفة للاتفاق النَّوويّ، وذلك بإدراك أمريكي أيضًا كما كان مع كوريا الشمالية، ودلائل ذلك ما يلي:
(أ) الكشف بتاريخ 17/7/2016 عن وثيقة سرية -سرَّبها اثنان من الدبلوماسيين لم يرغبا في الإفصاح عن هويتهما لـ”أسوشيتد برس” الأمريكية- تُعَدّ الأولى ذات الصلة بالاتفاق النَّوويّ بين إيران والدول الست الكبار، والتي على أساسها يتاح لطهران استكمال برنامجها النَّوويّ بشكل سريع، وذلك بعد مغادرة الرئيس الأمريكي باراك أوباما مقعد الحكم، وأوضح تقرير لوكالة “أسوشيتد برس” أن هذه الوثيقة هي مُلحَق سرِّي بالاتفاق النَّوويّ الذي عُقد العام الماضي بين إيران والدول الست الكبار، وعلى أساسه تستطيع طهران بعد 11-15 عامًا أن تستبدل بأكثر من 5 آلاف من أجهزة الطرد المركزي المتهالكة لديها، 3500 جهاز طرد أكثر تطوُّرًا، وأن الوقت الذي تحتاج إليه إيران لصناعة السلاح النَّوويّ انخفض من عام إلى 6 أشهر بعد إعمال أجهزة الطرد المركزية الأكثر حداثة(27).
(ب) تأكيد السناتور الأمريكي “طوم كوتون” في نهاية مارس 2015 أنه “بإمكان إيران خرق الاتفاق خلال السنوات العشر المقبلة والحصول على سلاح نووي، لكن بإمكانها أيضًا أن تلتزم بالاتفاق عشر سنوات ثم تحصل على السلاح النَّوويّ بعدها”، لافتًا إلى أن “كوريا الشماليَّة احتاجت إلى 12 سنة للحصول على سلاح نووي بعدما تَوَصَّلْنا معها إلى اتفاق إطار عام 1994، ثم اختبرت أول سلاح من هذا النوع عام 2006″(28).

(2) الاخلال بالتوازن الاستراتيجي الإقليمي:
تشير أدبيات السياسة الخارجية إلى أن التوازن الإقليمي هو الحالة التي تتعادل أو تتكافأ أو تتوازن عندها القدرات العسكرية والسياسية والاقتصادية لدولة أو مجموعة من الدول التي يجمعها إطار واحد مع غيرها ضمن هذا الإطار، حيث تكفل لها مواجهة التهديدات التي يمكن أن تتعرض لها منفردةً أو مجتمعةً، وكذلك منع المخاطر التي تتعرض لها، والقدرة على التحرُّك السريع لإعادة الاستقرار والتوازن عند اختلاله لتحقيق الاستقرار، ولكن عندما تسعى دولة لتحقيق التفوُّق العسكري على جاراتها في الإقليم ولا تتوانى عن تهديدهم باستخدام القوة لتحقيق أهدافها وتطلُّعاتها على حسابهم، نكون أمام اختلال في التوازن الاستراتيجي الإقليمي(29).
وفي هذا السياق، فإن من شأن امتلاك كوريا الشمالية وإيران لأسلحة نوويَّة أن يُخِلّ بالتوازن الاستراتيجي الإقليمي في شرق آسيا ومنطقة الشرق الأوسط، بيد أن الاختلال في التوازن الاستراتيجي الإقليمي بخلاف منطقة شرق آسيا ومساعي بيونغ يانغ فقط للدفاع عن نفسها سيكون أكبر في حالة الشرق الأوسط، لكون إيران دولة إقليمية توسُّعية ذات المطامع إقليمية وسياسة تَدَخُّلية، وصاحبة مشروع استعماري توسُّعي (الهلال الشيعي) مثله مثل المشاريع الأوروبية-الأمريكية-الإسرائيلية، يمتدّ من العراق (التي يحكمها حيدر العبادي الموالي لإيران) مرورًا بسوريا (التي يحكمها نظام علوي يتعامل مع إيران كموكلة له في سوريا وأنها حبل الإنقاذ له)، وصولا إلى لبنان (التي يتحكم فيها حزب الله الشيعي المؤتمِر بأمر إيران)، فالخليج العربي. ومن ثم فانعكاسات الاختلال بالتوازن الإقليمي لصالح إيران في المنطقة لها آثار سلبية على أكثر من صعيد:
(أ) تنامي التهديدات الإيرانية لأمن المنطقة: الخطر الإيراني لا يُعَدّ مجرَّد تهديد لمصالح الدول أو أمنها بالمعنى المفهوم، وإنما أصبح واقعًا فعليًّا، فها هي ذي تبتلع العراق رسميًّا بقرار المؤتمِر بأمرها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ضَمَّ قوات الحشد الشعبي للجيش النظامي مما يعني أنهم سيتحكمون في الجيش ومقدَّراته لصالح إيران مع تنامي التصعيدات الخطيرة ضدّ السُّنَّة العراقيين، وتدعم نفوذها داخل بعض الدول العربية كلبنان استنادًا إلى قوى سياسية مرتبطة بها، وتتوغل بقوة في الشأن اليمني على نحو أفشل المفاوضات اليمنية في الكويت بإعلان وكلائها باليمن (الحوثيين-على عبد الله صالح) عن تشكيل مجلس قيادة لإدارة أمور الدولة تزامُنًا مع قرار العبادي ضَمَّ الحشد للجيش، وترى أن قدرتها على إزعاج الدول المجاورة لها داخليًّا ورقة قوة، وتطرح نفسها كقوة إقليمية عُظمَى لديها تصوُّر بشأن حالة الإقليم، يمكن التفاوض حوله مع الولايات المتحدة على نحو لا يتوافق وأمن المنطقة العربية.
(ب) تنامي التهديدات لأمن دول الخليج: أولًا من خلال تكريس الخلل القائم في موازين القوى: إذ إن حقائق الجغرافيا السياسية تشير إلى أن القوة الإيرانية الحالية إذا ما أرادت أن تتجه فإن مسارها لن يكون الشمال أو الشرق، ففي الشرق توجد القوى النَّوويَّة الآسيوية الكبرى (الهند وباكستان والصِّين)، وفي الشمال روسيا، ومن هنا فإن إمكان التمدُّد المتاح لإيران هو الغرب. وثانيًا استهداف حقول النفط في منطقة الخليج، وما يميز هذا الهدف من غيره من الأهداف الاستراتيجية الأخرى، أن تأثيره على الاقتصاد العالَمي أكبر، لأن استهدافه يمكن أن يغيِّر في مجريات الأمور على الساحة الإقليمية والدولية، لقرب حقول النفط ومصافي النفط من إيران، لوقوع معظم هذه الأهداف على الخليج العربي، ووجود صواريخ أرض/أرض بحوزة إيران، بإمكانها الوصول إلى جميع النقاط المستهدَفة، وإن كان ذلك من الصعب حدوثه لاعتبارات إقليمية ودولية(30).

3- المشكلات المحتمَلة للحوادث النَّوويَّة لغياب آلية “الأمان النَّوويّ”:
قد يؤدِّي انتشار القدرات النَّوويَّة سواء في شرق آسيا أو الشرق الأوسط، جرَّاء تعاون كوريا وإيران في هذا المجال الخطر، إلى بروز مخاطر تتجاوز خطر امتلاك أسلحة نوويَّة حال اندلاع حوادث نوويَّة خاصَّة في منطقتنا نتيجة فقدان كوريا الشمالية وموادّها المصدرة إلى إيران لآلية “الأمان النَّوويّ”، وهذا يطرح أبعادًا إضافية يمكن تحديدها على النحو التالي:
(أ) مخاطر سياسية: تتصل بالتوتُّرات والضغوط السياسية التي يمكن أن تؤدِّي إليها حالة القلق إزاء احتمالات اتجاه الدول التي تمتلك قدرات نوويَّة نحو إنتاج أسلحة نوويَّة، بما يخلق حالة دائمة من الترقُّب الإقليمي أو الشكوك المتبادَلة.
(ب) مخاطر عسكرية: تتصل بطبيعة المنشآت النَّوويَّة بوصفها أهدافًا حيوية، فقد تطرح احتمالات جادَّة للاعتداء على المفاعلات النَّوويَّة في حالة الحرب أو التوتُّرات الحادَّة، وتطرح أيضًا احتمالات إلقاء النفايات النَّوويَّة المُشِعَّة لأغراض عدائية في حالات التوتُّر المسلَّح، وهو ما طرح مفاهيم مثل الأسلحة الإشعاعية والحرب الإشعاعية، وهي تهديدات كامنة في الأقاليم التي تشهد انتشارًا للقدرات النَّوويَّة، ومنها إقليم منطقة الشرق الأوسط(31).
(ت) مخاطر بيئية: تتصل بمجموعة من المشكلات التي يمكن أن تترتب على انتشار المنشآت النَّوويَّة في منطقة معيَّنة، مثل تسرُّب الإشعاعات النَّوويَّة من المفاعلات والمرافق أو نقل النفايات النَّوويَّة في ظروف غير مأمونة، ولا تقتصر آثارها عادةً على الدولة صاحبة البرامج النَّوويَّة، وإنما تمتدّ إلى الدول المجاورة وحتى لأقاليم البعيدة، فإن حدوث كارثة نوويَّة يؤثِّر على أطراف عديدة في أماكن تبدو بعيدة.
(ث) مخاطر أخرى: ترتبط بأمن الموادّ النَّوويَّة في الظروف غير العاديَّة، ففي حالة وجود عدم الاستقرار السياسي داخل الدول على نحو ما طُرح خلال تفكُّك الاتحاد السوفييتي السابق، وما ارتبط بذلك من مشكلات سيطرة على القدرات النَّوويَّة، فقد طُرحت عمليًّا مشكلات من نوع الاستيلاء على الموادِّ أو المعدَّات النَّوويَّة أو تهريب عناصر أو جماعات مختلفة لها للاتجار فيها أو استخدامها وَفْقًا لمفاهيم مثيرة، مثل “السوق النَّوويَّة السوداء” أو “الإرهاب النَّوويّ”.
وعلي ضوء ذلك تُعَدّ دول الخليج في مقدّمة الدول التي سوف تصاب بالضرر المباشر جرَّاء تنامي قدرات إيران النَّوويَّة، إذ يقع مفاعل بوشهر، الذي يُعَدّ أحد أهمّ مرافق الإيراني النَّوويَّة، على الجزء الغربي من الخليج العربي، ويعتمد هذا المفاعل بصفة أساسية على تقنيات مستوردة من كوريا الشمالية التي لا تملك عناصر “الأمان النَّوويّ” المضمونة، ومن ثم فإنه في ظلّ الحظر الغربي على الآلات والمعدات التي تُستخدم في الصناعة النَّوويَّة، فإن إيران قد تسعى لإنجاز تَسَلُّحها النَّوويّ وإتمامه باعتماد آلات نوويَّة أقلّ ضمانًا، ومن ثم تُصبِح دول الخليج في مرمى الخطر إذا ما حدث تسرُّب(32).

4- إمكانية اقتناء إيران قنبلة هيدروجينية بخبرة كورية:
إذا نجحت كوريا الشمالية -وقد تنجح خلال سنة أو سنتين- في تركيب رأس قنبلة هيدروجينية وحمله على صاروخ باليستي بعد أن فجَّرَت قنبلتها الهيدروجينية الأولى نهاية يونيو 2016 بحضور خبراء إيرانيين، فإن الأمر قد يؤدِّي إلى نقل هذه التكنولوجيا إلى إيران خلال وقت ليس بطويل في ضوء علاقة الشراكة الاستراتيجية ذات الطابع العسكري بين البلدين. وهذا مقلق للغاية لأن قوة التخريب للقنبلة الهيدروجينية أكبر بمئة مرة من قوة قنبلة نوويَّة عادية، وأقوى بمئة مرة أو ربما مئات المرات مقارنة بالقنبلة الذرية، وتعادل قوة قنبلة هيدروجينية عادية قوة انفجار نحو عشرين مليون طن من مادة “تي إن تي” (TNT)، وفي العالَم خمس دول فقط، هي الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا والصِّين وفرنسا، نجحت في إجراء تجربة القنبلة الهيدروجينية حتى الآن(33).
وتتلخَّص تداعيات القنبلة الهيدروجينية لكوريا الشمالية ليس فقط في إمكانية نقل هذه التكنولوجيا إلى إيران، التي يتوافر لديها المال إلى حدّ ما من أجل شراء تكنولوجيا كهذه من كوريا الشمالية الفقيرة في أعقاب الاتفاق النَّوويّ وإلغاء العقوبات الاقتصادية، وإنما أيضًا في اختلال التوازن الإقليمي أكثر وأكثر لصالح إيران وتوغُّلها الإقليمي والدولي، وابتلاع دول أخري بالمنطقة، بخاصَّة أن رجالات الحكم في إيران لديهم عقيدة عسكرية تطمح إلى دخول النادي النَّوويّ.

5- تهديد السلم والأمن الدوليين والخروج عن قواعد النظام العالَمي:
إن كل عدوان من دولة ضدّ دولة أخرى عضو أو غير عضو في المنظَّمة الدولية أو اقتناء أسلحة تدميرية أو تهديد باستخدام القوة العسكرية أو استخدامها ضدّ وحدات أخرى قائمة بالإقليم أو التورُّط في أعمال التخريب، وذلك باستخدام جماعات مسلَّحة أو قوات وجنود غير نظاميين أو مرتزقة، يشكِّل تهديدًا للأمن والسلم الدوليين وخروجًا على قواعد النظام العالَمي القائمة على حفظ السلم والأمن وإنماء العَلاقات الودِّية بين الأمم والتعاون على حل المشكلات الدولية بالطرق السلمية.
ولم تتوانَ كوريا الشمالية وإيران عن استيراد الموادّ الضرورية لبناء المفاعلات النَّوويَّة كاليورانيوم والبلوتونيوم وبناء منظومات تَسَلُّح متطوِّرة صاروخية، ولم تتوقَّف الدولتان عن التهديد باستخدام القوة المسلَّحة في منطقتَي شرق آسيا والشرق الأوسط، فكوريا الشمالية أجرت ثلاثة اختبارات نوويَّة، الأول في 2006 والثاني في 2009 والثالث 2013، وأخيرًا فجَّرَت قنبلتها الهيدروجينية الأولى في 6/1/2016 في تطور خطير على الأمن الدولي، ممَّا يعطي مثالًا واضحًا عن مآلات الانسياق خلف وعود أنظمة دول تجاهر بعدائها وخطرها على أمن محيطها الإقليمي والدولي، وأن أحد تلك المآلات خروج هذا النظام عن قواعد النظام العالَمي، وإخلاله بالتوازن الإقليمي، وتزداد مضاعفات ذلك عندما يكون هذا النظام شموليًّا وديكتاتوريًّا بشكل جنوني(34).
والجمهورية الإيرانية هدَّدَت مرارًا وتكرارًا باستخدام القوة المسلَّحة وإغلاق مضيق هرمز الذي يشكِّل ممرًّا ملاحيًّا دوليًّا ومعبرًا للنفط الخليجي للغرب والولايات المتحدة، وتخرِّب في الدول المجاورة (العراق، واليمن، وسوريا، ولبنان) من خلال الطائفية والتسلُّح والتجسُّس والاستخبارات، وإرسال المقاتلين العسكريين وغير العسكريين لتنفيذ أعمال عدائية لصالح طائفة ضدّ طائفة أخرى، ولا تدّخر جهدًا في الاستمرار في بناء المفاعلات النَّوويَّة التي تشكِّل تهديدًا مباشرًا للأمن والسلم الدولي رغم توقيعها الاتفاق النَّوويّ في يونيو 2015.
خامسًا: مستقبل الاتفاق النَّوويّ بوصول رئيس أمريكي جديد إلى البيت الأبيض
خلال سنوات عملها وزيرةً للخارجية الأمريكية سابقًا، كانت هيلاري كلينتون أحد مهندسي الاتفاق النَّوويّ الذي نُفّذ في يونيو 2015 بين إيران والغرب (مجموعة “5+1”)، لذلك فإنها من أشدّ المؤيِّدين لهذا الاتفاق، وتعتبره خطوة كبيرة في طريق منع إيران من تخصيب اليورانيوم، ومن ثم تفادي حصولها على السلاح النَّوويّ. ولكن كلينتون أعلنت أن المبدأ الحاكم لسياساتها تجاه الاتفاق النَّوويّ هو المتابعة الدقيقة لمدى التزام إيران ببنود الاتفاق، وأنه في حالة انتهاك طهران أيًّا من هذه البنود، فإنها ستعيد فرض العقوبات ضدّها، وفي هذه الحالة ستكون كل الخيارات مطروحة للتعامل مع الجمهورية الإيرانية، بما فيها الخيارات العسكرية. وعلى عكس ما سبق، يرفض المرشح الجمهوري دونالد ترامب الاتفاق النَّوويّ مع إيران، فيعتبره تهديدًا لأمن الولايات المتحدة وأمن إسرائيل، متوعِّدًا بأنه في حال انتخابه سوف يعيد التفاوض بشأن هذا الاتفاق، لأن هدفه الأول هو تدمير طموحات إيران النَّوويَّة “بأي وسيلة”، كما يطالب بزيادة العقوبات الاقتصادية على طهران(35).
ارتباطًا بالملف النَّوويّ الإيراني، تسعى كلينتون لطمأنة الحلفاء في منطقة الخليج العربي، بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عنهم، وأنها سوف تظلّ ملتزمة بأمن دول مجلس التعاون الخليجي وحمايتها من التهديدات الإيرانية، مؤكِّدةً أن منطقة الخليج العربي شريك مهمّ لواشنطن من الناحية الأمنية والتجارية والدفاعية. واستمرارًا لتصريحاته المثيرة للجدل، أعلن ترامب أنه سوف يوقّف استيراد النفط من السعودية، ما لم تشارك الأخيرة بجيشها في قتال تنظيم “داعش” أو تعوِّض الولايات المتحدة عن الجهود التي تبذلها في محاربة التنظيم، كما يطالب المرشح الجمهوري دول الخليج بأن تتحمل تكلفة إقامة مناطق آمنة في سوريا.
وعلى هذا النحو يتَّضح جليًّا مستقبل الاتفاق النَّوويّ في حالة نجاح كلا المرشَّحَيْن، بما أن حظوظ هيلاري كلينتون أَوْفَر في السباق الرئاسي الأمريكي حسبما عكسَت استطلاعات الرأي مؤخَّرًا، وتعكس السياسة الخارجية التي أعلنت عنها هيلاري أنها تحاول الحفاظ على الخط الذي اتبعه الرئيس الحالي باراك أوباما، من خلال تقليل التدخُّل المباشر في قضايا وصراعات الإقليم، وتفضيل الاعتماد على حلفاء الولايات المتحدة. وتميل كلينتون إلى الأدوات الدبلوماسية أكثر من العسكرية، والمبدأ الحاكم لها، في هذا السياق، هو تحقيق التوازن بين حماية المصالح الأمنية الأمريكية في المنطقة، دون التدخُّل العسكري المباشر، والحفاظ على صورة الولايات المتحدة كدولة راعية لمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو ما يلاقي قَبُول شريحة الشباب الأمريكي.

خامسًا: نتائـج الدراسة

(1) تكرار نموذج كوريا الشمالية وارد بشكل كبير في نطاقنا الشرق أوسطي، إذ لا تختلف إيران كثيرًا عن كوريا الشمالية بالنظر إلى طبيعة محدِّدات العَلاقات بين الدولتين وطموحات إيران النَّوويَّة وحقيقة الموقف الأمريكي من النَّوويّ الإيراني والكوري الشمالي.
(2) إيران بسعيها نحو حيازة النَّوويّ ستكون قادرة على تغيير صور توزيع القوة والقدرات الإقليمية، بما يجعلها قادرة على تغيير أوضاع وصور توازن القوى الإقليمي السائد حاليًّا، بل ومن المرجَّح تغيير بنية النظام الإقليمي في الشرق الأوسط من نظام إقليمي أحادي القطبية النَّوويَّة Nuclear Uni-polarity إلى ثنائي القطبية النَّوويَّة Nuclear Bipolarity، وهو ما سيُدخِل هذا النظام في دوَّامات حرب نوويَّة باردة مستقبَلًا.
(3) الولايات المتحدة لا تريد إزالة البرنامجين النَّوويّين للدولتين بشكل كامل، فهذا يتعارض ومصالحها ووجودها بالمنطقتين، فهي تلعب دورًا خطيرًا في الأمن الإقليمي فيهما بتوقيعها الاتفاق الإطاريّ مع كوريا الشمالية 1994 والاتفاق النَّوويّ مع إيران 2015، فلم يمثِّل توقيعها مرتين مع الدولتين خطأين متتاليين كما يقول عديد من المراقبين والمحلِّلين، وإنما تم التوقيع عمدًا، فمن ناحية يُظهِر ذلك الولايات المتحدة أمام حلفائها في شرق آسيا (كوريا الجنوبية واليابان) وفي الشرق الأوسط (دول الخليج) ساعيةً لدرء التهديدات المحيطة بهم وتحقيق الأمن لهم ومن ثم تهدئة الأمور، ومن ناحية أخرى تترك الساحة للدولتين دون صعود إيران لموضع “المهيمن الإقليمي Regional Hegemony” للاستمرار في برامجهم النَّوويَّة بشكل سرّي كما كشفت الوثائق المسربة في الأيام القليلة الماضية في ما يخصّ النَّوويّ الإيراني، وتفجير بيونغ يانغ قنبلتها الهيدروجينية يناير 2016، إذ إن حلّ مشكلة النَّوويّ الإيراني والكوري الشمالي معناه تحقيق الأمن في المنطقتين وإشعارهما بعدم الحاجة إلى واشنطن ومطالبتها بإجلاء قواعدها العسكرية من المنطقتين والاستغناء عن دورها، وهو ما يتعارض مع تحقيق مصالحها وانتشارها بالمنطقتين.
(4) الدول الغربية، وفي القلب منها الولايات المتحدة، ستجد يومًا أنها لم تستطِع فعل شيء تجاه دولة نوويَّة، بل إنها -للمفارقة- ستكون معنيَّة بشكل كبير بحماية نظام الوليّ الفقيه وكيم يونغ أون بشكل غير مباشر، فاندلاع فوضى أو حدوث خلخلة في هذه الدول النَّوويَّة قد يُلحِق ضررًا حقيقيًّا بالأمن الإقليمي والدولي، إذ إن النظامين الإيراني والكوري الشمالي لا يمكن الوثوق بهما أو التعويل عليهما، لا سيما وأن النظام الإيراني مثلًا مستمرّ في عملياته العدوانية تجاه جيرانه، وستجد الدول الغربية -وعلى رأسها الولايات المتحدة- نفسَها تحمي نظامًا ثيوقراطيًّا يهتف بسقوطها وبالموت لها، وستواجه دولُ الخليج العربية مصيرًا يشبه مصير كوريا الجنوبية التي ستصبح رهينة للحماية الأمريكية، فهل من متعظ؟
في ضوء الموقف الأمريكي الواضح مقابل فشل الدبلوماسية العربية والخليجية الواضحة في منطقتَي شرق آسيا والشرق الأوسط تجاه البرامج النَّوويَّة وتراجعها عن سياسة “تحجيم القوى الإقليمية”، ستستمر إيران في سياستها التوسُّعية والتخريبية تجاه دول الجوار الإقليمي في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وغيرها من الدول العربية.

وختامًا، تشير قراءة الواقع واستقراء التاريخ إلى أن الأنظمة الشمولية حتمًا تقوّض الدولة والمجتمع معًا، فلا يبقى من حامل لمشروعها غير سلطة يزداد طابعها الإكراهي إلى أن يصير هُوِيَّتها الوحيدة ومركز إعادة إنتاجها واستمرارها. ولأن هذه السُّلْطة تُلغِي بصورة متعمدة ومتعاظمة أساسها المجتمعي، فإنها تتحول إلى بناء معلَّق في الفراغ، لا يستند إلى أي أساس، يعيد إنتاج نفسه من فوق، من القيادة ممثَّلة في شخص الرئيس أو الوليّ الفقيه، فيشلّ الجمود حركته ويحول أجهزته الضخمة الأمنية والإدارية والحزبية، إلخ، المكلفة بإدارته أو حمايته، إلى عبء يتصدَّع تحت ثقله.
وببلوغ النظام الآيديولوجي هذا الوضع، تبدأ مرحلة تفكُّكه الأولى، التي تأخذ شكلًا محدَّدًا يكمن في استعارة آليات وتقنيات إدارة وحكم من خارجه. آليات وتقنيات غير آيديولوجية، تُستخدم من أجل علاج أزماته وإرساء قواعد نواظم جديدة لوجوده تضمن تحديثه وتطويره وجعله قادرًا على الحياة في زمن تَغيُّر، عندئذ تبرز عقلية مقطوعة الصلة بالآيديولوجيا، تغلب عليها نزعة تقنية محضة، ليس لقضية النظام وطابعه أهمية أُولَى بالنسبة إليها، فهي “تريد قِطًّا يصطاد الفئران ولا، يهمُّها لونه” كما قال ذات مرة الصِّيني مهندس التجرِبة التنموية الصِّينية دينغ سياو بينغ. بسيطرة هذه العقلية -التي يمثلها جيل النظام الشمولي الثالث- على مقاليد السُّلْطة، يسقط هذا النظام، لأن استمراره يصير -ببساطة- ضربًا من الاستحالة.

[1]كينث والتز، “لماذا يجب أن تحصل إيران على القنبلة: التوازن النَّوويّ قد يعني الاستقرار”، مجلة الشؤون الخارجية (FORIAGN AFFIERS)، عدد يوليو 2012، ص45.
[2]Peter Brookes, Could North Korea Secretly Build an Iranian Bomb? the National Institute, May 10, 2016، available on http://nationalinterest.org/feature/could-north-korea-secretly-build-iranian-bomb-16140.
[3]تسريبات موقع “ويكيليكس” التي نقلتها صحيفة “نيويورك تايمز” عام 2010، وللمزيد انظر: المحلِّل العسكري غوردون تشانغ، هل تفتح كوريا الشمالية الباب الخلفي للنووي الإيراني؟، ترجمة مي خلف، الخليج أون لاين، 2/4/2015، متاح على الرابط: http://alkhaleejonline.net/articles/
[4]اتفاق للتعاون العلمي بين إيران وكوريا الشمالية، أسوشيتد برس، واشنطن بوست، نيويورك تايمز، الغارديان، إندبندنت، الشرق الأوسط، القدس العربي، الحياة، 11/9/2012.
[5]By Larry Niksch, The hidden North Korea-Iran strategic Relationship، Washington times، March 30, 2016, available on http://www.washingtontimes.com/news/2016/mar/30/north-korea-nuclear-threat-the-hidden-north-korea.By Rep. Ted Poe, North Korea and Iran: Dangerous bedfellows with one common enemy، the US، March 23, 2016, available on http://thehill.com/blogs/congress-blog/foreign-policy/273953-north-korea-and-iran-dangerous-bedfellows-with-one-common
[6]Christina Lin,China and the North Korea-Iran Nuclear Axis, The Washington Institute, July-August 2010, p 13, available on http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/china-and-the-north-korea-iran-nuclear-axis
[7]Seoul Seeks Iran’s Help on North Korea Sanctions، THE WALL STREET JOURNAL, available on: http://www.wsj.com/articles/south-korean-president-seeks-irans-help-on-pyongyang-sanctions-1462182852.
[8]تصريح مسعود جزائري، سندافع عن كوريا الشمالية ضدّ أميركا، العربية نت، 8/4/2013، متاح على الرابط: http://www.alarabiya.net/ar/arab-and-
[9]بثينة إشتيوي، ماذا تعرف عن العَلاقات النَّوويَّة بين كوريا الشمالية وإيران؟، (جريدة ساسة نت الاليكترونية)، نشر بتاريخ 1/6/2015، متاح على الرابط: http://www.sasapost.com/north-korea-and-iran-nuclear-cooperation/
[10]هدى الحسيني، كوريا الشمالية تطور صناعة الصواريخ الإيرانية، الشرق الأوسط، رقم العدد 13407، بتاريخ 13/8/2015، متاح على الرابط:http://aawsat.com/home/article/428501/%D9%87%D8%AF%D9%89-
[11]محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية (القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، ط2، 1998)، ط 1، ص46.
[12]عبد الغني بسيوني عبد الله، النُّظُم السياسة، دار الجامعة الجديدة بالإسكندرية، 2006، ص112، وللمزيد انظر: أسامة الغزالي حرب، الأحزاب السياسية في العالَم الثالث، عالَم المعرفة ،1987.
[13]مصطفى اللباد، حدائق الأحزان: إيران وولاية الفقيه (القاهرة: دار الشروق، 2007) ص41. وانظر المادة 57 الفصل الخامس، دستور الجمهورية الإيرانية.
[14]الإمام الخميني، الحكومة الإسلامية، (طهران، مؤسَّسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني، 1996) ص49.
[15]السيد صدقي عابدين، النظام السياسي الكوري الشمالي، عبد العزيز شادي ومحمد أيوب (محرران)، التحولات السياسية في كوريا، القاهرة، مركز الدراسات الآسيوية، 2002، ص24.
[16]قدرات إيران والصِّين الصاروخية: حقّ مبرَّر ضمن استراتيجيات الردع، وبأهداف دفاعية، وكالة الرأي الدولية للأنباء، 15/9/2015، متاح على الرابط: http://www.alrai-iq.com/2015/09/15/156795/، وللمزيد انظر: توفيق هامل، التبعات الاستراتيجية للبرنامج النَّوويّ الإيراني، مركز الجزيرة للدراسات، انظر الرابط: http://kitabatnews.com/wordpress-test/
[17]نزار عبد القادر، الدوافع النَّوويَّة الإيرانية والجهود الدولية للاحتواء، مجلة الدفاع الوطني، العدد 24، أكتوبر/تشرين الأول 2005، متاح على الرابط: https://www.lebarmy.gov.lb/ar/content/%D
[18]Agreement in Iran Nuclear Talks, BBC News, 11 July 2004 http://news.bbc. co.uk/go/pr/fr
[19]Anthony H. Cordesman, “Weapons of Mass Destruction in the Middle East,” Arleigh A. Burkle chair for Strategy، Center for Strategic and International Studies, Washington D.C., June 2001.
[20]مصطفى علوي، البنية الدولية وخصائص النظام العالَمي: المخاطر والفرص، في (عدد من الباحثين)، الدور الإقليمي لمصر في مواجهة التحديات الراهنة، ص43.
[21]جواد الحمد، الولايات المتحدة والنظام العالَمي بعد انفجارات 11 أيلول 2001، مجلة دراسات شرق أوسطية العدد 17، خريف 2001.
[22]Hossein Seifzadeh, “Iranian Nuclear Issue: An Academic of Iran’s Official Positions.” a paper presented at UCLA Conference, Dead Sea, Jordan, 9-12 September 2004.
[23]في ذكرى إعلان ماركس.. تَعرَّف على الدول الشيوعية حاليًّا، متاح على الرابط: http://www.dotmsr.com/details/%D
[24]روسيا وإيران وكوريا الشمالية.. الصداع الغربي، متاح على الرابط: http://www.dotmsr.com/details/%
[25]عبد الله يوسف سهر، كوريا الشمالية والورقة الإيرانية وشلل الدبلوماسية العربية، الشرق الأوسط، العدد 8092، بتاريخ 23/1/2001، متاح على الرابط:http://archive.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=22810&issueno=8092#.V6cToU196Uk
[26]رون بن يشاي: المحلِّل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، إيران تنظر إلى كوريا الشمالية وتتعلم منها كيف ابتزّت العالَم وتواصل تطوير برنامجها النَّوويّ والصواريخ الباليستية، متاح على الرابط:http://www.i24news.tv/ar/%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1/middle-east
[27]أسوشيتد برس، 16/7/2016.
[28]موقف الكونجرس والإدارة الأمريكية من الاتفاق النَّوويّ الإيراني، مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية، 7/5/2015، متاح على الرابط: http://www.alnahrain.iq/?p=1935.
[29]د.محمد مجاهد الزيات، التوازن الاستراتيجي في منطقة الخليج: المتغيرات والحلول، مستشار المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، العدد 102، آراء حول الخليج، متاح على الرابط:http://araa.sa/index.php?option=com_content&view=featured&Itemid=101
[30]أشرف كشك، رؤية دول مجلس التعاون الخليجي للبرنامج النَّوويّ الإيراني، مختارات إيرانية، القاهرة، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، عدد 63، سبتمبر 2005، ص20.
[31]د. رانية محمد طاهر، السلاح النَّوويّ بين مبادئ الشرعية الدولية وحتميات القوة، دراسة مقارنة للسياسات النَّوويَّة لكل من إيران وكوريا الشمالية، المكتب العربي للمعارف، متاح على الرابط: https://books.google.com.sa/books?id=
[32]جمال سند السويدي، النشطات النَّوويَّة الإيرانية: قضايا وانعكاسات في: جمال سند السويدي محرر)، ندوة البرنامج النَّوويّ الإيراني: الوقائع والتداعيات، أبو ظبي مركز الدراسات للبحوث والدراسات الاستراتيجية، 2007، ص9.
[33]الهيدروجينية.. قنبلة تفوق النَّوويَّة، الجزيرة نت، 6/1/2016.
[34]ايمن الحماد، إيران على خطى كوريا الشمالية، الرياض، العدد 17363، بتاريخ 7/1/2016. للمزيد انظر: http://www.alriyadh.com/1117128.
[35]عمار عوض، سباق الرئاسة الأمريكية.. الواقعية في مواجهة “الترامبوية الشعبوية”، مركز الخليج للدراسات، بتاريخ 22/5/2016ن متاح على الرابط:See more at: http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/4c6c0ace-6463-4dbe-95c8-4830b620239e#sthash.ccgQZRbv.dpuf

د. عبدالرؤوف مصطفى الغنيمي

نقلا عن مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية

إرسال التعليق